هدى شعراوي – صفحات من التاريخ – الصفحة السادسة عشرة

[faharasbio]

هدى شعراوي “داعية تحرير المرأة”

ولدت هدى شعراوي فى 23 يونيو سنة 1879 م، وهي ابنة محمد سلطان باشا، رئيس أول مجلس نيابي فى مصر، وهو حاكم الصعيد العام وقائم مقام الخديوي سعيد في الثورة العرابية، والذي توفي وهي في الخامسة من عمرها، يوم 14 أغسطس سنة 1884م فى مدينة جراتسي بالنمسا، فرعتها والدتها وأنشأتها على حفظ القرآن الكريم ودراسة العلوم واللغات وحب الفنون وكفلها ابن عمتهاعلي باشا شعراوي، وكان علي باشا شخصية صارمة حازمة، لا يرى تعليم البنات، فحرمها من التعليم، فيما أفسح المجال لأخيها الأصغر عمر، وألحقه بالمدارس.

وعندما أتمَّت هدى شعراوي الثالثة عشرة من عمرها طلبها “شعراوي باشا” زوجة له، فوافقت أمها على الفور، ثمَّ زفَّت النبأ لابنتها التي امتقع لونها، وصُدمت، فالفارق بينها وبين شعراوي باشا يقارب الأربعين عاماً وهي في سن ابنته، فقد كان شعراوي متزوجاً من امرأة أخرى، وله منها ابن في نفس عمر هدى! اعترضت هدى بشدة على طلب زواجها الذي اعتبرته سخيفاً، لكن لم يكن هناك مخرج فأشارت عليها أمها أن توافق، على شرط أن يطلق شعراوي زوجته الأولى، وأن ينصّ على هذا في عقد الزواج.

وافقت هدى شعرواي بعد إلحاح من أمها على هذا الحل الذي أراحها جزئياً حيث أنها ترفض التعدد وتمَّ الزفاف في حفل ضخم ومهيب حضر فيه كبار البشوات والأعيان من أقصى أنحاء المعمورة وبعد أن انتهى شهر العسل بأيام بدأت الشائعات تتناثر بأنَّ الزوجة الأولى تطوف بيوت الأعيان وتقول إنَّ علي باشا شعراوي أعادها إلى عصمته، فجنَّ جنون هدى شعراوي، وأصرَّت على الطلاق، فاضطر علي شعراوي أن يطلِّق زوجته الأولى على مضض، وعادت المياه إلى مجاريها بين هدى وزوجها، ولكنها كانت مياه راكدة لم يحركها وجود “بسمة” و”محمد” اللذين رزقت بهما من علي باشا شعراوي.

أعمال هدى شعراوي:

على صعيد العالم الإحتماعي ساهمت السيدة هدى شعراوي ضمن ما ساهمت في إنشاء مبرة محمد علي لمساعدة الأطفال المرضى سنة 1909م، ولم تكن قد تجاوزت الثلاثين، كانت من أولى المساهمات في تشكيل اتحاد المرأة المصرية المتعلمة عام 1914م، كما أسست لجنة تحت اسم جمعية الرقي الأدبي للسيدات فى إبريل سنة 1914م.

وفي 16 مارس سنة 1919م بدأ كفاح هدى شعراوي السياسي عندما خرجت على رأس مظاهرة نسائية من 300 سيدة مصرية للمناداة بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه، وخرجت لتواجه بتحد فوهة بندقية جند بريطانيا، وشهد هذا اليوم التاريخي إستشهاد أول شهيدة للحركة النسائية، والتي أشعلت حماس بعض نساء الطبقات الراقية اللاتي خرجن في مسيرة ضخمة رافعات شعار الهلال والصليب دليلاً على الوحدة الوطنية، وينددن بلإحتلال وتوجهت هذه المسيرة الى بيت الأمة. ومنذ ذلك التاريخ والمرأة المصرية تحتفل بالسادس عشر من مارس، بعد إختياره ليكون يوماً للمرأة المصرية.

