في إطار هذه الحادثة المهمة في الذاكرة المصرية بظلم المحتل وخيانة ذوي القربى، سنتعرف على أسبابها ثم نتعرف على بعض أهم الأشخاص في حادثة دنشواي ونترك لكم الحكم.
حادثة دنشواي 1906
تعود بدايات الحكاية إلى عام 1906 حين صدرت أوامر الحكومة في مصر إلى عُمد بعض البلاد بمساعدة فرقة تابعةٍ للاحتلال البريطاني آنذاك مكونة من خمسة جنود ممن كانوا يرغبون في صيد الحمام ببلدة دنشواي المشهورة بكثرة حمامها كما اعتادوا، ودنشواي هي قرية تقع في مركز الشهداء، شبين الكوم بمحافظة المنوفية، ويُعتقد أن الاسم مشتقٌ قديماً من دير جواي ثم تحول إلي دنجواي.
ففي نهار صيفي عادي في يوم الأربعاء الموافق 13 يونيو حزيران كان هؤلاء الجنود الإنجليز بقيادة الميجور كوفين يتجولون بالقرب من القرية المنكوبة ومعهم الأومباشي زقزوق والترجمان عبد العال. وكان الميجور مغرماً بصيد الحمام فأقنع رجاله – وهم: الكابتن بول، الملازمان بورثر وسميث، الطبيب البيطري الملازم بوستك – بأن يتراهنوا لاصطياد الحمام من على أشجار دنشواي وكان كوفين وبول وبوستك يطلقون الأعيرة لاصطياد الحمام بجوار الأشجار على جانبي الطريق الزراعي، ولكن تشاء الأقدار أن يتوغل بورثر وسميث داخل القرية حيث كان الحمام عند أجران الغلال يلتقط الحَبّ.
ويصوب بورثر بندقيته إلى جُرن الحمام الخاص بالشيخ محمد عبد النبي مؤذن البلدة، فتفقد زوجة الشيخ وعيها بعد أن أصابها عيار طائش وتفيد المصادر المختلفة بأن مؤذن البلدة جاء يصيح بهم كي لا يحترق التبن في جُرنه، لكن أحد الضباط لم يفهم منه ما يقول وأطلق عياره فأخطأ الهدف وأصاب المرأة، وتدعى أم محمد.
واشتعلت النار في التبن، فهجم الرجل على الضابط وأخذ يجذب البندقية وهو يستغيث بأهل البلد صارخًا “الخواجة قتل المرأة وحرق الجُرن، الخواجة قتل المرأة وحرق الجُرن”، فأقبل الأطفال والنسوة والرجال صائحين “قتلت المرأة وحرقت الجُرن”، وهرع بقية الضباط الإنجليز لإنقاذ صاحبهم.
وفي هذا الوقت وصل الخفراء للنجدة كما قضت أوامرهم، فتوهم الضباط على النقيض بأنهم سيفتكون بهم فأطلقوا عليهم الأعيرة النارية وأصابوا بعضهم فصاح الجمع “قتل شيخ الخفر” وحملوا على الضباط بالطوب والعصي، فألقى الخفراء القبض عليهم وأخذوا منهم الأسلحة إلا اثنين منهم وهما “كابتن” الفرقة وطبيبها اللذين أخذا يعدوان تاركين ميدان الواقعة وقطعا نحو ثمانية كيلومترات في الحر الشديد حتى وصلوا إلى بلدة سرسنا، فوقع “الكابتن” بول مطروحًا على الأرض ومات بعد ذلك متأثراً بضربة شمس إثر عدوه لمسافة طويلة تحت أشعة الشمس، عندها تركه زميله الطبيب وأخذ يعدو حتى وصل إلى المعسكر، وصاح بالعساكر فركضوا إلى حيث يوجد الكابتن، فوجدوه وحوله بعض الأهالي، فلما رآهم الأهالي لاذوا بالفرار، فاقتفى العساكر أثرهم وألقوا القبض عليهم إلا أحدهم – ويدعى سيد أحمد سعيد – هرب قبل أن يشد وثاقه واختبأ في فجوة طاحونةٍ تحت الأرض فقتله الإنجليز شر قتلة.
وكان رد الفعل البريطاني قاسياً وسريعاً، فقد قدم 59 فلاحاً مصرياً للمحاكمة بتهمة القتل المتعمد وتم نصب المشانق قبل المحاكمة نفسها وتجلَّت مظاهر انتقام جيش الاحتلال من قرية مصرية عَزلاء حاولت الدفاع عن نفسها ضد غرباء دخلوها بلا استئذان وعاثوا فيها فسادًا ولهوًا وعبثًا.
وحسب قانون الأحكام العرفية الذي وضعه الإنجليز فى مصر سنة 1895 لحماية عساكر الاحتلال البريطاني، وبناءً على قرار قدمه محمد شكري باشا مدير المنوفية في ذلك الوقت، صدر في العشرين من يونيو قرار وزير الحقانية بطرس غالي باشا بتشكيل المحكمة لمحاكمة المتهمين وترأَّس المحاكمة بطرس غالي نفسه بوصفه ناظر الحقانية بالنيابة، وأحمد فتحي بك زغلول (شقيق سعد زغلول) والانجليزي هيتر المستشار القضائى بالنيابة وبوند نائب رئيس المحاكم والكولونيل لدلو القاضي العسكري ممثل جيش الاحتلال البريطاني، وقام إبراهيم الهلباوي بدور المدعي العام وبعد أسبوع من تاريخه صدرت الأحكام القاسية بإعدام أربعة من أهالي دنشواي هم حسن محفوظ، ويوسف سليم، والسيد عيسى سالم، ومحمد درويش زهران والسجن المؤبد لاثنين والأشغال الشاقة لمدد أخرى لعشرة آخرين وبجلد كل واحد فيهم خمسين جلده، وتم تنفيذ الأحكام فى قرية دنشواى أمام أعين الفلاحين وأهل الضحايا والأطفال بطريقة بشعة.
يتبع في الجزء القادم، سوف نتعرف على أحد الأشخاص الذين كان لهم الدور في الحكم الجائر (بطرس غالي نيروز) فكونوا معنا.