العبادة والإيمان والعمل الصالح

[faharasbio]

العبادة والإيمان والعمل الصالح

عطاء الربوبية اسبغ النعم الظاهرة تكريمًا وتفضيلًا للإنسان على سائر المخلوقات، إنه عطاء بلا نهاية ونعم لا تعد ولا تحصى أسبغها الله على الإنسان، وقد أوجب عطاء الربوبية على العبد الطاعة والإمتثال والعبادة الخالصة للخالق العظيم، وهذا العطاء يدعو كل ذي عقل للتأمل والخشوع والإيمان بالله والتقرب إليه عبادة وطاعة واستغفارًا.

أما عطاء الألوهية فهو تكليف للعبد في اتباع منهج الله الخالق وتوحيده وعبادته والخضوع والتبتل إليه، وعبادة الله طاعة متفردة بالإخلاص المتجرد من كل هوى وغرض، وهي حب غامر بالقلب لذات المعبود، ودلالات القدرة في الخلق برزت في كل شيء ومقومات التكليف للعبادة كاملة وتامة وهي ساطعة في كيان العبد المكلف والعقل سيدها.

والعبادة الخالصة لله هي غاية الوجود الإنسانى في الكون، قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} سورة الذاريات، العبادة طاعة وامتثال وخشوع وتذلل إلى الله خالق كل شيء ومن بيده ملكوت كل شيء، هي أوامر وفروض إلاهية في القيام بتكاليف منهج الله والابتعاد عن نواهيه، ولا غاية للمخلوق سوى رضوان الخالق وتعظيمه وتقديسه قولًا وفعلًا.

والعبادة مفهومًا ومنهجًا هي توحيد الله أي إفراده سبحانه وتعالى بما يختص به من الألوهية والربوبية والأسماء الحسنى وصفات الذات العليا، قال تعالى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} سورة الإخلاص، وقال تعالى {وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ (163)} سورة البقرة، وقال تعالى {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)} سورة المائدة.

وتوحيد الربوبية هو إفراد الله تعالى بأفعاله كالخلق والملك والتدبير والموت والحياة، قال تعالى {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (87)} سورة الزخرف.

وتوحيد الألوهية هي إفراد الله تعالى بجميع أنواع العبادات الظاهرة والباطنة قولًا وعملًا ونفي العبادة عمن سواه، قال تعالى {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23)} سورة الإسراء، وقال تعالى {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36)} سورة النساء.

وسمي توحيد الألوهية لأنه مبني على حب لله وهو التعبد المصاحب للمحبة والتعظيم.

ويسمى توحيد العبادة، فالعبد يتعبد لله بتباع أوامره واجتناب نواهيه.

وسمي توحيد الطلب والقصد والإرادة، لأن العبد يطلب ويقصد ويريد في عباته وجه الله، فيعبد الله مخلصًا له الدين، وفي هذا النوع يقع ويتضمّن التَّوحيد في الإسلام وهو نفي وجود أيّ آلهة أُخرى مع الله، ونفي الشَّبه بين الله وبين خلقه، فالله في الإسلام واحدٌ أحدٌ فردٌ صمدٌ، لا شريك ولا نِدَّ له، منفردٌ في التصرّف في مُلكه، لا يُسأل عمّا يفعل، ولا يخرج عن مشيئته وإرادته شيء، بل هو الفعّال لما يريد، لا رادّ لأمره، ما شاءه كان، وما لم يشأه لم يكن. ليس بجسمٍ، ولا يشبه الأجسام، ليس كمثله شيء ولا هو مثل شيء، ليس محدودٌ بزمان ولا مكان، بل الزمان والمكان من خَلقه وتدبيره.

