قصة خلق الإنسان – كتاب الانسان سافك الدماء والجوانب التي يتناولها

نقدم لكم قصة خلق الإنسان وهي من كتاب الانسان سافك الدماء للدكتور الطبيب نبيه عثمان غانم حيث يتحدث الدكتور عن العبر المستفادة من هذه القصة كما وردت في القرآن

[faharasbio]

قصة خلق الإنسان من كتاب الانسان سافك الدماء والجوانب التي يتناولها الباب الأول – الفصـل الأول، تأليف دكتور نبيه عبد الرحمن عثمان غانم.

قال تعالى {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)} سورة البقرة.

قال تعالى {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)} سورة المائدة.

خلق الله آدم عليه السلام بيديه وكرمه وشرفه وفضله علي سائر المخلوقات أي تشريف هذا وأي تكريم إنه حقا أعظم تكريم ناله من خالقه العظيم، قال تعالى{إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (71) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)}سورة ص.

ومن كمال التشريف والتكريم للإنسان أن نفخ الله من روحه في هذا الكائن البشري، بهذا تمييز الإنسان في طبيعته ومآله وغاية وجوده وخصه الله بقدر رفيع بين المخلوقات، واقتضت إرادة الخالق أن يكون الإنسان خليفة الله في الأرض وسيدًا للكون.

ومن كمال التشريف أن خلق له العقل الذي ألحقه بسببه بعالم الملائكة وتأهل به لمعرفة خالقه واستطاع بهذا العقل تحمل أمانة التكاليف في منهج الله، وبه يستدل على ما حوله من آيات الله وبه استنبط العلوم وأدرك مواطن الخير والشر، إنه آية كبرى تشير إلى عظمة المبدع المصور، والإنسان لديه القدرة على الارتقاء بالمعرفة والارتقاء يكون في أعظم معانيه كلما اتصل بمصدر تلك النفخة واستمد من مصدرها نور الهداية والصلاح، ويهبط الإنسان إلى أعماق الانحدار في مراتب الارتقاء إلى الحياة البهيمية إذا ابتعد عن مصدر النفخة.

“اقرأ أيضًا: د.نبيه عبد الرحمن غانم

قصة خلق الإنسان من كتاب الانسان سافك الدماء

أبرزت قصة خلق الإنسان من كتاب الانسان سافك الدماء أن الإنسان مخلوق معجز في تكوينه وفي خلقه، معجز في حياته وفي مآله فهو كائن مزدوج التكوين، فهو إلى جانب تكوينه المادي العضوي المتمثل بالجسد ومتطلباته وأهوائه وشهواته ورغباته لديه قدرات عقلية وميول روحية ومشاعر عاطفية يحس بها وتميزه عن باقي المخلوقات.

إن هذه النفخة الإلهية الكريمة اللطيفة القادرة هي مبعث الحياة النابض في كيان الإنسان وهي محل إنسانيته التي انفرد بها عمن سواه من الكائنات، وهي مناط الرقي العقلي والروحي والنفسي عند البشر وهي من زود العقل بالقدرة على أن ينظر في تجارب الماضي ويخطط للمستقبل ويتوهم الخيال وهي التي تتجاوز به مواطن الإدراك ومبلغ العقل ومداركه.

“قد يهمك أيضًا: 28 حقيقة عن الدماغ البشري

الجانب النفسي في قصة خلق الإنسان

الجانب النفسي في قصة خلق الإنسان هو محل اهتمامي وتأملي في هذه الدراسة المتواضعة، والجانب العضوي يؤكد أن أصل الإنسان من تراب مادة تكوين وخلق وعناصر التراب امتزجت بقدرة الله فكونت الجسد، إنها قدرة الله في الخلق والإبداع، وآيات الإعجاز في خلق الجسد تدل مباشرة على يد الله التي سوت ورتبت.

قال تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)} سورة ص.

وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)} سورة الإسراء.

وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12)} سورة المؤمنون.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)} سورة الحج.

وقال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (9)} سورة السجدة.

بينت قصة خلق الإنسان أنه مخلوق فريد يتميز بتنوع قدراته المختلفة من تفكير وعبادة وتعلم وشعور وانفعال ووجدان ثم حركة سلوك، وهذه الأنشطة تحركها دوافع وحاجة ورغبة وميل وغريزة، إنها مثيرات وانفعالات ومؤثرات ذاتية داخلية أو خارجية ينتج عنها سلوك معين وإشباع لدافع محدد، والدافع طاقة جسمية نفسية كامنة على هيئة استعداد ينفعل بهدف تحقيق غاية، ومن هذه الدوافع مثلًا غريزة الأكل غايتها تناول الطعام الذي يمد الجسد بالعناصر الأساسية المادية التي تضمن له النمو والتطور والحياة، ودافع الجنس وسيلة لإقامة الحياة الزوجية لإنجاب الذرية وتحقيق بقاء النوع، ودافع الخوف فيه طلب الأمان.

