مقتل “جورج فلويد”
قبل بضعة أيام، تحديدا يوم ٢٥ مايو ٢٠٢٠، قام ضابط تابع لشرطة مدينة “مينيبوليس” و هي مدينة تابعة لأحد الولايات المتحدة الأمريكية “مينيسوتا” باعتقال المسمى “جورج فلويد”، رجل أمريكي أسود البشرة عمره ٤٦ سنة، بعد أن قام موظف في أحد المحلات بالاتصال برقم الطوارئ الأمريكي ٩١١ متهما جورج فلويد بإعطائه ٢٠ دولار مزيفة لشراء علبة سجائر، بعد ١٧ دقيقة من وصول فرقة التدخل الخاصة بالشرطة إلى المكان كان جورج فلويد فاقد لوعيه تحت ثلاثة من رجال الشرطة و هو لا يبدو عليه أي أثر للحياة.
بوجود أدلة قاطعة من فيديوهات من تصوير أحد المواطنين إضافة إلى كاميرات المراقبة تم التأكد من أن ضابط الشرطة أبيض البشرة “ديريك شوفين” كان السبب في خنقه حتى الموت بممارسة الضغط عليه و هو في الأرض باستعمال رجليه، مع أن “جورج فلويد” كان يطلب المساعدة مرددا “لا أستطيع التنفس” “لا أستطيع التنفس”.
كل الفيديوهات و الوثائق تدل على اختراق الشرطيين المتورطين في الحادثة للقوانين الخاصة بالشرطة بصفة عامة و بشرطة مدينة مينيابوليس بصفة خاصة، بناء على هذا تم في اليوم الموالي طرد الشرطيين الأربعة من عملهم، و تم توجيه تهمة القتل للشرطي الذي قتل جورج فلويد حيث أنه أبقى رجله على عنق جورج فلويد لمدة ٨ دقائق و ٤٦ ثانية و الفيديو يوضح أنه لم يرفع رجله عن عنقه رغم فقدانه للوعي تماما، بينما يبقى الضباط الثلاث الآخرون تحت التحقيق.
هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها بل يوجد عدد هائل من حالات التعنيف من قبل الشرطة ضد المواطنين، في مدينة “مينيبوليس” فقط تم تسجيل ما يقارب ٢٠٠ حالة قتل في العقود الأخيرة و أغلب الضحايا من أصحاب البشرة السوداء.
هذه الحادثة كانت القطرة التي أفاضت الكأس، حيث بعدها طفح كيل الشعب الأمريكي و خرج الجميع في مظاهرات عنيفة يتم فيها تخريب الممتلكات الخاصة و العامة كما تم حرق مركز الشرطة لهذه المدينة كاملا و لا تزال هذه المظاهرات مستمرة في وقت كتابة هذا المقال.
العنصرية ضد السكان الأصليين لأمريكا
ظاهرة العنصرية و التفريق حسب لون البشرة في الولايات المتحدة الأمريكية لا تمتد إلى أعوام أو عقود قليلة مضت بل أن امتدادها التاريخي عميق و يعود إلى زمن قديم جدا حيث بدأت العنصرية حتى قبل تشكل الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد وصول الأوروبيين إلى أمريكا الشمالية، كانت نيتهم واضحة في السيطرة على هذه الأرض و استوطانها، و هنا ظهرت العنصرية ضد السكان الأصليين لأمريكا حيث كان في منظور الأوروبيين أنهم هم أحق بهذه الأرض من ملاكها الحقيقيين بحكم أنهم بربريون و غير متحضرون و أنه سيتم تحضيرهم عن طريق الثقافة الأوروبية.
هذا ما أدى إلى عمليات قتل كثيرة و سرقة الأراضي و محاولات عديدة و متنوعة لطمس الهوية و التقاليد الخاصة بالسكان الأصليين للولايات المتحدة الأمريكية، كان يطلق على السكان الأصليين للولايات المتحدة الأمريكية اسم عنصري “الهنود”.
