مجزوءة الوضع البشري
إن مجزوءة الوضع البشري العام تتسم بصفة التعقيد والتحديد ضمن شروط معينة متضافرة فيما بينها تاريخية وتفاعلية وذاتية أيضًا، ولكن هذا لا يعني أن الوجود الإنساني بالكامل يخضع لشروط تعطيه طابع الضرورة فقط.
في الحقيقة يكون الإنسان متميز بقدرته على تحقيق الوعي الكبير بمحيطه وذاته وحياته التي تتقدم وتتطور ليس وفق قوانين الطبيعة فحسب بل أيضًا وفق نمط ثقافي فكري هام وقوي.
يكون كل فرد قادر على التفاعل بشكل صحيح مع الآخرين ومع المحيط الخارجي أيضًا وبنفس الوقت يقوم بمراكمة منتجات داخل زمانه وبهذه الصورة تظهر لدينا موضوعات الشخص والتاريخ والغير كصورة ثلاثية الأبعاد تشرح مفهوم الوضع البشري.
سنتحدث في هذا المقال عن مجزوءة الوضع البشري وفق أفكار رئيسية هامة وعن رأي الفلاسفة الكبار بها.
مفهوم الشخص
الشخص هو عبارة عن كائن مفكر عقلاني يمتلك القدرة على تحقيق الوعي بذاته وأيضًا هو قادر على التمييز بين الشر والخير حيث يتحمل مسؤولية اختياراته وأفعاله كلها مع امتلاكه هوية يتفرد بها تجعله مطابقًا لنفسه.
إن كل ما سبق لا يعني أنه عبارة عن هيكل جامد بل هو كائن يظهر بأشكال متعددة ومتنوعة ولذلك يجب أن نسأل نفسنا ما أساس هوية الشخص؟ ومن أين يستمد كل شخص قيمته؟ وهل هو فعلًا حر في اختيار تصرفاته وأفعاله؟
الدلالة الاشتقاقية لكلمة personne
إن الكلمة الفرنسية personne مشتقة من الكلمة اللاتينية persona وهي تعني القناع الذي يستخدمه الممثل ليضعه على وجهه لكي يصبح أكثر ملاءمة مع الدور الذي يلعبه على خشبة المسرح.
الدلالة اللغوية العربية لكلمة “شخص”
تقال كلمة شخص بمعنى : بدُن وأيضًا الشخص هو الجسيم أو السيد وقد عرفه ابن منظور في معجم لسان العرب بقوله “الشخص هو كل جسم له ارتفاع وظهور”.
نلاحظ فيما سبق أن الدلالة الاشتقاقية الخاصة بالكلمة الفرنسية تشير إلى معنى القناع المزيف الذي يستخدمه الممثل لكي يخفي شخصيته بهدف الظهور بشخصية جديدة تمامًا مختلفة عنه، بينما تكون الكلمة نفسها باللغة العربية دالة على البروز والظهور في مقابل التواري والاختفاء.
الشخص والهوية
في حال كان الشخص كائن عاقل يتميز بالوعي ويمتلك هوية تجعله مطابق لذاته نفسها فإننا سنجد أنه ستمر عليه بعد التغيرات المتعلقة بتركيبته النفسية والبيولوجية وذلك على اختلاف المراحل العمرية التي يمر بها سواء كان (طفل- شاب- شيخ).
ما الذي يجعل هذا الشخص هو نفسه على الرغم من كل ما يطرأ عليه من تغيرات أو بنمط آخر للسؤال ما أساس هوية الشخص؟
المفاهيم المركزية
- مفهوم الهوية: وهي حقيقة كل شيء أي الصفات الأساسية الجوهرية التي تجعل كل شخص هو نفسه مطابقًا لذاته.
- مفهوم الوعي: وهو كل العمليات الشعورية التي تسمح للذات أن تدرك بشكل مباشر نفسها وكل ما تعمل به.
- مفهوم الإدراك: ويقصد به غالبًا الإدراك الحسي أي معرفة وتحديد كل الأشياء من حولنا بمساعدة الحواس الخمس.