وكانت أول امرأة تخلع الحجاب علانية أمام الناس وتدوسه بقدميها مع زميلتها “سيزا نبراوي” عقب عودتهما من مؤتمر نسائي دولي سنة 1923م وكانت حلقة الوصل بين الحركات النسائية العربية ونظيرتها الغربية، إذ شاركت في 14 مؤتمراً نسائياً دولياً في أنحاء العالم العربي، وأسست 15 جمعية نسائية في مصر وحدها، وكانت رئيسة الاتحاد النسائي المصري، وأسست مجلتين نسائيتين، واحدة بالعربية والأخرى بالفرنسية، ونقلت أفكار تحرير المرأة من مصر إلى بقية الدول العربية. وكانت في طليعة النساء التحرريات، بل كانت من أهم الرموز النسائية التغريبية في العالم العربي.

فى 16 من مارس عام 1923م أسست هدى شعراوي جمعية باسم الإتحاد النسائي المصري بهدف رفع مستوي المرأة الأدبي والإجتماعي للوصول بها الى حد يجعلها أهلاً للإشتراك مع الرجال في جميع الحقوق والواجبات. و تسعي الجمعية بكل الوسائل المشروعة لتنال المرأة المصرية حقوقها السياسية والإجتماعية كما ورد في المادة الثانية والثالثة من القانون الأساسي لهذا الإتحاد.

وكانت العضوات المؤسسات لهذا الإتحاد 12 سيدة فقط في مقدمتهن هدى شعراوي الرئيسة وشريفة رياض نائبة الرئيسة وسكرتيرتين هما إحسان القوسي وسيزا نبراوي، بلإضافة الى عدد من عضوات لجنة الوفد المركزية للسيدات.

وحرصت هدى شعراوي على صيانة المرأة من الظلم الواقع عليها فطالبت برفع سن الزواج للفتاة الى 16 سنة على الأقل، وقد تحقق لها ما أرادت في عام 1923م، وقد طالبت بفتح أبواب التعليم العالي للفتيات وبإشراك النساء مع الرجال في حق الإنتخاب، وبسن قانون يمنع تعدد الزوجات إلا للضرورة، وأيضاً طالبت برفع الظلم والإهانة اللذان يقعان علي المرأة فيما يدعى بدار الطاعة.

وفي عام 1930م ساعدت الإقتصادي الكبير طلعت حرب في جمع رأس المال في إنشاء بنك مصر، أول بنك مصري وطني، بفضل جهودها علي صعيد الأصدقاء والمعارف، من الطبقات الراقية وقت ذاك، الي جانب تبرعها بميلغ كبير من رأس المال المطلوب لإنشاء هذا البنك.

وقد حصلت في حياتها على عدة أوسمة ونياشين من الدولة في العهد الملكي وأطلق اسمها على العديد من المؤسسات والمدارس والشوارع في مختلف مدن مصر.

وقد توفيت بالسكتة القلبية في 29 نوفمبر 1947، بعد صدور قرار التقسيم في فلسطين من قبل الأمم المتحدة، وكانت تكتب بيانًا في فراش مرضها، تطالب فيه الدول العربية بأن تقف صفًا واحدًا في قضية فلسطين.

تاريخ جميل منمق جدًا درسونا إياه وأقنعونا به، في كل الكتب الرسمية، ولكنهم سكتوا عن أشياء كثيرة في سيرة هذه السيدة لم يقولوها ولم يقتربوا منها، لم يقولوا لنا مثلًا أن: محمد باشا سلطان، والد هدى شعراوي هو من قام بإبلاغ ديلسبس بخطة عرابي وأماكن تمركز قواته، وهو الذي أشار على ديلسبس أن يعلن حيادية القناة وأنها لن تستخدم بواسطة الإنجليز لاحتلال مصر..

وهوالذي نقل حوار مجلس الحرب في كفر الدوار وساعد في إقناع عرابي بالثقة في وعد الفرنسي ديلسبس.. وأنه كان يرافق جيش الاحتلال الإنجليزي في زحفه على القاهرة، ويدعو الأمة إلى استقباله وعدم مقاومته، ويهيب بها إلى تقديم كافة المساعدات المطلوبة له ليقوم بنفس الدور الذي قام به أبو رغال الذي أخذ بيد إبرهة إلى مجاهل صحراء الجزيرة من أجل هدم الكعبة بمكة.. وقد كتب عن ذلك الدور صلاح عيسي في كتابه الثورة العرابية: “لقد كان سلطان باشا أكبر مساعد للإنجليز على قومه بالرشوة مع أنه كان من أكبر الأغنياء”.

