مقدمة عن أصل العرب
يتساءل الكثيرون عن أصل العرب ومن أين جاءوا، وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بأن أصل العرب من اليمن، إلا أن الحقائق والشواهد التاريخية تشير إلى ما هو خلاف ذلك، وستوضح الفقرات التالية الحقائق والأدلة التاريخية على أصل العرب.
تاريخ الجزيرة العربية
في وقت ما بعد ظهور الإسلام في الربع الأول من القرن السابع ميلادي وظهور المسلمين العرب الذين كانوا اللبنة الأولى لتأسيس إحدى أعظم الإمبراطوريات في التاريخ، واسم العرب أصبح يستخدمه هؤلاء المسلمون أنفسهم والدول التي اتصلوا بها للإشارة إلى جميع الناس الذين يتحدثون اللغة العربية.
كما أصبح اسم شبه الجزيرة العربية، أو اسمها العربي جزيرة العرب، يُستخدم في شبه الجزيرة بأكملها.
لكن ما زال هناك خلاف كبير حاليًا حول تعريف من هم العرب وما هو أصلهم؟؛ اذ لم يهتم العرب بكتابة تاريخهم إلا بعد ظهور الإسلام.
فهل العرب تشمل كل من يتحدث اللغة العربية أم أنها تشمل حصرًا الناس الذين تعود أصولهم للعرب كعرق أم أنها تشير للناس الذين سكنوا المناطق الجغرافية للعرب.
وكذلك الحال هنالك خلاف بالنسبة لتعريف منطقة شبة الجزيرة العربية، فحتى في المصادر الإسلامية، لم يتم الاتفاق عليه بالإجماع.
ففي أضيق تطبيق لها، يشير مصطلح منطقة شبة الجزيرة العربية إلى أقل بكثير من شبه الجزيرة بأكملها، بينما في المصادر اليونانية، اللاتينية القديمة والمصادر اللاحقة يشمل مصطلح شبه الجزيرة العربية الصحاري السورية والأردنية والصحراء العراقية غرب الفرات السفلى.
يقصد باسم “العرب”، على الأقل في عصور ما قبل الإسلام، بشكل رئيسي إلى السكان القبليين في وسط وشمال شبه الجزيرة العربية.
الثقافة العربية هي فرع من فروع الحضارة السامية، ونتيجة لذلك مع تأثيرات الثقافات السامية الشقيقة التي تعرضت لها في فترات معينة، يصعب أحياناً تحديد ما هو عربي؛ بالإضافة الى تأثرها بحضارات أخرى من خلال الطرق التجارية التي تمر على طول أطرافها.
كانت الجزيرة العربية على احتكاك مع الحضارات الرومانية والفارسية، ثم عندما أنعم الله على العرب بالإسلام أخذت الثقافة العربية بالتأثر من حضارات المسلمين الذين شاركوهم بالدين والدولة لا سيما الحضارة الفارسية والخلافة العثمانية.
وفي النهاية وصلت الثقافة السائدة في أوروبا الغربية في وقت متأخر من الحقبة الاستعمارية.
ما هو أصل العرب؟
مما لا شك فيه بأن العرب من الشعوب السامية، ولكن كما ذكرنا فهنالك خلاف كبير على كيفية تحديد ما هو عربي، فهل العرب من ينتسب بلغته العربية أم من يعود عرقه للعرب.
والحقيقة أن محاولة تحديد الأصول العرقية لأي شعب وربطه بالشعوب القديمة مسألة في غاية الصعوبة، فهي تعتمد بالأساس على ما قالته الشعوب القديمة عن نفسها من خلال أثارها وما قالته الشعوب الأخرى عنها.
وللأسف فالعرب لم يهتموا بالتأريخ حتى ما بعد الإسلام، ولم يقوموا بالدراسات والأبحاث الكافية لربط أنفسهم بالشعوب السامية سابقًا.
وبما أن شبه الجزيرة العربية دائمًا ما كانت مطمعًا للغزاة من الشعوب الأخرى فكان الحل الوحيد هو الاعتماد على المصادر الغربية، مما أدى الى مغالطات تاريخية جسيمة إما عن طريق الخطأ لارتباط العرب بحضارة الغزاة بوقت معين، أو بشكل متعمد من المستشرقين لإخفاء حقيقة وجود العرب في بلاد الشام وتحديدًا فلسطين قبل دخول العبرانيين إليها لفترات زمنية محددة، وبالتالي إلحاق المنطقة كجزء لا يتجزأ من المشروع الصهيوني لإسرائيل الكبرى.
وسوف نقوم بذكر هذه المغالطات بالتفصيل لاحقًا.
اجتمع معظم المؤرخين ورواة الأخبار على تقسيم العرب حسب القدم إلى ثلاث أصناف رئيسية:
- عرب بائدة: هم أقوام عربية قديمة أكثرهم شهرة عاد وثمود والعماليق، وهذه القبائل اندثرت قبل الإسلام، وذكرت أقوام عاد وثمود في القرآن.