التصوير الإعلامي للسكان الأصليين لأمريكا على أنهم “وحوش متعطشة للدماء” ساهم في تبرير الأفعال التي يقوم بها المستوطنون الأوروبيون لأمريكا ضد سكانها الأصليين.
كانت الجرائم الممارسة ضد السكان الأصليين شنيعة و في كل مرة يشن المستوطنين هجمات تحصد مئات الأرواح، من عام ١٨٣٠ إلى عام ١٨٤٠، طرد الجيش الأمريكي ٦٠,٠٠٠ هندي -وآخرين – من الشرق مقابل منطقة جديدة غرب المسيسيبي. مات الآلاف في طريق ما أصبح يعرف باسم “درب الدموع”. وبينما استمر “البيض” في التوسع غربًا، واصلت أراضي الهنود تقلصها.
العنصرية ضد الأمريكيين من أصول افريقية (أصحاب البشرة السوداء)
في بداية القرن السابع عشر، تم نقل العديد من الإفريقيين إلى أمريكا كعبيد، تم خطفهم و ترحيلهم من أرضهم الأم “إفريقيا”، رجال و نساء و أطفال إفريقيين تم تجريدهم من هويتهم و أسمائهم، و تم إجبارهم على اعتناق المسيحية، تم ضربهم و تعذيبهم بشتى الطرق من طرف مالكيهم من ذوي البشرة البيضاء، نعم لقد كانوا يرون البشر كملكية خاصة بهم، طبعا لم يكن كل الإفريقيين في أمريكا عبيدا، كان البعض من الإفريقيين أحرار و يعيشون في الأراضي الجنوبية، لكن توجد قوانين تمييزية تمنعتهم من امتلاك الممتلكات والتصويت، على سبيل المثال، إضافة إلى الأفضلية لأصحاب البشرة البيضاء على أصحاب البشرة السوداء حالت دون حصول المساواة في أمريكا.
حتى بعد صدور قوانين تمنع العبودية و تنص على أن كل الناس أحرار فأصبح كل الأفارقة في أمريكا أحرارا، مظاهر العنصرية بقيت حاضرة.
على سبيل المثال، وجدت لجنة ممارسات التوظيف العادلة في واشنطن العاصمة أن السود يواجهون التمييز في واحدة من كل خمس مقابلات عمل. تشير جمعية علم الاجتماع الأمريكية إلى أن “أرباب العمل اليوم يستخدمون مراحل مختلفة من عملية التوظيف للتمييز ضد الأقليات (على سبيل المثال، التوظيف من المدارس البيضاء في المقام الأول بدلاً من برامج التدريب الوظيفي) وتقديم وظائف ذات مكانة أعلى والأجور للموظفين البيض. ترتبط تقارير التمييز الوظيفي ضد الأمريكيين من أصل أفريقي ببشرة داكنة، والتعليم العالي، ووضع المهاجرين، وصغر سنهم.”
هذا و توجد الكثير من مظاهر و أنواع العنصرية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية و التي تطورت عبر أوقات مختلفة، نذكر منها العنصرية ضد الأمريكيين من أصول يابانية بعد التفجير الياباني في هاواي سنة ١٩٤١، أيضا ظهور العنصرية ضد المسلمين و هو ما يعرف بالاسلاموفوبيا “Islamophobia” و التي بدأت و أصبحت أكثر انتشارا بعد الأحداث الإرهابية في ٩/١١ إضافة إلى الحروب في العراق و أفغانستان، في العشر سنوات الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية تم استجواب ٧٠٠ ألف مسلم من طرف FBI، و الاسلاموفوبيا هي النوع الوحيد من العنصرية الذي لا توجد قوانين ضده لحد الآن في الولايات المتحدة الأمريكية.
و في النهاية تبقى أفضلية أصحاب البشرة البيضاء في أمريكا تمتد من قبل بناء و تشكيل الولايات المتحدة الأمريكية و لا تزال متواجدة ليومنا هذا و مقتل “جورج فلويد” بكل برود هو أكبر دليل على ذلك.