وقد كتب عن ذلك، رشيد رضا في كتابه تاريخ الأستاذ الإمام الجزء الأول : فكانت الرشوة اللعينة تنساب في الظلام فتقتل بسمومها بعض الضباط؛ أمثال الخائن علي يوسف خنفس الذي أخلى الطريق للإنجليز عند التل الكبير وكان لمحمد سلطان باشا والد هدى شعراوي دورًا كبيرًا في ذلك والآن لنسأل أنفسنا قبل إيراد هذه الواقعة، هل المبادئ تتجزأ؟ وهل يمكن تحوير المبادئ تبعًا لمصالحنا الشخصية؟

لنرى ذلك في سيرة نصيرة المرأة والمدافعة عن حقوقها ومطالبتها بمساواتها مع الرجل

حيث تقول القصة أن السيدة هدى شعراوي أقامت حفلاً ساهرًا كبيراً في قصرها دعت لإحيائه المطربة فاطمة سري التي كانت قد اعتذرت لارتباطها بمواعيد مسرحية مع يوسف وهبي.. فكلفت محاميها الشهير إبراهيم الهلباوي (هل تتذكرون هذا الاسم؟ محامي الشيطان الذي دافع عن الإنجليز في حادثة دنشواي التي أوردناها سابقًا)، بأن يحاول أن يقنع المطربة فاطمة سري بالحضور وأمام إلحاح المحامي الكبير ولأجل خاطر مكانة الزعيمة النسائية الكبيرة هدى هانم شعراوي، وافق يوسف وهبي علي طلب فاطمة بتأخير دورها إلي آخر المسرحية ريثما تعود من الحفل!.

وفي الحفل شاهد محمَّد شعراوي، ابن هدى شعراوي المطربة فاطمة سري التي أحيت الحفل فأعجب بها ووقع حبها في قلبه، فراح يلاحقها من حفل إلى حفل، ومن مكان إلى مكان، وهي معرضة عنه، ممَّا أشعل حبها في قلبه، وبدأت قصة الحب تتطور بينهما، وكانت فاطمة مطلقة ولها ولدين من زواج سابق وقد أشارت إحدى المجلات إلى هذه القصة على صفحاتها، فانزعجت المطربة، لكن الباشا لم ينزعج، وقال لها: أريد أن تعرف الدنيا كلها أني أحبك!

وتسبب ذلك في سحب حضانة الطفلين منها من قبل طليقها، وحين علمت هدى شعراوي لم يكن ذلك سهلًا عليها قبوله فكيف يمكن لسليلة الحسب والنسب وتربية القصور‏،‏ أن تقبل زواج ابنها من مطربة‏،‏ بل وفوق ذلك مطلقة ولديها أولاد‏.‏

فأمرت ابنها بالتخلص من هذه الفضيحة التي تضر بسمعة العائلة، فما كان من محمد شعراوي سوى أن يكتب لها شيكاً بمبلغ كبير ثمناً للوقت الذي أمضاه معها!! فما كان منها إلا أن مزَّقت الشيك وداسته بأقدامها وتركته وهي ثائرة غاضبة، وغادرت الإسكندرية إلى القاهرة، وحين ظهرت عليها أعراض الحمل حاولت الإجهاض، إلا أن محمد لحق بها واسترضاها وكتب لها إقرارًا بخط يده بواسطة محاميه الخاص مفاده:

“أقرُّ أنا الموقع على هذا محمد على شعراوي نجل المرحوم علي باشا شعراوي، من ذوي الأملاك، ويقيم بالمنزل شارع قصر النيل رقم 2 قسم عابدين بمصر، أنني تزوجت الست فاطمة كريمة المرحوم “سيد بيك المرواني” المشهورة باسم “فاطمة سري” من تاريخ أول سبتمبر سنة 1924 ألف وتسعمائة وأربعة وعشرين أفرنكية، وعاشرتها معاشرة الأزواج، وما زلت معاشراً لها إلى الآن، وقد حملت مني مستكناً في بطنها الآن، فإذا انفصل فهذا ابني، وهذا إقرار مني بذلك.

