قصة الصدق المنجي والأمانة

[faharasbio]

قصة الصدق المنجي والأمانة (البذرة)

صاحب شركة تقدم في السن، أراد أن يتنحى عن إدارة الشركة كي يرتاح من عناء العمل ويلقي عن كاهله عناء التعب و أن يسلم الشركة إلى دماء شابة جديدة من أهل الكفاءة والنشاط والخبرة. لا يريد أن يتركها لورثته وأولاده ليعبثوا بها، ولا طاقة لهم بالقيام بأعبائها ومسئولياتها.

أراد الرجل أن يجعل إدارة الشركة من بعده بيد أحد المسئولين التنفيذين فى الشركة. فاستدعهاهم إلى مكتبه وأخبرهم بنيته وقراره بإنه سوف يتنحى عن إدارة الشركة ورئاسة مجلس الإدارة، و سيكلف من بعده أحدهم كرئيس تنفيذي للشركة، دهش الجميع من هذا القرار لكنه أردف قائلًا هناك شرط واحد لتكليف أحدكم مديرًا من بعدي، سوف أعطيكم جميعًا بذرة واحدة، وأريد منكم أن تعتنوا بها لمدة عامٍ كامل، وفى العام القادم فى مثل هذا اليوم سنجتمع جميعًا هنا و من سيأتينى بنبتة وقد نبتت صحيحة قوية سوف يكون هو المدير التنفيذى للشركة.

وبالفعل تم توزيع البذور على جميع المسئولين ثم انصرفوا جميعًا إلى منا زلهم ثم أخذ كل منهم بالاهتمام ببذرته والعمل على نموها و تكبيرها. وكان اهتمامهم بالنبتة بالغًا طوال العام وكانوا يتفاخرون كل واحد بنبته ونموها الرائع الجميل و أنها أينعت زهرة جميلة قوية، لكن أحدهم ويدعى أحمد رغم اهتمامة ببذرتة بمساعدة زوجته إلا أن بذرته ظلت كما هى لا تنمو ولا تكبر. فأنتابه الحزن الشديد لإن بذرته لم تنمو بينما زملائه يتباهون بجمال نبتاتهم.

وبعد مرور عام توجه الجميع إلى غرفة الاجتماعات والكل يحمل نبته الجميلة وتمنيه النفس بالفوز بمنصب المدير، وجلس الجميع فى انتظار وصول المدير، لكن أحمد كان شديد الخجل والحزن ومنزوي في ركن القاعة لأنه لم يؤدي المهمة مثل زملائه وكان يحمل وعاء نبتته فارغًا و لأن بذرته لم تنمو على الإطلاق، لكن زوجته نصحته بعدم الغش و الكذب على المدير وأن الصدق أفضل من الكذب كي يفوز بالمنصب.

ووصل المدير وكان أحمد يقف بعيدًا يحاول أن يختبئ من نظرات زملائه الفضولية. نظر المدير إلى أحمد مبتسمًا وقال ماذا حدث لبذرتك؟ ألم تهتم بها؟! قال أحمد فى حزن وعلى حياء منه: والله لقد اهتممت بها كثيرًا و ساعدتني زوجتى و كنا نسقيها و نراعيها ليلً نهارً و لكن دون جدوى، فلم يقدّر الله لها النمو أبدًا، ابتسم المدير و طلب من الجميع الجلوس فيما عدا أحمد ثم قال وهو يشير بيده إلى أحمد في فخر: أقدم لكم المدير التنفيذي الجديد للشركة!

اندهش الجميع فكيف يكون أحمد الذى فشل فى الاعتناء ببذرته هو المدير التنفيذي؟! رد المدير على تساؤلاتهم قائلًا: لقد قمت بتوزيع بذور فاسدة عليكم جميعًا، بذور لا يمكنها النمو على الاطلاق. وجميعكم لجأ إلى الغش و الكذب والخداع، و قمتم بتبديل البذرة الفاسدة ببذرة سليمة وأحضرتم نبات جميلًا، لكن أحمد هو الوحيد الصادق الذى لم يحاول خداعي و نجح فى الاختبار، فهنيئًا له مديرًا للشركة، فهو الأمين عليها، وتكليفنا له بإدارة الشركة جزاء له على حسن اخلاصه وصدقه وأمانته. أما أنتم جميعًا فشلتم في الاختبار وفشلتم في كسب ثقتي وتقديري واحترامي ومحبتي لكم، ونلتم قبل كل ذلك غضب الله وسخطه وعقابه يوم القيامة.

قال تعالى {لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (24)} سورة الأحزاب.

وقال تعالى {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34) لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)} سورة الزمر.

وقال تعالى {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} سورة البقرة.

الصدق هو ما طابق الحقيقة والواقع، والكذب ما خالفهما، والصدق مفتاح الخيرات والهادي إلى البر، والبر هو عمل الخير، وقد قال تبارك وتعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)} سورة الإنفطار، فالصادقون في أقوالهم وأفعالهم هم الأبرار، والكاذبون على أنفسهم وعلى الناس هم الفجار.

إن أفضل صفات الإنسان الصدق، وهو أوضح دلائل الإيمان، وأكمل النعم التي حباها الله لعباده، والصدق دلالة رفعة وسمو قدرعالي من الأخلاق والقيم، من اتصف به تنزهت نفسه الفجور وعلت همته، لهذا قيل: لا يكذب المرء إلا من مهانته أو سوء نفسه ومن قلة الأدب.

فالصدق يرفع أهله، والكذب مرتعه وخيم، ولا ينجو في يوم القيامة من النار إلا الصادقون المؤمنون الذين لا يكذبون على أنفسهم ولا على الناس، الذين شغلتهم عيوبهم عن عيوب الناس، هؤلاء هم الصادقون، قال تعالى: {قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)} سورة المائدة، ولنا في رسولنا قدوة حسنة، وقد قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} سورة الحشر، وقد نها عن الكذب و أن نلتزم الصدق دائمًا.

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا، وجعل صلوات الله وسلامه عليه الكذب العلامة الأولى من علامات النفاق، فالصادق هو الذي يصدق في قصده ونيته وطلبه وإرادته وعمله وخبره وكلامه، والمنافق على الضد، والصدق منجي. والصدق خير طريق لبلوغ الهدف والغاية فلا تحتاج إلى الغش و الخداع، لأن الكذب يورد الهلاك و وينال غضب الله وسخطه عز و جل.

[ppc_referral_link]