قصة يوسف عليه السلام

[faharasbio]

قصة يوسف عليه السلام

قصة نبينا يوسف عليه السلام واحدة من القصص التي ذكرت في القرآن الكريم لتحمل معها العبر والمواعظ الكثيرة التي تفيدنا في حياتنا، فقد مر على يوسف عليه السلام الكثير من المصاعب في حياته، ولكنه استطاع بصبره وحسن ظنه بالله أن يتخطاها، وعوضه الله تعالى بالملك والسلطة، وقد وردت قصة يوسف عليه السلام في سورة يوسف في القرآن الكريم، وسنذكرها لكم بالتفصيل لتتعرفوا إليها.

من هو يوسف عليه السلام

هو يوسف بن يعقوب بن اسحاق، وله أحد عشر أخًا، ولد في العراق، وقد كان مميزًا عند أبيه لدرجة أن أخوته كانوا يكرهونه ويحسدونه على حب أبيهم الكبير له، وذات يوم أتى يوسف إلى أبيه يخبره برؤيا شاهدها في المنام، وهي بأنه رأى الشمس والقمر ورأى أحد عشر كوكبًا يسجدون له، فأخبره والده بأن تفسير هذا المنام هو أنه سينال العز والمجد، ولكنه طلب من يوسف عليه السلام ألا يخبر إخوته بالرؤيا حتى لا يزيد حقدهم، وكرههم له.

قال تعالى: (إِذ قالَ يوسُفُ لِأَبيهِ يا أَبَتِ إِنّي رَأَيتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوكَبًا وَالشَّمسَ وَالقَمَرَ رَأَيتُهُم لي ساجِدينَ*قالَ يا بُنَيَّ لا تَقصُص رُؤياكَ عَلى إِخوَتِكَ فَيَكيدوا لَكَ كَيدًا إِنَّ الشَّيطانَ لِلإِنسانِ عَدُوٌّ مُبينٌ) آية رقم 5.

قصة يوسف عليه السلام بالتفصيل

مرت قصة يوسف عليه السلام بعدة مراحل، وسنذكر موجز عن كل مرحلة.

مؤامرة إخوة يوسف

اشتد حسد إخوة يوسف عليه السلام له مع مرور الأيام، وزادت غيرتهم منه لدرجة أنهم اتفقوا على التخلص منه، فاقترحوا قتله، ولكن أحد إخوته رأى أن يلقوا به في البئر، وكان ذلك واضحًا في قول الله تعالى:

(إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ) آية رقم 8 – 9 – 10.

إلقاء يوسف في البئر

 طلب إخوة يوسف من والدهم أن يأخذوا يوسف معهم ليلعب، فرفض الأب في البداية، ولكنه وافق بعد إصرارهم على اصطحابه، وعندما وصلوا إلى البئر ألقوه فيه، وعادوا إلى أبيهم يبكون، وكان معهم قميص يوسف ملطخًا بالدماء بحجة أن الذئب قد أكله، إلا أن يعقوب لم يصدق أولاده، وظهر ذلك في قوله تعالى:

(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ على مَا تَصِفُونَ)، آية رقم 18.

خروج يوسف عليه السلام من البئر

بقي يوسف الغلام الصغير في البئر ينتظر الفرج من عند الله، إلى أن مر مجموعة من الرحالة بجانب البئر، فأرسلوا دلوهم ليشربوا فخرج لهم يوسف، واستبشروا به خيرًا، ثم باعوه لوزير في مصر يدعى العزيز، وعاد به هذا الرجل إلى زوجته طالبًا منها أن تكرم الغلام الصغير، وذلك في قوله تعالى:

(وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) آية رقم 21.

وبذلك نجى الله تعالى سيدنا يوسف عليه السلام من كيد إخوته.