وأنا متصف بكافة الأوصاف المعتبرة بصحة الإقرار شرعاً وقانوناً، وهذا الإقرار حجة عليَّ تطبيقاً للمادة 135 من لائحة المحاكم الشرعية، وإن كان عقد زواجي بها لم يعتبر، إلا أنَّه صحيح شرعي مستوف لجميع شرائط عقد الزواج المعتبرة شرعاً. محمد علي شعراوي القاهرة في 15 يونيو 1925م”

وقد نقل هذه الواقعة الكاتب المعروف “مصطفى أمين” في كتابه مسائل شخصية.

جن جنون هدى شعراوي وحاولت الضغط على المطربة بما لها من نفوذ وعلاقات واسعة، وتهديدها بتلفيق ملف سري في شرطة الآداب يتهمها بالدعارة !!! لكن المطربة تحدتهم وقالت إنها ستطلق بنفسها الرصاص على أي وزير داخلية يقوم بهذا التزوير.

اشتعلت المعركة بين هدى شعراوي وابنها وزوجته المطربة، فقرر ابنها السفر إلى أوروبا وطلب من زوجته اللحاق به، فكان يتنقَّل من مدينة إلى مدينة، ومن بلد إلى بلد تاركاً ـ لزوجته في كل مدينة وفي كل بلد رسالة مفادها أن الحقي بي، لكنها برغم حرصها على اللحاق به لم تعثر عليه في أي مكان ذهبت إليه، حتى التقت به في باريس وهناك سألها عن الإقرار، فأنكرت أنها أحضرته.

وأبدى مخاوفه من أن تلد في باريس فيتسرب الخبر إلى الملك فؤاد عن طريق القنصل زوج ابنة الملك، إذا ما سجلت المولود هناك، فغادرت فاطمة إلي فيينا لتلتقي هناك مصطفى النحاس الذي كان هناك في زيارة وكان محاميًا كبيرًا في مصر، فنصحها بألا تعطي زوجها أصل الإقرار وأن تصوره صورة زنكوغرافية، إذ استشعر النحاس نذالة الفتى العابث الذي ترك زوجته تضع وليدها في بلاد غريبة، ووضعت فاطمة مولودتها من محمد علي شعراوي في اليوم السابع من سبتمبر1925، وعادت بعدها إلى مصر.

وقد حاول بعض البلطجية سرقة الطفلة الحفيدة من حضن أمها فلم يتمكنوا فقد أخذت الفنانة الإحتياطات الكافية لذلك بعد أن علمت أن أحد البشوات الشعراويين من أقارب هدى هانم قد أنجب بطريق الحرام من خادمته وحينما قامت بمقاضاته وطلب البنوة للإبن المولود دفع للطباخ مبلغًا من المال حتى يعترف بعلاقته بالخادمة فقام بلطجيته بسرقة الطفل من حضن أمها ليلًا وأخذوا الطفل ووضعوه في أحد الحقول فمات الطفل من البرد ..

وبعد مدة عاد شعراوي ليسأل عن فاطمة سري وعن ابنته ويسألها أيضاً عن الإقرار فسألته: هل يهمك الحصول على هذه الورقة؟ فقال: بهذا تثبتين إخلاصك لي إلى الأبد! فمدَّت يدها تحت الحشية التي كان يجلسان عليها وأخرجت الورقة وسلمتها له، ولم يتبين شعراوي أنَّها صورة، فالخط خطه ولون الحبر نفسه، وخرج شعراوي بعد ما طمأنها بأنَّه سيحتفظ بالورقة في مكان آمن لتكون دليلاً ترثه ابنته به، ثم احتضن الصغيرة، وقبل الزوجة وخرج وهو يقول إنَّه سيعود صباح اليوم التالي، ولم يعد أبداً.

