ولا ألف ليلة وليلة – الليلة الثانية عشرة

[faharasbio]

قصص ولا ألف ليلة وليلة – الليلة الثانية عشرة

ضمن سلسلة قصص ولا ألف ليلة وليلة بالاشتراك مع الأديبة المصرية ربا أحمد

حول مائدة منخفضة، عامرة بالعديد من أصناف
الأطعمة والفواكه، كانت شهرزاد تجلس على وسادة
دائرية في مقابل ملكها الذي كان يلتهم الطعام بسرعة وهو
يؤكد عليها أن تنتهي سريعًا من تناول طعامها؛ كي تبدأ
في مواصلة الحكاية باكرًا.

و أخيرًا انتهت شهرزاد تحت مراقبته الممتعضة لها
وتوجهت ناحية جلستهما المعتادة كل ليلة.

لمَ أنت صامتة؟!.. هيا أخبريني عن قمر الزمان،
والملك نعمان وذلك الخبيث شعلان ..

أمرك يا ملك الزمان … بلغني أيها الملك السعيد . .ذو
الرأي الرشيد .. أنه قد غابت البهجة عن قصر الملك
النعمان .. منذ أن غادره ابنه نوران .. وذهب إلى مجهول
تخفيه عنه الأيام ..

كما بلغني أنه لم تعد فراشة القصر – “قمر الزمان” تضحك .. ولم تعد بسمتها تنير المكان .. بل أصبحت كزهرة ذابلة .. عيناها للبعيد راحلة .. وصارت شبح إنسان..!

أما عن الملك النعمان، فقد اعتزل بداخل
القصر. ولم يعد يهتم لشؤون الرعية .. وأهمل واجباته
اليومية، وهام في عالم آخر غير عالمه، غافلًا عن كل ما
يدور من حوله من دسائس ومؤامرات، وكأنه قد ندم على
ما بدر منه من إرسال ولده في رحلة لايعرف منتهاها..!

صارت الفرصة سانحة للوزير
الخبيث “شعلان” للسيطرة على الحكم تدريجيًا، كما خطط
له، وصار يتصرف في الملك كأنه سيد العصور.
وحتى يستتب له الحكم .. بدأ خطته بالتخلص من
المخلصين للملك .. وبدأ بقائد الحرس الشخصي للملك
القائد الشجاع “سمحان”.

وذات يوم .. دخل مسرعًا إلى قاعة العرش بلا استئذان
حيث يجلس الملك النعمان .. رآه حزينًا كئيبًا منزويًا مع
أفكاره فابتسم بتشف قائلًا:

مولاي..

التفت إليه الملك وبصوت حزين سأله: ماذا
تريد يا شعلان؟

مولاي لقد اكتشفنا مؤامرة تحاك ضد جلالتك وتهدف
إلى التخلص منك والاستيلاء على حكم مملكتك.

انتفض الملك في مكانه كمن لدغته أفعى قائلًا: ماذا
تقول؟ مؤامرة؟ ضدي أنا؟! من هم؟ ولماذا؟ وكيف؟!!

مولاي .. لقد اكتشفنا تلك المؤامرة الآثمة وتمكنا من
القبض على المسؤول عنها وهو للمفاجأة .. قائد حرسك
سمحان.

بهت الملك وصاح: قائد حرسي؟ سمحان؟ رجلي
المخلص؟ ياللهول ما الذي يحدث؟!

مولاي .. قمنا منذ فترة بمتابعة سمحان بعد أن شك قائد
الجيش المخلص بتصرفاته، وتم القبض على أحد رجاله
المخلصين وهو يحمل رسالة سرية منه إلى ملك المملكة
الغربية يحضه فيها على مهاجمة مملكتنا والاستيلاء على
الحكم فيها بلا إبطاء.

ضرب الملك النعمان كرسي العرش بقبضة يده
صارخًا: اللعنة على الخونة .. فلتضرب بيد من حديد
يا شعلان .. وإياك أن تأخذك شفقة أو رحمة بالخونة.

انحنى شعلان أمام الملك وعلت شفتيه ابتسامة ماكرة
وفورًا قال: أمر مولاي.

في تلك الليلة كان هناك رجلين يسيران في ممر شبه
مظلم، يخفي اللثام وجهيهما، تتراءى خيالاتهما على
الجدران على ضوء المشاعل .. يسيران بحذر شديد،
ورائحة الرطوبة والعفونة تتصاعد بشكل كريه لتزكم
أنفيهما كلما تقدما أكثر ..!

