مفهوم العنف المجتمعي وآثاره
يُعدّ المجتمع الركيزة الأساسية القائمة على الأفراد حيثُ يتواصلون فيما بينهم ويتعاملون معَ بعضهم في ظلّ وجود قوانين وقيم وأهداف وطموحات ورغبات وعادات لكل مجتمعٍ منَ المجتمعات في عالمنا، ولكن هذا المجتمع قد يكون مليء بالسلبيات لأنَ الإنسان بطبيعته لا يُمكن أن يتفق على الخير فقط، بل يتواجد الشر في كل مكانٍ حولنا ولذلك نُلاحظ أنَ كل مجتمع سواءً عربي أم غربي يعجّ بالأمور السلبية التي تُهدّد سلامة الأفراد بهِ وتزيد من خطورة التواجد فيه.
ومنَ الجدير بالذكر، أنَ العنف المجتمعي واحدة من أخطر الظواهر التي تُواجهها المجتمعات، فيتواجد أشخاص غير أسوياء عقلياً مهمتهم الوحيدة زيادة الرعب في قلوب الأشخاص وتهديد سلامتهم من خلال عمليات السرقة والاحتيال والنصب والاعتداء الجسدي واللفظي وانتهاك كرامة الآخرين دونَ مراعاة القواعد المجتمعية، وبالتالي ينقلب المجتمع رأساً على عقب منَ الحالة السليمة الطبيعية إلى حالة خلل يصعب السيطرة عليها، ولذلك ما المقصود بالعنف المجتمعي وأنواعه؟ وما هيَ آثاره السلبية؟ وكيفَ يُمكن التعامل معه؟
ما المقصود بالعنف المجتمعي Community Violence؟
توجد الكثير منَ المجتمعات التي يتخلّلها الفساد بشكلٍ كبير، على سبيل المثال لا يُمكن للمرأة أن تعود إلى منزلها وحدها منَ العمل إلّا وتتعرّض للتحرش اللفظي أو المضايقات من أشخاص لا تعرفهم، أو يُمكن أن يخرج الفرد لمكانٍ عام ويُواجه عصابة تعمل على سلبه أمواله وتهديده من أجل السماح لهم بسرقة جواله أو ممتلكاته الشخصية أو يتعرّض الطفل لمضايقاتٍ منَ البالغين عندما يخرج إلى اللعب في الشارع مثل الاعتداء عليه وضربه دون أي سبب وغيرها منَ الأمثلة التي يُواجهها الإنسان في أي مكانٍ عام بدون معرفة سابقة بالشخص المعتدي.
ونوّد الإشارة، أنَ للعنف المجتمعي أشكال وأنواع متعددة مثل {العنف الجنسي} يُعتبر الأقسى بحيث يتم الاعتداء أو التحرش على النساء والأطفال والشبان أيضاً وانتهاك خصوصيتهم وكرامتهم و{التحرش اللفظي} وهوَ الأكثر انتشاراً مثل التعرّض لمضايقاتٍ لفظية لكل امرأة تعبر المكان العام وحدها أو التنمر على الشكل أو إلقاء الكلمات البذيئة والجارحة أو شتم الشخص بشكلٍ مفاجئ والتعدّي عليه بالكلمات ممّا يُؤدي لإحباطه وكسر معنوياته، و{العنف الجسدي} مثل القتل والإيذاء من أجل السرقة وسلب الممتلكات.
علاوة على ذلك، عندما يُواجه المجتمع هذا العنف مهما كانَ نوعه يُصيبه نوع منَ الخلل في قوانينه التي تنصّ على الاحترام والالتزام، فيُمكن لشخص واحد أو مجموعة غير عقلانية أن تُحدث هذا الخلل وتوسيعه من خلال الترويج للكراهية والاغتصاب والسرقة، ومن هنا يبدأ العنف في داخل كل شخص غير ملتزم بحيث يقوم إما بأعمال السلب والنهب أو إحداث الشغب مثل الهجمات الإرهابية وحرب العصابات والتطاول على الدولة وقوانينها.
ما هيَ أبرز أسباب العنف المجتمعي؟
بالتأكيد توجد عدّة عوامل وأسباب تُؤدي لحدوث هذه الظاهرة وانتشارها بشكلٍ واسع، وتتمثل في:
التربية المنزلية:
يولد كل فردٍ منّا بقلب أبيض ناصع بحيث لا يفهم معنى الشر والانتقام أو أي عادةٍ سلبية، ويبدأ الطفل باكتساب عاداته وأفكاره وقيمه ومبادئه في البداية منَ المنزل، فإذا كانَ الأب متعصب ومتشدد في تربية أطفاله من حيث قمعهم وتعنيفهم وحرمانهم ستتوّلد لديهم ردة فعل داخلية تنعكس على المجتمع سلباً وعلى كل من يتعامل معهم.