اتصلت به المطربة فاطمة سري هاتفياً، فأنكر نفسه، فعاودت الاتصال، فوجدته وقد انهال عليها سباً وشتماً، وأغلق في وجهها الخط! فلم يكن أمامها سوى تلك السيدة العظيمة التي أخذت على عاتقها مناصرة المرأة المظلومة من نوعية مشكلتها وهي بالمناسبة أم زوجها وجدة رضيعتها، فلتعرض عليها مأساتها، فإن لم ينصرها عقلها، حن قلبها!. أرسلت إليها رسالة تلمح في صدرها بأنها وإن كانت دون مستوى النسب، إلا أن هناك طفلة لها حق الانتساب لأبيها. فجاء نص رسالتها كالتالي:

سيدتي:
سلامًا وبعد، إن اعتقادي بك وبعدلك، ودفاعك عن حق المرأة، يدفعني كل ذلك إلى التقدم إليك طالبة الإنصاف، وبذلك تقدمين للعالم برهانًا على صدق دفاعك عن حق المرأة، ويمكنك حقيقة أن تسيري على رأس النساء مطالبة بحقوقهن، ولو كان الأمر قاصرًا علي لما أحرجت مركزك، لعل أنك أم تخافين على ولدك العزيز أن تلعب به أيدي النساء وتخافين على مستقبله من عشرتهن، وعلى سمعته من أن يقال إنه تزوج امرأة كانت فيما مضي من الزمان تغني على المسارح، ولك حق إن عجزت عن تقديم ذلك البرهان الصارم على نفسك، لأنه يصيب من عظمتك وجاهك وشرف عائلتك، كما تظنون يا معشر الأغنياء، ولكن هناك طفلة مسكينة هي ابنتي وحفيدتك.

إن نجلك العزيز، والله يعلم، وهو يعلم، ومن يلقي عليها نظرة واحدة يعلم ويتحقق من أنها لم تدنس ولادتها بدم آخر، والله شهيد، طالبت بحق هذه الطفلة المعترف بها ابنك كتابيًا، قبل أن يتحول عني وينكرها وينكرني، فلم أجد من يسمع لندائي، وما مطالبتي بحقها وحقي كزوجة طامعة في مالكم، كلا! والله فقد عشت قبل معرفتي بابنك، وكنت منزهة محبوبة كممثلة تكسب كثيرًا، وربما أكثر مما كان يعطيه لي ابنك، وكنت متمتعة بالحرية المطلقة، وأنت أدرى بلذة الحرية المطلقة التي تدافعين عنها، ثم عرفت ابنك فاضطرني أن أترك عملي وأنزوي في بيتي، فأطعته غير طامعة بأكثر مما كان يجود به.

وما كنت لأطمع أن أتزوج منه، ولا أن ألد منه ولدًا، ولكن هذه غلطة واسأليه عنها أمامي، وهو الذي يتحمل مسئوليتها، فقد كنت أدفع عن نفسي مسألة الحمل مرارًا وتكرارًا، حتى وقع ما لم يكن في حسابي، هذه هي الحقيقة الواقعة وانتهي الأمر.

والآن يتملص ولدك من كل شيء، ولا يريد الاعتراف بشيء، وقد شهد بنفسه من حيث لا يدري بتوسيطه كثيرين في الأمر، وما كنت في حاجة لوساطة، ولو كان تقدم إلي طالبًا فك قيده لفعلت، وكانت المسألة انتهت في السر، ولم يعلم بها أحد، فعرض علي في الأول قدرًا من المال بواسطة علي بك سعد الدين (سكرتير عام وزارة الأشغال)، وبواسطة الهلباوي بك (المحامي الكبير) وغيرهم ممن حضروا إلي ظانين أنني طامعة في مالهم، وأنه في إمكاني إنكار نسب ابنتي إذا أغروني! ولكنني أخاف إلهًا عادلًا بأنه سيحاسبني يومًا عن حقوقها ـ إن لم تحاسبني هي عليها ـ فلم يجد محمد مني قبولًا للمال، وعندما وجد مني امتناعًا عن إنكار نسب ابنته سكت عني تمامًا.