وصلا عند البوابة الحديدية التي يقف عندها أحد
الحراس الأشداء، والذي ما إن رآهما حتى وقف منتبهًا
بعد أن عرفهما.

أزاحا اللثام عن وجهيهما ليظهر من تحته الوجهين
القبيحين للوزير “شعلان” وقائد الجند “فضلان” …!

بادر الوزير الحارس وهو ينظر إلى خلف القضبان إلى
ذلك الجسد الموثق بالسلاسل، وعلى شفتيه ابتسامة تشف
خبيثة: كيف حال ضيفنا؟ هل تعملون على إكرامه جيدًا؟

ضحك الحارس ضحكته القبيحة قائلًا:
نعم سيدي الوزير نكرمه جيدًا ونحرص دائمًا على أن
تكون وجباته دسمة جدًا.

ضحكوا ثلاثتهم وأشار قائد الجيش إلى الحارس لكي
يروا السجين عن كثب.

أصدرت البوابة صريرًا مزعجًا عند فتحها ليدلفا منها
ويقفان أمام السجين الذي لم يكن إلا
القائد “سمحان” قائد الحرس الشخصي للملك
النعمان ..!

كان يقف شبه معلق إلى السقف بالكاد قدميه تلامسان
الأرض.. ممزق الملابس .. ظهره مدمى من الجَلْد الذي
تعرض له. خائر القوى وفي حالة يرثى لها.

أمسك الوزير بذقنه ورفع رأسه إلى الأعلى لتتقابل
العينان و التمعت عينا القائد سمحان حينها ببريق الحقد
على الخونة.

قهقه الوزير بصوت عال ليقول: لم تخمد جذوة الحماس
في عينيك بعد، ولكني أقسم لك أنني سأطفئ تلك الجذوة
وسأطفئ هاتين العينين.

لم ترغب بأن تكون جزء من مخططي ورفضت وكنت
تريد إعلام الملك، وها قد انقلب رفضك وغرورك عليك
وحصلت على أمر من الملك بالقضاء عليك وعلى أتباعك
وسترى كيف سأقضي عليكم جميعًا.

صمت شعلان لبرهة وهو يرمقه بنظرة ساخرة ليكمل:
كان القبض عليك يكاد يكون مستحيلًا ولكن عبقريتي
الخارقة تفتقت عن خطة جهنمية نفذتها بمساعدة صديقي
المخلص فضلان وأوقعنا بك في كمين محكم ..

أرسلنا أحد رجالنا المدسوسين عليك برسالة مزورة منك إلى ملك
المملكة الغربية تطلب فيها منه مهاجمة مملكتنا
والاستيلاء على الحكم فيها، ولإكمال الخطة قمنا بإحضار
رجلين من السجن وافهمناهما أنهما في مهمة إذا نجحا
فيها سنطلق سراحهما ونجعلهما من الأثرياء بعد أن نسقط
جميع التهم عنهما.

وبالطبع لم يكن أمامهما إلا الموافقة، فقمنا بالباسهما
لباس جند المملكة الغربية، وجعلناهما يمثلان دور
رسولين منها جاءا لاستلام رسالتك، وأرسلنا مجموعة
من الجند لمطاردتهم جميعًا، وتم القبض على رسولك
وبحوزته الرسالة، وبالطبع لم يكن يهمنا الآخران بل
للحقيقة كان يهمنا موتهما فقتلناهما.

عاد بريق الانتقام يلمع بعيني شعلان وهو يكمل:
أرأيت مصير من يحيد عن رأيي ويخالفني أيها الأحمق؟

زمجر سمحان بصوت استجمعه بصعوبة:
أقسم أني سأقتلكما جزاء خيانتكما وجزاء ما فعلتماه بي

نظر شعلان وفضلان إلى بعضهما لينفجرا
ضاحكين، وليقول فضلان بصوت ضاحك:

وهل تتوقع خروجك من هنا لتنتقم أيها الأبله؟
ستتعفن في هذا المكان وستموت ببطئ، وسأجعلك
تتمنى الموت فلا تناله أيها الغبي.

وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح

إقرأ أيضًا: الليلة الأولى من كتاب ولا ألف ليلة وليلة

[ppc_referral_link]