ولا ألف ليلة وليلة – الليلة الرابعة والعشرون
ضمن سلسلة قصص ولا ألف ليلة وليلة بالاشتراك مع الأديبة المصرية ربا أحمد
دلف الملك إلى حيث ترقد زوجته الملكة شهرزاد،
يبدو على ملامحه علامات القلق و الخوف، لكنه نجح
في إخفائها قبل أن يصلها.
ماذا بك ياشهرزاد؟ . .أبلغتني الجارية أنك مريضة.
الحمد لله على كل حال . . أنا بخير يا مولاي.
لكن هيأتك توحي بغير ذلك يا عنيدة.
رغم المرض البادي عليها، إلا أنها لم تدار ابتسامتها.
أتعلمين أنك تمتلكين إبتسامة غاية في الروعة؟
اتسعت عيني شهرزاد، ونظرت إليه غير مصدقة ما
سمعته للتو، هل من المعقول أنه يتغزل بها ..!
هل تعني بأن ابتسامتي جميلة يا مولاي؟
وتلك المرة لم يكذب ما قال، بل أنه أكده وبشدة:
بل هي غاية في الجمال.
بصعوبة حاولت شهرزاد الاعتدال؛ فاقترب منها في
الحال، وبصدق يبدو فيه الخوف عليها قال:
ماذا تفعلين يا شهرزاد؟ . . أنت مريضة فلمَ تنهضين من رقادك؟
هناك حكاية يجب أن أرويها لملك الزمان.
وملك الزمان لا يود أن ترهقي نفسك . .لقد استدعيت
الحكيم كي يشخص مرضك.
لا أصدق ما أسمع . . هل يداويني الطبيب وأنا التي
أوشكت شمس حياتها على الزوال عن قريب!!
ماهذا الهراء . .لم أقل ذلك.
أعلم بأنك لم تقله . . لكنه مصيري الذي تعلمه.
بعد وقت ليس بالقصير . . فتحت شهرزاد عينيها لتجد
شهريار يرقد بجانبها فابتسمت بأعين ترقرق بها الدمع؛
فزوجها أظهر الليلة بأنها مهمة جدًا لديه. ربتت على
جانب وجهه، وأوشكت أن تقبله لكنه فتح عينيه.
هل أصبحت أفضل الآن؟
سألها بلا توان. أومأت بابتسامة رقيقة لتسمعه يطلب
منها بنفس الطريقة:
إذًا فلتكملي لي الحكاية . .عندما توقفت كهرمانة.
رغم حالة الإحباط التي تملكتها، إلا أنها لم تستطع
محو ابتسامتها …!
بلغني أيها الملك العنيد . .ذو الرأي الرشيد . . أن
القبطان حسين سأل كهرمانة سريعًا عن ماذا أسرت به
إلى الأميرة مرجانة، فأجابته بشبه ابتسامة:
حين قصت لي الأميرة قصته . . وعن شعورها الذي
يخيفها . . ذهبت إلى بلورتي وأمرتها أن تنقل لي ماذا
يحدث مع الأمير . . وحين ظهرت الصورة أيقنت أن الأمر
جدًا خطير . . فرسمت الخطة . . وأبلغت بها الأميرة . . أن
تصعد عند الغروب إلى الجزيرة . . وتقابل الأمير نوران
وتبلغه بالآتي ….
صعدت مرجانة إلى الجزيرة، وبخطى حثيثة اقتربت
من مكان تجمع البحارة، ثم ألقت تلك القارورة التي
أعطتها لها كهرمانة، وما هي إلا دقائق من انبعاث ذاك
الغاز من داخلها حتى استغرق الجميع في نوم عميق ..!
تحركت بينهم بخفة حتى وصلت إلى حيث ينام
الأمير. اقتربت منه ثم بسرعة وضعت ما بيدها مقابل
أنفه؛ فعطس الأمير على الفور، ثم فتح عينيه ليواجه
ابتسامة مرجانة التي قالت قبل أن يبدأ هو بالسؤال:
هناك أمر خطير . . تحرك معي الآن بلا تأخير.
ودون اعتراض تحرك معها الأمير . . وسارا سويًا حتى
وصلا إلى شاطيء البحر فبدأ بالسؤال لتجيبه هي في
الحال، وتلقي على مسامعه حقيقة المؤامرة المدبرة له،
فاتسعت عينيه وهو يقول بغير تصديق: همام؟!!
ليس وحده يا أمير . .بل هناك زهير.
صمت نوران يفكر بالكلام، ثم عاد للسؤال: وماذا
ترين الآن؟
فقط افتح فمك.
ماذا؟!!
ألا تثق بي؟؟
بلى أثق . . لكن الأمر يدعو للقلق.
لا تقلق مني . . فأنا مدينة لك بعمري.
