يوسف بن تاشفين.. وحّد المغرب وأخّر سقوط الأندلس

[faharasbio]

يوسف بن تاشفين.. وحّد المغرب وأخّر سقوط الأندلس

أمير المسلمين أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم اللمتوني الصنهاجي البربري، تولى إمارة دولة المرابطين ووحد المغرب، واستطاع إنقاذ الأندلس من الضياع وضمها تحت حكمه، وكان له دور كبير في نشر الإسلام.

من هو يوسف بن تاشفين

هو يوسف بن تاشفين ناصر الدين بن تالاكاكين صنهاجي، لقب بأمير المسلمين بعد انتصاره في معركة الزلاقة ولإنجازاته في تأسيس مدينة مراكش وتوحيد المغرب، واستطاع تكوين دولة إسلامية ممتدة من بجاية شرقًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، ومن البحر المتوسط شمالًا حتى السودان جنوبًا.

ولد يوسف بن تاشفين عام 400 هـ – 1009م، وهو قائد مسلم، متزوج من زينب بنت إسحاق النفزاوية، وينتمي إلى قبيلة لمتونة إحدى قبائل صنهاجة الموجودة في جبل لمتونة، نشأ في موريتانيا، وكان رجلًا شجاعًا ملتزمًا بالدين الإسلامي وساعيًا إلى نشره، وتميز بالحلم والصبر والكرم.

متى حكم يوسف بن تاشفين

امتدت فترة حكم القائد يوسف بن تاشفين من 1061م إلى 1106م، وقام خلال حكمه بتوسيع منطقة حكم المرابطين من منطقة صغيرة في المغرب إلى إمبراطورية هائلة تضم العديد من المناطق، كالمغرب والجزائر والأندلس وغيرها من المناطق في أقصى الشمال، مينوركا وفراغا وجزر مايوركا.

ما هي إنجازات يوسف بن تاشفين

سعى يوسف بن تاشفين على اعتباره قائدًا عسكريًا قويًا إلى توسيع إمبراطوريته، لذلك قام بتشكيل جيش ضخم يضم أفرادًا من القبائل الصحراوية من جودالا ولمتونة ومسوفا، كما ضم المرتزقة المسيحيين والوحدات السودانية، وتمكن من خلال هذا الجيش الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط مرورًا بجبال الأطلس، فاستولى على فاس عام 1075م وطنجة عام 1079م وتلمسان عام 1080م وسبتة عام 1083م ووهران والجزائر العاصمة، وشارك في بناء مدينة مراكش في المغرب التي بدأ بالعمل بها بعد اختيار موقعها في زمن أبو بكر عام 1070م، ثم أكمل بناءها بعد وفاة أبو بكر أثناء معركة في الصحراء أدت إلى وفاته بسهم مسموم، وجعلها يوسف بن تاشفين عاصمةً لإمبراطوريته بدلًا من أغمات.

ناشد ملوك الطوائف وأمير إشبيلية (المعتمد بن عباد) يوسف بن تاشفين لإنقاذ الأندلس، وخصوصًا بعد تزايد حقد الفرنجة المسيحيين على المسلمين ورغبتهم في إنهاء الوجود الإسلامي في المنطقة وسقوط مدينة توليدو، فخاض يوسف بن تاشفين أول معركة في الأندلس ضد جيوش قشتالة وليون بقيادة ملك قشتالة ألفونسو السادس عام 479هـ – 1086م، وسميت بمعركة الزلاقة.

جهز يوسف بن تاشفين جيشًا ضخمًا وقسمه إلى فرقتين، ولكنهم انهزموا في صد القسم الأول من جيش ألفونسو وخسروا الكثير من الجنود، وأحس الأمراء الأندلسيون بالهزيمة المحتمة ففر بعضهم إلى مدينة بطليوس، في حين أن المعتمد بن عباد بقي صامدًا مع فرسانه ومع من تبقى من جيش المرابطين، وفي هذه الأثناء تقدم ألفونسو بجيوشه بعد أن شم رائحة الضعف من قبل جيش المعتمد، ولكن جيش يوسف بن تاشفين كان مختبئًا، ولم يكن قد اشترك بالمعركة بعد، وعندها قام ابن تاشفين بإرسال كتيبة بقيادة سير بن أبي بكر لمساندة المعتمد، ولكن ذلك لم ينجح، واستمر ألفونسو بالتقدم أمام تراجع المعتمد وجيشه.

وضع يوسف بن تاشفين خطة قام فيها بمهاجمة معسكر العدو وقتل منهم الكثير، وعندما علم ألفونسو بالخبر تراجع عن قتال المعتمد، وعاد إلى معسكره لإنقاذه، الأمر الذي سهل على يوسف والمعتمد هزيمة ألفونسو والانتصار عليه، ولقب بأمير المسلمين.