الافكار الرئيسية
- عندما نريد تحديد الهوية الشخصية لا بد لنا أن ننطلق من تعريف مفهوم الشخص.
- وفق جون لوك فإن الشخص هو كائن عاقل قادر على التأمل بشكل صحيح وأيضًا يمتلك هوية تجعله متطابق تمامًا مع ذاته.
- هوية كل شخص يتم تحديدها بالانطلاق من الشعور الملازم دائمًا للفكر.
- يكون الفكر عند الفلاسفة التجريبيين هو عملية استقبال المعلومات من العالم المحيط عبر الإدراكات الحسية حيث يكون العقل هو مجرد مستقبل مستمع ولكن مع قيامه بوظيفة التركيب والتحليل التي تساعد في إنتاج أفكار غير موجودة على أرض الواقع.
- يقترن الوعي دائمًا مع الفكر وهذا ما يجعل كل شخص مطابق لذاته دائمًا.
- إن هوية الإنسان تمتد من الماضي عبر الذاكرة حيث تشكل امتداد حقيقي للشعور في كل مكان وزمان وهذا ما يجعل الذات الحالية تدرك أنها نفس تلك التي كانت في الماضي منذ وقت طويل.
الشخص بوصفه قيمة
إذا كانت ميزة الشخص هي القيمة التي يمتلكها بشيء أو بسلوك معين يقوم به وهي التي تجعله مرغوبًا، فمن أين يحصل الشخص على قيمته؟
المفاهيم المركزية:
- مفهوم القيمة المشروطة: وهو يعني أن الذي يحدد قيمة أي شيء أو فعل نقوم به هو فقط النتائج التي ننتظرها منه وليس الفعل بحد ذاته.
- مفهوم القيمة المطلقة: وهي نفسها القيمة الذاتية حيث أن كل ما هو مرغوب به لذاته يمتلك قيمة خاصة به.
- مفهوم الأمر المطلق: هو أمر قطعي تمامًا وقد تم وضعه من قبل كانط بالصيغة التالية:
” اعمل دائمًا حيث تعامل الانسانية في شخصك وفي الاشخاص الاخرين كغاية وليس مجرد وسيلة”.
موقف جورج غوسدورف لقيمة الشخص
بالنسبة لجورج فإن قيمة الشخص لا تتمثل عبر النظر إليه على أنه كائن فردي منعزل عن كل ما حوله يضع نفسه في مقابل العالم كله وأيضًا بدون انغلاق عن ما حوله.
يكون الشخص الأخلاقي مشارك بكل أوجه الحياة الاجتماعية وفق مبدأ التضامن بين كل الناس.
يقول جورج غوسدورف ” لقد فهم الشخص الاخلاقي أن الغنى الحقيقي لا يوجد في التحيز والتملك المنغلق، كما لو كان بإزاء كنز خفي، ولكن يوجد بالأحرى في وجود يكتمل ويتلقى بقدر ما يعطي ويمنح”
الشخص بين الضرورة والحرية
إذا كان فعلًا مفهوم الشخص حسب كانط هو ” الذات التي يمكن أن تنسب إليها مسؤولية أفعالها” فهذا يعني أن كل شخص هو حر تمامًا في اختيار تصرفاته وأفعاله مع تحمله للمسؤولية كاملة.
لكن عندما نقوم بتأمل حياة الشخص نجده محاط بشكل كامل بمجموعة من الضوابط النفسية والاجتماعية والبيولوجية.
المفاهيم المركزية
- مفهوم الحرية: وهي تعني الاستقلال التام سلوكيًا وفكريًا مع عدم الخضوع لأي نوع من الإكراهات الخارجية.
- مفهوم الحتمية: وهي النقيض المعاكس للحرية حيث تعني أن كل فعل يجب أن يكون محدد بما سبقه من تصرفات ضمن إطار علاقة سببية أي أن كل سبب يؤدي إلى نتيجة حتمية.
- مفهوم الوهم: وهو يعني الظن الفاسد حيث يطلق على الخداع الحسي وعلى التمثل الكاذب الذي ينتج عن الانخداع بالظواهر.