فوسطت فهيم أفندي باخوم محاميه، فاجتهد في إقناعه بصحة حقوقي وعقودي واعترافه بابنته، وتوسط في أن ينهي المسألة على حل يرضي الطرفين، فلم يقبل نجلك نصيحته بالمرة، وكان جوابه أن ألجأ برفع دعوى عليه ومقاضاته، وهو يعلم تمامًا أن نتيجة الدعوى ستكون في صالحي، فلا أدري ماذا يفيده التشهير في مسألة كهذه سيعلم بها الخاص والعام، وسنكون أنا وأنتم مضغة في الأفواه، وأنت أدري بجونا المصري وتشنيعه، خصوصًا في مسألة كهذه، وهذا ما يضطرني إلي أن أرجع إليك قبل أن أبدأ أية خطوة قضائية ضده، وليس رجوعي هذا عن خوف أو عجز، فبرهاني قوي ومستنداتي لا تقبل الشك وكلها لصالحي، ولكن خوفًا على شرفكم وسمعتكم وسمعتي.

ولو أنني كما تظنون لا أبالي، فربما كانت مبالاتي في المحافظة على سمعتي وشرفي أكثر من غيري في حالتي الحاضرة، فهل توافقين يا سيدتي علي رأي ولدك في إنهاء المسألة أمام المحاكم؟ أنتظر منك التروي في الأمر، والرد علي في ظرف أسبوع؛ لأنني قد مللت كثرة المتداخلين في الأمر.. ودمت للمخلصة فاطمة سري.

فما كادت هدى شعراوي تنتهي من قراءة رسالة المطربة حتى ثارت ثائرتها، واعتبرتها إعلاناً لحرب، واعتبرتها إنذاراً نهائياً مدته أسبوع واحد فنسيت كل مبادئها للتحرير وكلفت إبراهيم الهلباوي المحامي بالإتصال بها وارضاءها بالمال حيث وصل المبلغ المدفوع إلى 25 ألف جنيه، فلما رفضت عرض عليها مقترحا آخر رفضته بكل ثقة، حيث أنهم أرادوا أن يأتوا برجل من صنائعهم يعقد قرانه عليها ويكون عقد القران سابقًا لمولد ابنتها، ويعترف ذلك الرجل ببنوة الطفلة فلا تنشأ مجهولة الأب وتصبح ابنة شعراوي أمام القانون ابنة رجل آخر.

وصلت القضية إلى الصحف وقامت فاطمة برفع أول قضية إثبات نسب في تاريخ مصر أمام المحاكم الشرعية، وأصبحت قضية رأي عام وتوالت الضغوط من شخصيات كبيرة على المحكمة لتغيير الوقائع، وتولى القضية فكري باشا أباظة، عضو مجلس النواب، كما توعّد سعد باشا زغلول بطلب إقالة الحكومة، لوجود ضغوط على القضاء الشرعي الذي ينظر دعوى النسب وكل الأدلة والمستندات والشهود في كفة فاطمة وابنتها وضد هدى الشعرواي وابن هدى، بجانب ترجيح اعتماد هدى شعرواي على تلفيق قضية آداب للأم تأكيدًا على سوء سلوكها.

وبعد ثلاث سنوات في المحاكم خسرت هدى شعراوي القضية، فقد حكم القضاء الشرعي بعد فحص المستندات وسماع الشهود ومرافعة المحامي فكري أفندي أباظة، بإثبات نسب الطفلة ليلي محمد علي شعراوي لأبيها وإلزامه بالحقوق الشرعية كافة، المترتبة على هذا النسب.

وداخل قاعة المحكمة سلمت «فاطمة» ابنتها إلى «محمد» الذي تولى تربيتها في القصر مع والدته هدى شعراوي، حارمًا الأم من رؤيتها فيما بعد. وقام محمد شعراوي بالزواج من سيدة من أسرة عريقة نزولاً على رغبة والدته ورزق منها عدة بنات وولد واحدً، لم يوفق معها، فتزوج للمرة الثالثة من راقصة تدعى “أحلام” رزق منها ثلاثة أولاد.

[ppc_referral_link]