سمع يوسف بن تاشفين بوفاة أبو بكر فعاد إلى المغرب تاركًا جيشًا من المرابطين بقيادة سير بن أبي بكر والمعتمد بن عباد، وكان غياب يوسف الأمر الذي أفرح ألفونسو فأعد العدة لتعويض هزيمته في الزلاقة، وبدأ بشن الهجوم على المعتمد، لذلك قرر ابن تاشفين العودة مرة أخرى إلى الأندلس، وحاصر حصن لييط، وطال الحصار لمدة أربعة أشهر، واضطر المرابطون للانسحاب إلى مدينة لورقة بسبب قلة الإمدادات، وعندما علم ألفونسو بانسحاب المرابطين قام بالتسلل إلى الحصن فأخلاه وحرقه وعاد إلى طليطلة، فاستولى المعتمد على الحصن الذي كان يشكل خطرًا على أهل الأندلس، ثم عاد ابن تاشفين إلى المغرب بعد أن بعث أربعة آلاف مقاتل من المرابطين إلى بلنسية.

وعندما عاد يوسف للمرة الثالثة إلى الأندلس في عام 496هـ توجه نحو غرناطة واستولى عليها، واستطاع السيطرة على الأندلس الإسلامية بشكل كامل، وأعلن تولي ابنه الحكم في الأندلس، بينما عاد هو إلى مراكش.

استطاع يوسف بن تاشفين ضم الأندلس كاملةً لدولة المرابطين، وأنهى حكم ملوك الطوائف بعد إرساله للخليفة العباسي في بغداد أبو العباس أحمد المستظهر بالله وأصبح تابعًا له، وقام ببناء مدينة مراكش عام 454هـ – 1062م، وجعلها عاصمة له.

ومن إنجازات يوسف بن تاشفين أنه ألغى الضرائب غير المشروعة في المغرب والأندلس، وأنشأ دور لصك النقود، وأسس ديوان لتحرير الرسائل.

من أقوال يوسف بن تاشفين

  • رسالة يوسف بن تاشفين رداً على رسائل تطلب إطلاق سراح المعتمد بن عباد حاكم قرطبة وإشبيلية

     “تقولون، لنرحم الرجل فقد كبر سنه وذهبت دولته ولم يعد يملك من الأمر شيئا، وهو ما سلّم حتى قَتل منا نفرا كثيرًا، وقد لقينا منه ما لم نلق من الروميّ وجيشه، فما بالكم … تذكرون آخر الأمر ولا تذكرون أوّله، وتذكرون العاقبة وتنسون الأسباب تتشفّعون لي فيه وتقولون، ارحموا عزيز قوم ذُل، وما ذل حتى أذل، وإنما إذلاله إذلال رجل واحد، وكان ذله ذل أمة بأكملها”

  • يقول صاحب الـحُلَل الـمَوْشِيّة: (ولما ضخمت مملكة يوسف بن تاشفين واتسعت عمالته، اجتمعت إليه أشياع قبيلته، وأعيان دولته، وقالت له: أنت خليفة اللـه في أرضه، وحقك أكبر من أن تدعى بالأمير، بل ندعوك بأمير المؤمنين. فقال لهم: حاشا للـه أن نتسمى بهذا الاسم، إنما يتسمى به خلفاء بني العباس لكونهم من تلك السلالة الكريمة، ولأنهم ملوك الحرمين مكة والمدينة، وأنا راجلهم والقائم بدعوتهم، فقالوا له: لا بد من اسم تمتاز به، فأجاب إلى «أمير المسلمين وناصر الدين» وخطب لهم بذلك في المنابر وخوطب به من العُدْوَتَيْن -أي المغرب والأندلس).

حياة يوسف بن تاشفين

ينتمي يوسف بن تاشفين إلى قبيلة لامتونة التي تنتمي إلى جماعة سنهاجة، وكان رجلًا حكيمًا متدينًا، وقائدًا ملمًا بتضاريس الصحراء، وكان يوسف بن تاشفين قائدًا عسكريًا، يخوض المعارك في جيش المرابطين، ويتلقى أوامره من ابن عمه أبو بكر بن عمر اللمتوني، الأمر الذي ساعده للوصول إلى القيادة من خلال الاستفادة من التجارب التي مر بها والاطلاع على أسرار السلطة.

تولى يوسف بن تاشفين إمارة دولة المرابطين بعد أن تنازل له عنها ابن عمه الأمير أبو بكر بن عمر اللمتوني، وشارك في معركة الواحات عام 1056م قبل توليه الحكم ولمع نجمه فيها.

اشتهر ابن تاشفين بالعدل والإخلاص والزهد والتمسك بالدين الإسلامي والعمل على نشره، وكان من أعظم ملوك المسلمين في زمانه.

وفاة يوسف بن تاشفين

توفي يوسف بن تاشفين في عام 500هـ – 1107م عن عمر يقارب المائة عام في المغرب، ودفن في مراكش بعد إنجازات كثيرة، وبطولات يشهد لها التاريخ.

إقرأ أيضًا: سيرة حياة الفاتح عقبة بن نافع

ترك يوسف بن تاشفين أثرًا إسلاميًا كبيرًا في الغرب الإسلامي وفي الأندلس، وسعى جاهدًا لإنقاذ الإسلام في الأندلس وأخّر سقوطها، وذاع صيته بين العلماء والفقهاء، وأثنى معظمهم عليه.

[ppc_referral_link]