لكنّ الغفلة والجحود والكفر والنكران لوجود الله والفساد في الأرض والضلال والفسوق والفجور، إنها دوافع وبواعث الشر في النفس الإنسانية هي التى انحرفت بالإنسان الكافر والضال عن الفطرة الإيمانية التي هى أصل الأنسان وجوهره والكامنة في أصل تكوينه وخلقه ودفعته الى ظلام الرجس والفسوق والكفر والبهتان، فعصى الله وأتبع الشيطان وأغتر بزينة الدنيا ومن أجل تصحيح كل ذلك بعث الله الرسل وأنزل الكتب وجعل الله العقاب والثواب وخلق الجنة والنار، قال تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} سورة الأنبياء.

العبادة

ومعنى عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، والعبادة نوعان:

  • العبادة الأعتقادية: أي التصديق بما أخبر الله عنه كالإيمان بالملائكة والرسل والكتب واليوم الآخر والقضاء والقدر، قال تعالى {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} سورة البقرة.
  • والعبادة القلبية: وهي كل المشاعر القلبية التى يجب أن لا يقصد فيها غير الله مثل المحبة التى لا تصلح إلا لله وحده، قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)} سورة البقرة، ومنها التوكل والاعتماد على الله والاستسلام له وتفويض الأمر إليه، قال تعالى {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (23)} سورة المائدة.

الدعاء والرجاء لله وحده ولا شريك له ولا ند، قال تعالى {وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (106)} سورة يونس.

والعبادة البدنية فهي أركان الأسلام من صلاة وصيام وحج وجهاد.

قد يهمك: صلاة الحاجة .. أحكامها .. كيف نصليها

الإيمان بالله

أما الإيمان بالله: فهو الاعتقاد الجازم بأن الله سبحانه رب كل شيء ومليكه وخالق المخلوقات والكون والجنة والنار وأنه الذي يستحق وحده أن يفرد بالعبادة: من صلاة وصيام، ودعاء، ورجاء، وخوف، وذل وخضوع – وأنه المتصف بصفات الكمال كلها المنزه عن كل نقص.

الإيمان: قولٌ باللسان، واعتقادٌ وعمل بالجَنان – أي: القلب – وعملٌ بالجوارح، أنَّه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

الإيمان هو التصديق التامُّ والاعتقاد الجازم بوجوده تعالى وأنَّه مُتفرِّد بالخلق والملك والتدبير فلا شريك له، ولا مُدبِّر معه، ولا مُعقِّب لحكمه، ولا رادَّ لقَضائه؛ قال تعالى {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} سورة الأعراف.

العمل الصالح

إن للعمل الصالح مكانة عظيمة في الإسلام، لأنه ثمرة الإيمان، ويدخل في مسمى الإيمان؛ إذ الإيمان قول باللسان، وعمل بالجوارح. وقد اقترن العمل الصالح بالإيمان في آيات كثيرة من القرآن جاءت بالحث عليه، وبيان ثواب وأجر فاعله، وربطه بالنجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، وأن تركه خسارة وبوار.

والأعمال الصالحة تتفاوت في مراتبها وأجورها، وأعظمها العبادات وما أوجبه الله تعالى من الفرائض، ثم تتفاوت الأعمال بعد ذلك حسب الحاجة والمنفعة.. والدليل على تفاوت مراتب الأعمال الصالحة الحديث القدسي، قول النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه ” رواه البخاري.

وحقيقةٌ ناصعة وهي: أن الإنسان خُلِقَ للعمل الصالح لأن ثمنه الجنة، ولأن ثمنه الصلة بالله عزَّ وجل.. تقربًا وعبادة واستغفارًا، قال تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} سورة الكهف.

العمل الصالح لا يكون صالحًا يرضى الله إلا إذا كان صواباً ـ أي وفق منهج الله، ووفق سُنَّة رسول الله.

هذا وإن العمل لا يكون صالحًا إلا إذا كان لله خالصًا، وللسنة موافقًا.

ومعنى الإخلاص إي التقرب إلى الله في الأعمال الصالحة قولًا وفعلًا وإفراد الله بالقصد فى الطاعات بمعنى أن يكون إي عمل نقوم به خالصًا لوجه الله تعالى.