ابتسم نوران، ثم فتح فمه لتسكب فيه مرجانة سائلًا
شفافًا، بمجرد أن تجرعه الأمير حتى شعر برجفة
تعتريه وبرعشة تسري في بدنه وبسرعة أغمض عينيه
ليفتحمها بعد لحظات سائلًا إياها: ما هذا الذي تجرعته؟!
حلو؟؟ سألته بابتسامة مشاكسة ليجيبها: بل مر
كمرارة العلقم.
دوت ضحكتها في المكان وقالت من بين ضحكاتها:
أعلم . . لقد تناولت مثله من قبل.
ماذا تقصدين؟!
سألها وقد توقع الإجابة وخشي سماعها فأومأت له:
نعم، هذا بالفعل ما سيحدث . . مع شروق الشمس لابد أن
تغوص معي نحو الأعماق وإلا . . تموت بالاختناق.
ماذا؟ . . ماذا فعلت يا مرجانة؟!
أرد لك الجميل . .أنقذ حياتك أيها الأمير.
وهل ترضين أن يقولون هرب الأمير لأنه جبان؟!
ومن قال أنك ستهرب . . بل سوف تدخل في باطن
السمكة . . ويلتهمك النسر متلذذا بلحمك.
هل أنت مجنونة؟
بالطبع لا . . فقط اسمعني . . ذلك الملعون همام . . أخذ
صورة الأمير نوران وأصبح يشبهه . . وسوف يخطو إلى
المصير الذي رسمه له دون أن يتفوه بكلمة أو يعترض.
وكيف بحدث ذلك.
إنه سحر كهرمانة . . نفسها التي صنعت لي ولك
السحر.
يا إلهي …!
ليس هذا وقت الاستغراب … الشمس أوشكت على
الاقتراب.
قالتها مرجانة وهي تقبض على كف نوران ليتحركا
بسرعة بداخل المياه.
كان أصفهان يشق موج البحر بسرعة مخيفة، تبدو
على ملامحه علامات غضب صريحة.وصل إلى ذاك
الكهف البعيد الذي أبلغه عنه ذاك الجني المكلف من
جانبه بنقل أخبار مرجانة إليه.
اقتحم أصفهان الكهف فإذا بخيال لبشري يتراءى له
في الظلام، وحين ظهر جليًا أمام عينيه أصبحت تطلق
شررا من جحيم ..!
حين أتتها كهرمانة تحمل تلك الأنباء الخطيرة، لم
يكن بإمكانها مواجهة غضب أصفهان فلذلك ذهبت إلى
والدها الملك مرجان وطلبت منه أن يتدخل ويمنع
أصفهان من إيذاء نوران.
رغم غضب الملك من أفعالها إلا أن قلبه لا يتحمل
حزنها أو دموعها. توجه الملك وبصحبته معاونيه يمسك
بيده يد وحيدته، وحين وصل الجميع أمام الكهف
المقصود والذي يقبع به الأمير. أمر الملك أتباعه أن
يأمروا أصفهان بالامتثال أمامه في الحال. وبالفعل نفذ
أصفهان الأمر، وها هو يقف أمام الملك بإذعان …!
هل آذيت الإنسي يا أصفهان. سأله الملك فرد
أصفهان بحنق: لقد أوشكت على ذلك ولكن حضور
مولاي أوقفني.
حمدا لله أني وصلت في الوقت المناسب.
امتعض وجه أصفهان وقد تعجب من قول الملك
مرجان، ولكنه حين رأى خيالها يظهر من خلف أبيها
زال تعجبه وهل محله ترقبه ..!
لم أفهم مقصد مولاي . . هل يعني قولك بأنه سينال
عفوك؟!!
نعم يا أصفهان . . لقد عفوت عنه.
تملك الغضب من الأمير، وود لو وصل عمه بعد
تأخير . . ولكنها كالعادة تمعن في إثارة غضبه، لكنه حتمًا
سينال ثأره …!
لقد تعقدت الأمور . . ويبدو أن نوران سيواجه غضب
أصفهان …
بل سيحد ….
يكفي إلى هذا الحد يا شهرزاد . . أنت مازلت مريضة
ولابد أن ترتاحي.
نظرت إليه غير مصدقة . . الملك أصبح حنونًا يعكس
بعض الرقة ..!
ولكن يا مولاي . . لم يصح الديك بعد.
فرصة لي كي أنتقم منه فلا يحظى بقطع الحكاية هو .
ابتسمت شهرزاد، وشكرته على اهتمامه . . واستغرقت
في النوم غير مدركة بأنه بقي مستيقظًا يتأملها ويراقبها
خوفًا من أن يعاودها مرضها …!
وكان يداعب خصلاتها ويزيحها عن وجهها برفق
ويبتسم لها بحنان
إقرأ أيضًا: الليلة الأولى من كتاب ولا ألف ليلة وليلة