والدوافع، في قصة خلق الإنسان، ليست بدرجة واحدة من القوة كما تختلف من حيث القوة من فرد لأخر تبعًا لمبدأ الفروق الفردية، ويختلف الدافع لدى الإنسان ذاته من مرحلة إلى أخرى في حياته، وتمتاز الدوافع بمرونة عجيبة تخضع لعوامل الضبط والتنظيم، وتتعدد الدوافع الإنسانية فمنها الفطري والمكتسب ومنها العضوي والنفسي وكلها تتفاعل لتكون الكيان الإنساني.

والدوافع ضرورة أساسية في الحياة البشرية فهي تدفع الإنسان للعمل والكسب والإنجاب وهي مناط عملية الضبط الذاتي وهي محل العقاب والثواب والحلال والحرام، إنها عوامل جوهرية في تكوين الإنسان، صنفته في أرقى مراتب الرقي بين الموجودات، وهذه الدوافع وإن تماثل البعض منها مع بقية المخلوقات إلا أن تحقيق هذه الدوافع لها معايير وأقدار مختلفة ويتم إشباعها بسلوك وانفعال ومشاعر مغايرة تمامًا عن سائر الأحياء.

الجانب الروحي في قصة خلق الإنسان

الجانب الروحي من قصة خلق الإنسان 

الجانب الروحي في قصة خلق الإنسان تمثله تلك النفخة من روح الله التي تؤكد أن الفطرة الإيمانية في النفس أصيلة. وهذا يؤكد أهمية صلة الإنسان بالله ليحفظ بتلك الصلة سموه وكماله واستقامته وهذه هي الخصوصية التي تمييز بها عن بقية الكائنات، فالحيوان يشارك الإنسان في تكوينه العضوي وتتماثل الأعضاء بينهما وظيفة ومهام، لكن الإنسان تشرف بوجود العقل الواعي المدرك المفكر، وتحكمه إرادة يرجح بها بين المتقابلين ويختار من بين الضدين، إنه مخلوق كلامه بإرادة وحركته بإرادة وعلمه بإرادة.

إن علم الإنسان وإرادته وقدرته في كتاب الانسان سافك الدماء، تدل علي تميزه وتشير إلى قدرة الخالق الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم والذي خلق فسوى وقدر فهدى، وتجلت في جسده ونفسه آيات الأعجاز ودلائل القدرة، إن أهم شيء في الإنسان صفاته التي لا يمكن تعليلها إلا بأنها قبس من نور الله. إن التناسق الذي نراه في كيان الإنسان جسدًا وروحًا ونفسًا كل ذلك إبداع يشير إلى مبدع، فما أكفر الإنسان إنه يرى الإبداع ولا يتعرف على المبدع ويلمس الإحسان وينسى المحسن ويعشق الجمال ولا ينفطر قلبه بحب خالق الجمال.

“شاهد أيضًا: الفطرة الإيمانية

الجانب الروحي في قصة خلق الإنسان

الجانبان العضوي والروحي في الكيان الإنساني يتفاعلان دائمًا لبناء الحياة النفسية في تناسق بديع وتنظيم هائل دقيق، تلك آية تشهد علي عظمة الخالق الذي جعل الإنسان مخلوق تجلى في خلقته الكمال، التكامل القائم بين أعضاء الجسد من جانب وتفاعلها مع دوافع النفس ظاهره وباطنه يظهر مدى دقة الصنعة وطلاقه القدرة، لكن الإنسان مع كل ما أودع الله فيه من طاقات المعرفة وآيات الإعجاز والاستعداد للعلم والرقي فهو مخلوق ضعيف تغلبه شهواته ويحكمه هواه ويقعد به عجزه ويلازمه جهله بنفسه.

قصة خلق الإنسان تعرضت لها في كتابي “الإنسان الروح والعقل والنفس” وكلام الله المصدر الوحيد للعلم عن هذه القصة، ولم أتعرض لها في هذا المقام بالرغم من أهمية تكرارها والتذكير بها وبأحداثها وذلك منعًا للإطناب والملل وأكتفي من الغيث بقطرة أسرد العبر وأورد الحكم وأدعو الإنسان إلى العودة إلى أصله الطيب المؤمن، فالإيمان هو طوق النجاة وبر الأمان في بحر الزمان الهادر بالكفر والإلحاد.