شروط قُبول العمل الصالح

  • الأوّل: الإخلاص للّه، أي يريد وجه اللّه تعالى بكلّ الأعمال، سواء كانت قلبية كالحبّ والبغض أو فعلية كالصلاة والصوم والحج والزكاة، قال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: “من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان ” رواه أبو داود (صحيح الجامع 5965)، أو كانت أعمال الجوارح الظاهرة والباطنة، قال تعالى: {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ۚ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ (21)} سورة محمد.
  • • الثاني: أن يكون وفق شرع اللّه وعلى منهج رسول اللّه وقد جمع اللّه تعالى هذين الشرطين في قوله عزّ وجلّ: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)} سورة الكهف، فالعمل الصالح قرين الإيمان في كتاب اللّه، وفي ثمراته وجزائه، فليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمنّي، لكن الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل والحال كذلك في العمل الصالح، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)} سورة البينة.
  • الثالث: أن يكون العمل الصالح طيّب حلال فلا يكون عملًا صالحًا إذا كان من حرام، فإذا تصدق إمرءٌ من مال حرام لا يكون عملًا صالحًا يرضى الله عنه.
  • الرابع: الاستقامة على منهج الله والعمل والمداومة عليه، فإن المستقيم على الطاعة يدلّ على قناعته بها ورضاه بها واطمئنانه لها، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)} سورة فصلت.

التساهل في الأعمال الصالحة مظهر من مظاهر ضعف الإيمان وقسوةِ القلبِ والغفلة عن الآخرة. إن للالتزام بالعبادات والأعمال الصالحة أثر في تزكية النفس وإصلاحها ثم إصلاح المجتمع، فالعبادات ما فرضها الله إلا لهذا الغرض وهي تطهير النفس وتزكيتها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها أي أفسدها.

قال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)} سورة العنكبوت.

قال تعالى في الزكاة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)} سورة التوبة.

قال تعالى في الصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)} سورة البقرة.

قال تعالى في الحج: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)} سورة البقرة.

إن العمل الصالح يشمل أعمال القلوب وأعمال الجوارح من التوحيد لله سبحانه وتعالى والخوف منه والإنابة إليه والتوكل عليه والرجاء فيه والتعلق به، فكل ذلك من العمل الصالح بل هو من أساس العمل الصالح، كما يدخل في ذلك أعمال الجوارح كالصلاة والصيام والحج وغيرها، بل إن شمول العمل الصالح يتجاوز الحياة الدنيا كلها إلى ما وراءها، كما ورد في الحديث يقول: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له، رواه مسلم”، فالعمل الصالح الذي تعمله يستمر أثره وأجره.

العمل الصالح قد يكون خاصًا حين يؤثر كثير من الناس الانشغال بالأعمال القاصرة على أنفسهم – فيصوم والصوم له وحده، ويكثر من التلاوة أو الذكر وذلك يخصه وحده، والعمل الصالح يقترن بالأيمان وقد ورد في القرآن نحو(88) ثمان وثمانين مرة “الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ“، وما هذا الاقتران إلا دليل واضح على أن الإيمان والعمل الصالح يجتمع فيهما وبهما أعمال القلوب وأعمال الجوارح.

العلم والعمل

لا يصلح علم بلا عمل لأن ثمرته تكون ناقصة، ولا يصبح العمل صالحًا بلا علم صحيح وإيمان صادق فإنه يكون هباءًا منثورًا، ولذلك الإيمان والعمل الصالح علم وعمل وهذه دلالة واضحة.