- عرب عاربة: فهم القحطانيون والعدنانيون.
- العرب المستعربة: وهي القبائل والشعوب الأخرى التي سكنت في شبه الجزيرة وتعلمت اللغة العربية وأصبحت تتحدث اللغة العربية.
هنالك من يقول بأن عدنان هم العرب المستعربة وهذا افتراء كما سنذكر لاحقًا.
القحطانيون
اختلف في نسب القحطانيون فمنهم من قال إنهم يرجعون لنسل قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح ويلتقون مع عدنان في شالخ.
ومنهم من قال إنهم من نسل أرم ويجتمع مع عدنان في سام بن نوح، وقيل أنهم من نسل هود، وقيل أنهم من ذرية سيدنا إسماعيل ويجتمعون مع عدنان في إسماعيل وهذا هو الأقرب إلى الصواب والأكثر مطابقة للأحاديث النبوية الشريفة، وهنالك اتفاق بأن قحطان هو أبو اليمن.
وفي الحديث الصحيح الذي رواه عبدالله بن عباس “خَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، علَى قَوْمٍ مِن أسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ بالسُّوقِ، فَقالَ: ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فإنَّ أبَاكُمْ كانَ رَامِيًا، وأَنَا مع بَنِي فُلَانٍ لأحَدِ الفَرِيقَيْنِ، فأمْسَكُوا بأَيْدِيهِمْ، فَقالَ: ما لهمْ قالوا: وكيفَ نَرْمِي وأَنْتَ مع بَنِي فُلَانٍ؟ قالَ: ارْمُوا وأَنَا معكُمْ كُلِّكُمْ.”
وقبيلة أسلم هم من الأزد من القحطانين، والرسول عليه الصلاة والسلام من أعلم الناس بالإنساب كما علمه ربه.
العدنانيون
أما العدنانيون فهم من نسل سيدنا إسماعيل عليه السلام قولًا واحدًا، وسكنوا شبه الجزيرة العربية من شمالها إلى جنوبها ونقصد هنا بشبه الجزيرة العربية كامل الأرض العربية في قارة آسيا بما فيها العراق وبلاد الشام، كما أن أشرف الخلق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من نسل عدنان.
من أول من تكلم بالعربية؟
هنالك خلاف حول من أول من تحدث باللغة العربية وسنذكر على عجالة الروايات المختلفة؛ مع العلم أنه لا يوجد طريقة للتأكد من صحة الروايات:
- الرواية الأولى: أن آدم عليه السلام هو أول من تحدث العربية كما أنه تحدث بالألسنة كلها.
- الرواية الثانية: أن جبريل عليه السلام هو أول من تحدث العربية عندما ألقاها على لسان سيدنا نوح الذي ألقاها على لسان ابنه سام.
- الرواية الثالثة: تقول إن أول من تكلم العربية هو يعرب بن قحطان.
- الرواية الرابعة: أن سيدنا إسماعيل كان أول من نطق بلسان عربي مبين.
هل أصل العرب من اليمن؟
على الرغم من أن هذه المقولة تكاد تكون شبه منتشرة في البلاد العربية إلا أن هذه المقولة لا تصح على الإطلاق.
بل إن فيها من الضرر الكبير جدًا على حال الأمة الإسلامية ومقدساتها ولا سيما حماية أرض فلسطين والمسجد الأقصى التي بلا أدنى شك هي أرض عربية إسلامية. فاليمن ليست أصل العرب.
وللأسف من يدعم هذه النظرية هم الصهاينة والمستشرقين بقولهم إن العدنانيين من العرب المستعربة وليس من العرب العاربة.
وكما ذكرنا مسبقًا فالعدنانيون من العرب العاربة لأن العدنانيين والقحطانيين هم ذرية سيدنا إسماعيل بحسب الرواية الأقرب للصواب.
ومقولة أن سيدنا إسماعيل تعلم العربية من قبيلة جرهم من القحطانيين كما هو سائد ليست صحيحة، إذ اختلفت الروايات على من كان أول من تحدث باللغة العربية كما ذكرنا سابقًا. فضلًا عن اختلاف النسابين في نسب قبيلة جرهم وفي لغتهم الأصلية، حيث ذهب إبن خلدون إلى أنهم كانوا يتكلمون العبرانية.
بالإضافة إلى أن أكثر الروايات صحة ومطابقة للأحاديث النبوية الشريفة تقول بأن قحطان وعدنان من نسل سيدنا إسماعيل.
قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وصحبه وسلم: “إنَّ اللَّهَ اصطفى مِن ولدِ إبراهيمَ ، إسماعيلَ، واصطَفى من ولدِ إسماعيلَ بَني كنانةَ، واصطَفى من بَني كنانةَ قُرَيْشًا، واصطفى من قُرَيْشٍ بَني هاشمٍ، واصطَفاني من بَني هاشمٍ” حديث صحيح.