“اطلع أيضًا: معنى الإيمان والكفر

إنه من تمام عدل الله في قصة خلق الإنسان، والذي استدعى الإنسان للوجود، أن وفر له مقومات حياته الأساسية فخلق الكون مسخرًا لخدمته وخلق أجناس الوجود في خدمة بعضها البعض توافقًا مع ضرورة البقاء، ومن تمام عدل الله وحكمته أن أعد الإنسان إعدادًا تامًا قبل أن يهبط به للأرض. قال تعالى {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ (7)} سورة السجدة، وقال تعالى {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)} سورة الذاريات.

كانت تجربته مع إبليس أول درس تلقاه آدم من ربه، عندها بدأت أول شرارة في معركة الشر الخالدة، حين أبى إبليس السجود لآدم طاعة وامتثالًا لأمر ربه فعصى واستكبر فنال جزاء ذلك اللعنة والطرد من الجنة، ثم طلب اللعين من ربه أن ينظره إلى يوم البعث، وأنظره الله فأعلن إبليس عن مهمة الشر والحقد التي عاهد نفسه على تنفيذها وهي غواية البشر وصدهم عن نور الله وسبيل الإيمان.

ومن تمام عدل الله أن بين لآدم في كتاب قصة خلق الإنسان حقيقة عدوه الشيطان وحذره منه ونهاه عن إتباع خطاه والاستماع لغيه وطلب الله من آدم أن يجعله عدوه، ثم بدأت معركة الشر بين آدم والشيطان وأصبحت ناموسًا للحياة الدنيا. وفي أول غواية لآدم فيها عبرة يجب أن نتذكرها ولا نغفل عنها تجسد عناصر الغواية الشيطانية ملك لا يبلى وخلود أبدي، أماني لا يملك الشيطان منها شيئًا لنفسه وسوس بها لآدم، ومادة الغواية ثمار الشجرة، وطريقة الغواية الوسواس، ومنفذ الغواية النسيان والغفلة، تلك هي خيول إبليس ومنهجه في غواية الإنسان ولا سبيل له إلى أبناء آدم غيرها.

ومنهج إبليس في الغواية عناصره وأساليبه ثابتة، تزين الأمر والوعد بالأماني والغفلة والنسيان وأسلحته المادة والجاه والنساء. وهذا ما حدث في قصة آدم عندما أغواه إبليس فأكل من الشجرة رمز الشر، غفل آدم عن تعاليم ربه ونسي أوامره واتبع غواية الشيطان فعصى الله واستحق بذلك الخروج من النعيم، لكن آدم عاد إلى فطرته الإيمانية وعرف خطيئته وأقر بذنبه فاستغفر ربه وتاب عن ذنبه فغفر الله له وتاب عليه ثم أمره بالهبوط للأرض مع إبليس بعضهم لبعض عدو.

تلك تجربة كافية أعطت الدرس العملي أن الغفلة والنسيان سبيل الشيطان في النفاذ إلى النفس وغوايتها والتمكن منها، وهذا ما نجده في كتاب الانسان سافك الدماء، فمن نسي تعاليم منهج الله وغفل عن إتباعه والإقتداء بهديه والتمسك بتعاليمه كان للشيطان صيدًا وفريسة سهلة، يجهز عليه ويورده مهاوي الضلال والفساد ويصده وينأى به عن نور الهداية والإيمان.

“شاهد أيضًا: العبادة والإيمان والعمل الصالح

ودرس آخر نستخلصه من قصة خلق الإنسان “آدم”، أخبرنا الله أنه خلق آدم من تراب ثم سواه ونفخ فيه من روحه وصوره في أجمل صوره وأحسن تقويم ثم أمر الملائكة بالسجود لآدم سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة وتقديس. والأمر الإلهي بالسجود كان احتفالًا بخلق آدم وإظهارا لعلو شأنه وفي ذلك عبرة وحكمة أن مظاهر التكريم هذه تدل على عظمة المهمة التي كلف بها آدم.

لو أدرك الإنسان حقيقة دوره في هذا الكون ولم يحاول تجاوزه واتخذ منهج الله دستور حياة واطمأن إلى أن دوره مقدر معلوم من الله. لو أدرك الإنسان هذا كله لطمأن واستكان وتواضع وآمن بربه وعاش في أمن وأمان وسلام مع نفسه ومع الكون من حوله وجعل كل جوارحه ونفسه وروحه في استسلام وطاعة وعبادة وتقرب لله خالقه ونال بذلك خير الدنيا وثواب دار الخلد والنعيم المقيم وحظي برضوان رب العالمين.

[ppc_referral_link]