الدلالة الثانية؛ وهي ذكر الله تعالى “الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ” بصيغة الجمع، لماذا؟ لأن العمل الصالح الذي تنهض به الأمة لا يقوم على أعمال الأفراد والآحاد، بل يقوم على عمل تتظافر فيه الجهود وتتكامل فيه الأعمال وينهض به المجتمع كله، ولذلك كثير من الأعمال حتى في الأعمال التعبدية جعلها الله في صورة جماعية كصلاة الجماعة وأداء الحج وحتى الصيام تصومه الأمة معًا حتى يكون للأمة التفاتٌ إلى أن عملها بمجموعها هو المقصود وأن عملها بمجموعها هو المؤثر وأن الأعمال المنفردة وحدها مهما عظم نفعها لا تؤدي إلى تكامل يحصل به المراد.

فأهل الإيمان الصادق لمّا آمنوا بربهم توحيدًا وإخلاصًا، ولمَا آمنوا بنبيهم صلى الله عليه وسلم قدوة واهتداءً حينها كان عملهم متحدًا متوجهًا متكاملًا لا متنافرًا متباعدًا.

اليوم نعيش حياة تسللت إليها صور الجفاء والغلظة والقطيعة، لكن المؤمن الذى يريد الحياة الطيبة المليئة بالمودة وبالألفة والمحبة فإن طريقها هو الإيمان والعمل الصالح.

إن عمل الإنسان هو الصاحب له بعد مغادرته للحياة الدنيا والموت، حين يتخلى عنه الأقارب والأخلاء والأحباب، وأعمال الإنسان من خير أو شر هي التى تتبعه ويحملها وزرًا على كاهله يوم القيامة ويمثل بها خاضعًا أمام ربه، وهي التى قد تبعده عن الله ورضوانه وينال بسببها العقاب والعذاب وتورده مهاوى الهلاك والخسران وبها يستقر مآله في النار، وقد كانت أعماله في الدنيا تشغله في أمورها الفانية وزخرفها يلهيه عن عبادة ربه وذكر خالقه، وتزين له الكفر والفسوق والضلال وتبعده عن طاعة ربه والإمتثال لأوامره واجتناب نواهيه، ويضيع أوقات عمره فى اللهو والترف والمجون وإتباع الهوى والشهوات، وتدفعه الى الظلم والعدوان وتقعده عن عبادة الله وإتباع منهجه، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} سورة النحل.

الإيمان والعمل الصالح يحول الحياة من صحراء جرداء إلى واحة غناء، وينورالقلوب ويخلصها من وحشة وظلمة الكفر والضلال إلى نور وإشراق الهداية والفلاح، ويبدل النفوس من تنافر وبغضاء إلى ألفة ومودة وإخاء، لماذا لا نقبل على الإيمان والعمل الصالح بهذه الروح حتى نغير واقعنا ونغير حياتنا؟ قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا (96)} سورة مريم، وقال تعالى {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50)} سورة الحج، وقال تعالى: {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70)} سورة الفرقان.

كم نحن في حاجة إلى فقه العمل الصالح على هذا النحو الواسع وعلى هذه الآثار العملية وعلى هذه الصورة الإيجابية، العمل الصالح يشمل الأعمال التطويرية والتنموية، ورفع مستوى التعليم وتطوير أسباب الحصول على التقنية، هذا عمل صالح، والأعمال التوعوية الثقافية من العمل الصالح، والأعمال المدنية الخدمية أيضًا من العمل الصالح، قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)} سورة هود.

وأخيرًا كم هو جميل أن نقف ونتدبر ونتأمل في هذه الآيات الجميلة وندرك مدى عظمة العمل الصالح عند الله الذي جزائه جنة الخلد، فالإيمان الصادق والعمل الصالح ثمرتهما جنة عرضها السموات والأرض ورضوان من الله ورحمة، فماذا ينتظر العبد غير الإيمان الصادق بالله والعمل الصالح لوجه الله، هما السبيل الأوحد في سباق المؤمن نحو الفوز بالجنة، قال تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)} سورة فاطر، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)} سورة فاطر، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)} سورة البينة.

[ppc_referral_link]