ونقول إن شبه الجزيرة العربية من شمالها إلى جنوبها وتشمل بلاد الشام هي موطن الساميين ومنهم العرب، فالعرب البائدة ومنهم عاد وثمود والعماليق وغيرهم سكنوا شبه الجزيرة العربية بمختلف أماكنها فكما أكدت الدراسات الأثرية والتاريخية أن شبه الجزيرة العربية لم تكن فيما مضى صحراء جافة كما هي الحال الآن وعاشت فيها الشعوب السامية بمختلف أماكنها.
كما أكدت المصادر التاريخية أن العماليق من العرب البائدة ومنهم من سكن المدينة المنورة ومنهم من سكن بلاد الشام (جبابرة الشام) ومنهم من سكن مصر (الهكسوس وفراعنة مصر) فكيف يصح أن العرب كلهم من اليمن.
وكما أن أشهر القبائل في مكة قبيلة قريش التي منها أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القرشي العدناني يعود إلى نسل سيدنا إسماعيل ابن إبراهيم عليه السلام؛ وسيدنا إبراهيم ولد في العراق ثم ارتحل لاحقًا.
لذلك لا يصح أن يقال بأن كل العرب من اليمن والصواب أن العرب من شبه الجزيرة العربية كلها وإن ارتحلوا من مناطقهم الى مناطق أخرى لأسباب مختلفة.
فكما هاجر العرب من اليمن إلى الحجاز وإلى بلاد الشام على فترات متباعدة من الزمن شهدت المنطقة هجرات مشابهة للعرب من العراق إلى الحجاز ومن الحجاز إلى بلاد الشام.
حتى أن هجرات العرب وصلت إلى مصر مثل الهكسوس الذين هم من عرب فلسطين. والحقيقة إن هذه ليست المغالطة التاريخية الوحيدة فلقد كان المستشرقين يصنفون الفراعنة والفينيقيين على أنهم ليسوا عربًا.
هل قحطان أصلهم من اليمن؟
على ما ذكرنا فإن قحطان من ولد إسماعيل، وذلك للحديث الشريف وكان فيه الكلام موجه لقبيلة أسلم وبعض الأنصار.
من الجدير بالذكر أن المهاجرين والأنصار من الأزد وهم يرجعون إلى اليمن، وهذا دليل على أن قحطان من ولد إسماعيل، وبذلك يكون أهل اليمن أصلهم من قحطان وليس العكس، لأن قحطان من ولد إسماعيل الذي ولد في فلسطين وسكن مكة وأبوه سيدنا إبراهيم من العراق.
“مَرَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى نَفَرٍ مِن أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ، فإنَّ أَبَاكُمْ كانَ رَامِيًا ارْمُوا، وأَنَا مع بَنِي فُلَانٍ قالَ: فأمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بأَيْدِيهِمْ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما لَكُمْ لا تَرْمُونَ. فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ نَرْمِي وأَنْتَ معهُمْ، قالَ: ارْمُوا وأَنَا معكُمْ كُلِّكُمْ.
هل الفراعنة والفينيقيين من العرب؟
كما ذكرنا فلقد كان المستشرقين يؤكدون سابقًا على أن الفراعنة ليسوا عربًا وأن الفينيقيين ليسوا أيضًا من العرب.
بل وذهب بعضهم أن الأنباط ليسوا عربًا، وكأنهم يستكثرون على العرب وجود كل هذه الحضارات، فجاءت الدراسات لتؤكد أن الفراعنة والفينيقيين والأنباط من العرب.
فالفراعنة من العماليق وأما الفينيقيين فهم من الكنعانيين وكلاهما من العرب البائدة كما قال الطبري.
ويحاول المستشرقون إلحاقهم الى العبرانيين أو إلى الشعوب السامية غير العربية إما للتأكيد على أن العبرانيين سكنوا سواحل البحر الأبيض المتوسط من لبنان إلى فلسطين وأنها جزء من إسرائيل التاريخية أو على أقل تقدير أن العرب لم يسكنوا بلاد الشام قبل العبرانيين وأن من سكنها من الشعوب السامية غير العربية.
وفي دراسة جديدة تم فيها عمل أول تحليل كامل وناجح لجينوم 90 مومياء عاش أصحابها من 1400 قبل الميلاد ولمدة 400 عام، كانت نتائجها أن جينات هذه المومياء ليست أفريقية ولكن موروثة من شعوب سكنت بلاد الشام والاناضول.
قد يهمك: ما هو أصل قبيلة مطير
العرب اليوم
بعد أن أنعم الله علينا بالإسلام وغابت العنصرية الجاهلية للعرب ومع تأثر العرب المسلمين لاحقًا بالثقافات المختلفة، أصبح من غير الدقيق تقسيم العرب في الوطن العربي الشاسع، فكل من يسكن الوطن العربي ويتحدث اللغة العربية فهو عربي.
تحرير: بيلسان عماد