بالإضافة إلى أنَ عادات الأسرة وأفكارها مثل التقليل من شأن واحترام الأنثى واعتبارها ضعيفة وتعنيفها والثأر من أجل الشرف يُوّلد لدى الطفل نزعة كراهية تجاهَ كل فتاة يراها في الطريق العام.
العنف مقابل العنف:
للأسف من أبرز الأسباب التي تُوّلد العنف والقوة والتسلط على الآخرين في التعامل معهم، وأيضاً هذا السبب يعود إلى التربية المنزلية منذ فترة الطفولة، فإذا تحدثَ الطفل لوالده عن ضرب صديقه لهُ في الروضة أو المدرسة يُشجع الأب طفله على استعراض قوته وضربه بطريقةٍ أقسى من أجل الدفاع عن نفسه، بحيث لا توجد طريقة لحلّ هذه المشكلة في نظر الوالدين إلّا مقابلة العنف بعنفٍ أكبر.
انتشار البطالة:
كل مجتمع فقير وغير قادر على تأمين حاجة أفراده من خلال فرص العمل وفتح الأبواب أمامه من أجل مساعدته على العمل والاعتماد على نفسه هوَ مجتمع تتخلّله مظاهر العنف، لأنَ الفرد سيلجأ إلى السرقة والنهب والاعتداء على ممتلكات الآخرين كونهُ فقير وغير قادر على إطعام عائلته.
الفساد:
سيلجأ الأفراد إلى العنف بجميع أشكاله إذا كانت الدولة لا تضمن حقوق الفرد بها، فالإنسان الغني مادياً يُمكنهُ العمل والعيش بحياةٍ فارهة بسبب الواسطة أو الرشوة، وبالتالي جزء كبير منَ الأفراد المتوسطين أو الفقراء يتم تهميشهم.
التخلف:
توجد الكثير منَ الجرائم والأعمال التي تضمّ الشغب والاعتداء والثأر وانتهاك كرامة الفرد مبنية على جهل الأسر التي تستمدّ أحكامها وعاداتها منَ الموروثات الخاطئة والقديمة، كما أنَ فهم الدين بطريقةٍ خاطئة يُسبب الكره في أبناء المجتمع لبعضهم البعض وبالتالي قيام حرب بينهم.
ما هيَ أبرز آثار العنف المجتمعي؟
- حدوث خلل في المجتمع من خلال انعدام الأمن والسلامة بهِ.
- تدني الثقة بالنفس.
- توليد مشاعر الحقد والكراهية.
- الإصابة بالتشوّهات الجسدية والأمراض النفسية.
- ازدياد معدل استهلاك الكحوليات والدخان.
- تدهور المؤسسات والشركات في المجتمع إذا تمَ تخريبها.
- الشعور بالرعب والخوف بشكلٍ دائم.
- ازدياد أعداد الهجرة لضمان سلامة الفرد وعائلته منَ العنف.
كيفَ يُمكن الحدّ من تفاقم مشكلة العنف المجتمعي وعلاجها؟
يُمكن لبعض الخطوات التي يقوم بها المجتمع أن تُعالج هذه الظاهرة مثل:
- التوعية المستمرة من خلال وسائل الإعلام وشبكة الإنترنت بمخاطر العنف وكيفية التعامل معَ الشخصيات المختلفة في المجتمع وعدم مقابلة الإساءة بإساءة وخاصةً انتشار أساليب تربية الطفل لإنشاء جيل سليم صحيّاً وعقلياً.
- إنشاء مراكز متخصصة بالتأهيل النفسي والتعامل معَ المريضين من خلال دعمهم وتجنب إهمالهم ومساعدتهم على الشفاء الذاتي.
- احترام جميع الأفراد في المجتمع وعدم التعامل معهم على أساس الحالة المادية، فيجب توفير فرص العمل والحصول عليه من خلال خبرة ودراسة الشخص والابتعاد عن الواسطة في هذا المجال.
- وضع حدود صارمة للمشاهد التي تُعرض على التلفاز من خلال الرقابة والحدّ منَ المشاهد الدموية أو الخيانة أو القتل.
- إنشاء منظمات تهتم بفئة الشباب والمراهقين من أجل تسليط الضوء على أهدافهم وأحلامهم ومساعدتهم على تحقيقها من أجل الاستفادة منهم مستقبلاً لإنشاء دولة متطورة وناجحة.
- وضع الحدود والعقوبات القاسية على كل من ينتهك القوانين المجتمعية أو يُحاول إثارة الرعب بينَ العامة.
علينا القول أنَ كل مجتمع مهما كانَ ناجحاً لا يخلو من هؤلاء الأفراد المشاغبين والمثيرين للرعب والخوف، ولكن لكل مجتمع طريقته الخاصة في التعامل معهم ولذلك نلاحظ أنَ أغلب المجتمعات ناجحة ومتطورة وملتزمة وبعضها الآخر مدمر وغير قادر على الوقوف مرةً أخرى بسبب تفاقم هذه الظاهرة بشكلٍ كبير.
{{نأمل أن يعجبكم المقال أيها الرائعون}}.