الشخصية الحساسة
“لا تكن حساسًا للغاية” هي عبارة سمعها كل من يتمتع بشخصية حساسة، وأنا ككاتبة لهذا المقال سمعت الجملة ذاتها مرارًا وتكرارًا.
تقول كريستال هوشو عن طفولتها بأن من عانت من الشخصية الحساسة ليست هي، بل أختها الكبرى، والجميع يعلم بأن أختها الكبرى كانت ولا تزال تبكي بسرعة في العديد من المواقف.
نتيجة لذلك قررت هوشو اتباع طريق مختلف، فكانت الفتاة التي لا تبكي في عائلتها، وتقف بشموخ أمام الأولاد في الحي.
تقول هوشو:” كنت حازمة حتى عندما أصيبت رقبتي وأنا ألعب مع أطفال الحي، ولم أبكي رغم الألم حتى لا يسخر مني الذكور.
بالتأكيد كنت أشعر بالألم والحزن، ولكني لم أعبر عن هذه المشاعر بالبكاء، بل مثل العديد من الأولاد الصغار، عبرت عنها بالغضب.
مع تقدمي في السن، لم أعد حتى أغضب كالسابق، وأصبحت ألاحظ في ذاتي بعض البرودة العاطفية واعتبرت هذا علامة على تطوير الذات بالنسبة لي.
في ذلك الوقت لم أكن أظن أن التفاعلات العاطفية تُصيبني ولكن من الداخل، بدون دموع، وكانت مشاعري تتحول إلى الشعور بالذنب أو القلق.
تدريجيًا، استمررت بإنكار مشاعري القوية، حتى بدأت أشعر حقًا بما يُشبه التخدير، أنا لا أشعر بأي شيء، ثم تم تشخيص إصابتي بالاكتئاب.
لم تكن تجربتي مع الاكتئاب يتخللها البكاء، بل شيء معاكس تمامًا للشعور، مشاعري جميعها دخلت في ثقب أسود، ولا يُمكنني الشعور بالرفاهية أو أي شيء آخر.
مع طبيبي النفسي بدأت بتقييم عاطفتي، حساسية شخصيتي ومشاعري للخروج من هذه الهوية.
اكتشفت أن الشخصية الحساسة ليست الشخصية التي تبكي كثيرًا، بل هي الشخصية التي تشعر كثيرًا، وأدركت حينها أن شخصيتي الحساسة هي قوة”.
كيف تُصبح الشخصية الحساسة قوة؟
بمجرد أن بدأت هوشو في البحث أكثر بمشاعرها الخاصة، اكتشفت العديد من الأمور، وعلى رأسها غضبها الخاص.
كانت تشعر بغضب عارم بداخلها، تجاه إخفاقها، عيوبها، وتجاه العالم، ونقصد بالعالم المجتمع، الأيدولوجيات والثقافة التي علمتها أنها عدم الشعور هو مصدر قوتها.
أسفل الغضب، لاحظت هوشو أن لديها شعورًا عميقًا بالحب، والرغبة بالتواصل مع العالم، مع إحساس قوي بالعدالة والإنسانية.
واكتشفت هوشو تدريجيًا بأنها تشعر بانجذاب عميق وتقدير للأشياء الجميلة، وخصوصًا الأشياء البسيطة، كورقة شجر تتساقط من شجرة وتسقط على الأرض بين مجموعة من الأوراق، مُظهرة بذلك سجادة ذات طلة بهية.
بل على الأبسط من ذلك، سحابة صغيرة عابرة تحجب بعض خيوط الشمس، وتُظهر خيوط أخرى من الشمس ممتدة حولها.
اكتشفت هوشو أن غضبها يُخفي شعورًا عميقًا بالاهتمام، واكتشفت أن شخصيتها حساسة، وليس عليها اخفاء ذلك.
نتيجة لذلك، كثيرًا ما يتم تحذيرك من شخصيتك الحساسة باعتبار أن التخلي عنها يحعلك أكثر قوة، ولكن في معظم الحالات هذا التحذير سيفعل العكس تمامًا.
من الضروري أحيانًا التخلي عن شخصتك الحساسة في موقف ما، حتى تستمر في مواصلة التقدم للأمام وعدم السماح للنقاد والحاقدين بهز ثقتك نفسك.
ولكن التخلي تمامًا عن شخصيتك الحساسة سيغلق الأبواب المؤدية إلى إحساسك بالعدالة، ولن تشعر بالظلم في العالم، ولا بالطريقة الصحيحة لمواجهته.
شخصيتك الحساسة تُرسل لروحك رسالة مفادها أننا بشر، نهتم ببعضنا، نُخطئ أو نصيب، ولكننا لا زلنا بشر نحمل شخصيات ضعيفة.
لذلك، قوة الشخصية الحساسة تكمن في أن شخصيتنا هي مصدر إنسانيتنا وترابطنا مع بقية العالم.
كيف تتعامل الشخصية الحساسة مع الغضب؟
كثيرًا ما يتعلم الأطفال منذ الصغر ترجمة مشاعرهم إلى غضب، سواء كانوا يشعرون بالقلق، الحزن، الخوف، أو الاحراج، فمعظم مشاعرهم تظهر على شكل غضب.