مكيدة امرأة العزيز ليوسف ومكر نسوة المدينة

أكرم العزيز يوسف في منزله وعامله معاملةً حسنةً، وعندما كبر ازداد جمالًا لدرجة أن امرأة العزيز أحبته حبًا شديدًا وراودته عن نفسه، ولكن يوسف استنكر الأمر ورفضه بشدة وجرى مسرعًا نحو الباب ليهرب منها، ولكنها لحقته وأمسكت بقميصه من الخلف حتى مزقته، وفي هذه الأثناء وصل العزيز إلى الغرفة، فما كان لزوجة العزيز إلا أن تتهم يوسف بأنه حاول الاعتداء عليها.

سمع الناس بقصة يوسف وامرأة العزيز، وكثر الكلام بين نسوة المدينة عن القصة، وعندما سمعت امرأة العزيز بالأمر قررت دعوتهن إليها، وعندما حضرن أعطت كل واحدةٍ منها سكينًا، وطلبت من يوسف أن يخرج عليهن، وعندها انبهروا بجماله، وجرحن أيديهن بالسكين دون أن يحسوا، قال تعالى:

(فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ).

وكان الهدف من ذلك أن تبين لهم سبب فعلتها، وحين رآهم سيدنا يوسف دعا الله تعالى بقوله:

(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) آية رقم 33.

دخول يوسف إلى السجن

عندما رأى العزيز ما حصل قرر وضع يوسف في السجن لرد التهمة عن امرأته ولضمان عدم حصول الأمر مرة أخرى، فدخل يوسف إلى السجن، ورأى كل من كان هناك مدى صدق يوسف وأمانته، ودعا إلى عبادة الله وعدم الإشراك به.

وكان من بين الأشخاص الذين التقاهم هناك ساقي الملك وخباز الملك، وكان قد رأى كلٍ منهما في منامه حلمًا غريبًا، فقد رأى الساقي بأنه كان يعصر خمرًا بيديه، أما الخباز فقد رأى أنه كان يحمل خبزًا وتأكل الطيور هذا الخبز من فوق رأسه، ونظرًا لأن يوسف كان قد وهبه الله تعالى علم التفسير، فقد فسر الحلم الأول بأن الساقي سيخرج من السجن ويعاود عمله عند الملك، أما الحلم الثاني فقد فسره بأن الخباز سوف يعاقب ويصلب حتى تأتي الطيور وتأكل رأسه، ثم طلب من الساقي أن يذكره عند الملك عند خروجه، ولكنه نسي ذلك، فبقي يوسف في السجن بضع سنين.

تفسير يوسف لرؤيا الملك

من المراحل المهمة في قصة يوسف عليه السلام، ففي يوم من الأيام رأى الملك حلمًا غريبًا شغل باله وأراد أن يعرف تفسيره، فقد رأى سبع بقرات ضعاف يأكلن سبع بقرات سمان، ورأى أيضًا سبع سنابل خضر وسبع سنابل أخرى يابسات، وطلب من حاشيته أن يفسروه له، وعندها تذكر الفتى الذي كان في السجن يوسف عليه السلام، فذكره أمام الملك وأخبره عن قدرة يوسف على تفسير الأحلام.

طلب الملك من حاشيته أن يسألوا يوسف عن رؤياه، ففسر لهم الرؤيا بأنه ستمر عليهم سبع سنين خير وأمطار ورزق، ونصحهم بأن يحفظوا من هذا الرزق ما يكفي لسنين الجفاف التي سيشهدونها، وبأن عليهم ترك جزء من الحصاد في السنابل حتى لا يفسد، ويأكلوا القليل منه، وأخبر الملك بأنه سيأتي عليهم سبع سنوات جفاف وفقر، فيستهلكون فيها ما اقتصدوه من الرزق والطعام، وستأتي بعدها سبع سنين ينزل عليهم الغيث وتصبح الأرض أكثر خصوبةً ويعصر الناس من الثمار.

خروج يوسف من السجن وتوليه خزائن الأرض ولقائه مع إخوته

عندما سمع الملك بتفسير يوسف، طلب إحضاره إليه، وأكرمه بأن سلمه خزائن الدولة وجعله وزيرًا له، وهذا كان من فضل الله على يوسف بعد صبره ورفضه لمعصية الله تعالى.

وعندما اشتد الفقر على الناس في سنوات القحط، خرج إخوة يوسف إلى مصر بحثًا عن الطعام والمؤونة، في حين لم تعاني مصر من هذا الفقر بسبب حكمة يوسف، وعندما دخل إخوة يوسف عليه لم يعرفوه ولكنه عرفهم، فوضع عليهم شرط أن يحضروا أخيهم بنيامين حتى يمدهم بالمؤونة، فما كان لهم إلا أن عادوا إلى أبيهم ليبعث معهم بنيامين، فرفض يعقوب ذلك خوفًا عليه أن يفقده كما فقد يوسف، وعندما فتشوا أمتعتهم وجدوا فيها المؤن والمال، فألحوا بالطلب من أبيهم بأن يرسل معهم أخاهم ليحصلوا على المزيد من المؤن، فقال لهم كما ذكر في القرآن الكريم:

(قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، آية رقم 64.

وبعد إلحاح الإخوة قبل يعقوب بإرساله، جاء ذلك في قوله تعالى:

(قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ) آية رقم 66

رجع إخوة يوسف إلى مصر، ودخلوا على يوسف برفقة أخيه بنيامين، فأمر يوسف أحد الرعية أن يضع كأس الملك في متاع أخيه بنيامين ليتسنى له إبقاء أخيه بقربه، وعندما حصل إخوة يوسف على المؤن وأرادوا العودة إلى أبيهم، أوقفوهم بتهمة السرقة فنكروا ذلك، فأخبروهم بأنهم سيفتشوا متاعهم، ومن يجدوه سارقًا سيبقى عبدًا عند الملك، وبعد تفتيشهم وجدوا كأس الملك في متاع أخيهم بنيامين، فتركه يوسف عنده بحجة عقابه.

عاد إخوة يوسف إلى أبيهم وأخبروه بما حصل، فلم يصدقهم، وجاء ذلك في قوله تعالى:

(بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)، آية رقم 83

وازداد حزن يعقوب على فقد يوسف وبنيامين، وظل يبكي حتى فقد نظره، وطلب من أولاده أن يعودوا إلى مصر، ويبحثوا عن إخوتهم، فامتثلوا لأمر أبيهم وعادوا إلى مصر.

لقاء الأسرة

دخل إخوة يوسف على أخيهم كما طلب منهم والدهم، وطلبوا منه بأن يتصدق عليهم ويرحم أباهم، جاء ذلك بقوله تعالى:

(يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)، آية رقم 88.

عندها عرف الإخوة أنه أخاهم يوسف، طلبوا منه المغفرة، فأعطاهم قميصه، وطلب أن يلقوه على وجه أبيهم ليرتد له بصره، قال تعالى:

(قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ)، آية رقم 92 ، 93

عاد إخوة يوسف إلى أبيهم، وفعلوا ما أمرهم به يوسف، فارتد بصر يعقوب، وذهبوا جميعًا إلى مصر للقاء يوسف، وعندما رأى يوسف أهله سارع إلى أبويه، وجعلهم بقربه على العرش، فألقي له إخوته ساجدين، فذكر يوسف أباه برؤياه من قبل، وشكر الله تعالى على إصلاحه بينه وبين إخوته، وعلى النعم الكثيرة التي أنعمها عليه، قال تعالى:

(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ، وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) آية رقم 99، 100.

وهكذا نجد أن قصة يوسف عليه السلام تحمل الكثير من العبر، فلولا صبر يوسف عليه السلام لما وصل إلى الملك والحكم، كما أن حسن الظن بالله والتوكل عليه سيؤدي إلى الفرج والحصول على النعم الكثيرة.

[ppc_referral_link]