حاولت هوشو العمل مع آنّا لتحديد ما يُخفيه الأطفال أسفل غضبهم، وابتكروا تمرينًا بسيطًا وخادعًا للأطفال ليحثهم على إدراك ما يُخفيه غضبهم.
للتعبير عن هذا التمرين تم رسم جبل جليدي يقع جزء صغير منه فوق الماء، وأما الجزء الضخم الموجود أسفل الماء فهو الذي يحمل المشاعر الأخرى المختبئة أسفل الغضب.
في أي موقف، عندما يشعر الطفل بالغضب، ينظر إلى الجبل الجليدي، فيتحدث مع الجبل الذي يسأل الطفل ويقول، أستطيع أن أرى أنك غاضب، هل يُمكنك أن تخبرني لماذا أنت غاضب؟
حتى أن هوشو بذاتها اتبعت هذا الأسلوب مع نفسها، وهذا عندما تُلاحظ أنها غاضبة أو أن صبرها قد نفذ.
يهدف هذا التمرين للتواصل بعمق مع غضبنا، لمعرفة سببه العميق، وإدراك المشاعر العميقة خلفه.
عندما نفعل ذلك، فإننا نُعلم أنفسنا أن مشاعرنا ليست على ما يُرام، وأننا نتعب كغيرنا من المخلوقات الحية في هذا العالم.
يُمكنك أن تسأل نفسك بعض الأسئلة التي تُساعدك على معرفة سبب غضبك مثل:
- هل أشعر بالحزن، الضعف أو الخوف؟
- هل أزيد صعوبة الأمر على نفسي أم على شخص آخر؟
- هل أركز على المنطق أم فقط على العواطف والتفاهم؟
- هل أنا متوتر أم مجهد من أمر آخر، أو متوتر بسبب هذا الموقف بالذات؟
- هل حصلت على قسط كافٍ من النوم؟
- هل تناولت طعامي أم أشعر بالجوع؟
- هل أنا خارج منطقة راحتي؟
- كيف أعاقب نفسي دون أن أبالغ وأقسو عليها؟
كيف تتعامل الشخصية الحساسة مع شعور التهميش؟
نتيجة لما سبق، نحن لا نخبرك بأن لا تكون شديد الحساسية، بل نُخبرك بأن عليك أن تكون أكثر حساسية من خلال معرفة مشاعرك ومشاعر الآخرين على حقيقتها.
كتبت الفزيائية إيفلين فوكس كيبر عن العواطف المتعلقة بالعمل، وركزت على العمل الذي لا يجد التقدير الملائم له، وغالبًا ما يشعر بالتهميش نتيجة ذلك هم أصحاب الشخصيات الحساسة.
كان الرسام الهولندي فان جوخ من أبرز الأمثلة على الفنانين الحساسين الذين كانوا ينظرون للعالم بشكل مختلف، وكان يُعاني كثيرًا من هذا العالم، مما أثر على اكتسابه سمعة فنية سيئة خلال فترة حياته، ولكن تم الاعتراف بفنه بعد وفاته.
عدم تلقي الرعاية الملائمة هو ما يزيد من شعور التهميش، وأصحاب الشخصيات الحساسة يشعرون بهذا الشعور أكثر من غيرهم، مما يزيد من معدل الإصابة بالاكتئاب وحتى الانتحار.
لذلك يُمكن أن يقود الاهتمام والرعاية إلى أن يُنقذ حياة، لكن، هل تعلم أن القدرة على تقديم الرعاية هي نعمة؟
أصحاب الشخصيات الحساسة هم القادرين على منح الرعاية لمن يستحقها، وهم القادرين على شفاء أحزان العديد من الأشخاص، وهذه أيضًا نقطة أخرى لقوة الشخصية الحساسة.
قال الفنان فان جوخ ذات مرة:” أريد أن يصل فني لدرجة من الاحتراف تجعل الآخرين يقولون عن أعمالي أنها تعود لشخص يشعر بعمق، شخص يشعر بالحنان.
صحيح أنني كثيرًا ما أشعر وكأنني في أعماق البؤس، ولكني في المقابل أشعر بداخلي بهدوء وتناغم ألحان عذبة”.
قوة الشخصية الحساسة
بالنسبة لهوشو، كان الاكتئاب هو الدليل الذي أنار لشخصيتها الحساسة الطريق، كانت هوشو تشعر بالعجز لعدم قدرتها على تغيير العالم، وشعرت بأن تقديمها للاهتمام سيكون عبئًا عليها.
لكنها أدركت فيما بعد، أننا إذا أردنا أن نعمل لإزالة الظلم، فعلينا أن نشعر بألم الظلم في البداية، وإذا أردنا التغلب على المعاناة، فعلينا بفهمها بشخصيتنا الحساسة لنعرف كيف نتغلب عليها.
وبالتأكيد، يجب علينا العمل على تنمية ذكائنا العاطفي للتمييز بين الشخصية الحساسة واليأس أو المرض النفسي.
قوة الشخصية الحساسة تكمن في العزم على التصرف بحب بغض النظر عن صعوبة الأمور.
المرجع: