ما هي اللامفرداتية {ألكسيثيميا}؟
تتعدّد شخصيات الأفراد في عالمنا، فيُمكن مصادفة الإنسان الذي يتمتّع بشخصيةٍ حساسة ومشاعرٍ جياشة بحيث تحسب ألف حساب قبلَ التكلم معه من أجل تجنب إزعاجه أو جرحه في أي كلمةٍ عفويةٍ منك، وعندما تحدث بعض المواقف الصادمة مثل موت أي قريبٍ منهُ نجده في حالة انهيار لا يُمكن السيطرة عليها إلّا بعدَ الدعم الفسي واستشارة الطبيب للمساعدة، ولكن بالمقابل في ذات الموقف المؤلم قد تُلاحظ وجود شخص لا يتفوّه بأي كلمة ولا يُبدي أي ردّة فعل ولا يتأثر حتى أمامَ العامة، وتتحدث معَ نفسك أنهُ إنسان قاسي القلب ولا يملك أي مشاعرٍ للتعبير عنها.
ومنَ الجدير بالذكر، أنَ الإنسان الصامت الذي لا يُمكنهُ التعبير عن مشاعره في الأفراح والأحزان، يعتبره البعض أنهُ لا يشعر بشيء ولا يهتم وغير مبالي، ولكن على العكس من ذلك فهيَ مرض يُصيب الإنسان ويُسمى {ألكسيثيميا} بحيث يُؤثر على الذكور بنسبة أكبر منَ الإناث ويعني نقص في الانسجام العاطفي وفقدان القدرة على تحديد المشاعر لديه أو حتى للآخرين من حوله والتعبير عنها، ولذلك ما هي اللامفرداتية {ألكسيثيميا}؟ وما هيَ أعراضها؟ أسبابها؟ وطرق علاجها؟
ما المقصود باللامفرداتية {ألكسيثيميا}؟
قد يعتقد البعض أنَ الأفراد المُصابين بهذا المرض لا يملكون المشاعر وقساة القلب على أنفسهم وعلى من حولهم، ولكن للأسف إنهم بشر مثلهم مثلنا ويملكون مشاعر وأحاسيس تُشبه مشاعرنا ولكنهم لا يستطيعون البوح بها أو التعبير عن ما بداخلهم في أي موقفٍ يتعرّضون لهُ، فنجد أنهم ثابتين وغير مبالين وبداخلهم مشاعر جياشة وحساسين جداً ولكن ضعف الشخصية لديهم يجعلهم في حالة من ضعف التعبير عن مشاعرهم أو فهم مشاعر الآخرين من حولهم والتفاعل معها.
ونوّد الإشارة، أنها عبارة عن ظاهرةٍ نفسية أكثر من كونها مرض، فالإنسان المُصاب بها طبيعي إلى حدٍ كبير ولا يُعاني من شيء إلّا بفقدان عواطفه في المواقف الصعبة فحتى لو تعرّضَ أحد والديه لحادث أو لوفاة نجد أنهُ لا يُعبّر عن حزنه عليهم أمامَ العامة، وحتى لو كانت شريكته تُعاني من آلامٍ نفسية وتتحدث لهُ عنها لا يتعاطف معها ولا يُمكنهُ فهم أحاسيسها أو استقراء مشاعرها.
ومن هنا يفقد الإنسان المُصاب أغلب علاقاته الاجتماعية ويُصبح أكثر وحدة وانعزال عن الآخرين، لأنَ طبيعة البشر لا يفهمون الشخص الفاقد لمشاعره إلّا أنهُ قاسٍ ويجب علاجه، ولذلك يُحاول التهرّب منَ الأماكن الاجتماعية وأحياناً يُصاب بالاكتئاب الذي يُؤدي لتدهور حالته.
علاوة على ذلك، تمَ اكتشاف هذه الظاهرة النفسية من قِبَل {بيتر سيفنيوس} وهوَ عالِم نفسي يعمل ضمنَ جامعة هارفارد وأطلقَ عليها بالأكسيثميا التي تعني باللغة اليونانية {نقص العواطف}، وتمَ رصد أول حالة في السبعينيات.
ما هيَ أعراض اللامفرداتية {ألكسيثيميا}؟
قد تظهر على الفرد المُصاب بهذه الظاهرة بعض الأعراض التي يُمكن ملاحظتها عليه من أجل مراعاته أكثر، وتتمثل في:
- عدم القدرة على إيصال المشاعر الداخلية لهُ للآخرين من حوله.
- الجديّة في التعامل معَ الأفراد.
- عدم الانخراط بالآخرين والانعزال.
- إيجاد صعوبة في استقراء المشاعر لأي فردٍ يُصادفه.
- تدني العلاقات الاجتماعية بسبب سوء الفهم.
- تراجع الخيال عندَ الفرد المُصاب على عكس الأفراد الطبيعيين، فيميل للواقعية أكثر.
- البرود في العلاقة الزوجية وكثرة المشاكل.
- الشعور بالأرق الدائم.
ما هيَ أسباب الإصابة باللامفرداتية {ألكسيثيميا}؟
بالرغم من إصابة عدّة أشخاص حولَ العالم بهذه الظاهرة النفسية، إلّا أنَ الخبراء والأطباء لم يكشفوا النقاب بعد عن سببٍ محددٍ لها، بل توجد عدّة عوامل منَ المُمكن أن تُؤثر على الإنسان وتُؤدي لإصابته بها، وتتمثل في:
- العوامل الخارجية: منَ المُمكن أن يكون الطفل في صغره قد تعرّضَ لصدماتٍ نفسية متتالية مثل وفاة والدته وزواج والده من امرأةٍ قاسية والتعرّض للتعنيف أو ما شابه، وصدمة متتالية وراءَ صدمة جعلت الطفل في حالةٍ من فقدان المشاعر تجاهَ أي شيء، فأي موقفٍ يحدث أمامه مهما كانَ قاسٍ ومؤلم لن يستطيع تحريك مشاعره بسبب الأذى الذي واجههُ في الطفولة.
- إصابة الدماغ: بحسب بعض الدراسات أنَ دماغ الإنسان المُصاب باللامفرداتية قد تعرّضَ لإصابةٍ في الجزيرة الأمامية من منطقة الدماغ، ممّا أثرَ على عمل العواطف لديه بشكلٍ طبيعي أو بسبب وجود خلل في نقل العواطف من جانب الدماغ الأيمن إلى الجانب الأيسر.
- الاضطراب النفسي: أحياناً المُصابين ببعض الأمراض أو الاضطرابات النفسية مثل {الشيزوفرينيا، انفصام الشخصية، التوحد} قد يُصاب أحياناً بهذه الظاهرة التي تُؤثر عليه سلباً.
- الوراثة: أيضاً منَ العوامل المؤدية للإصابة باللامفرداتية فإذا كانت الأم أو أحد أفراد العائلة يُعاني من هذه الظاهرة، فيوجد احتمال كبير أن تنتقل إليك عن طريق الوراثة.
ما هي طرق علاج اللامفرداتية {ألكسيثيميا}؟
بالرغم من أنَ علاج هذه الظاهرة أمر ليسَ بالمستحيل، إلّا أنهُ يحتاج للدعم النفسي والأسري بشكلٍ كبير، فإذا كانَ ابنك أو شريك حياتك يُعاني منها عليكَ إبراز الوعي العاطفي لديه والمساهمة في تقويته من خلال:
- الفنون: يُمكنكَ تسجيله في أي مكانٍ يُسهم في عرض الفنون التعبيرية لديه ويُؤدي لاختلاطه بالآخرين والانسجام معهم، ويُفضّل أن تكون بجانبه في كل لحظة سواءً في تعلم الموسيقى أو تعلم الرقص، فهذه الطريقة ستُساعد في إبراز مشاعره الداخلية والتعرّف على مشاعر الآخرين من حوله.
- التدريب الذهني المعرفي: يجب أن يعمل المختص على إدارة فهم العواطف عندَ المُصاب وكيفية التعرّف على مشاعر الأفراد من حوله والانخراط بها، وكيفية تحديد مشاعره الداخلية والتعبير عنها ويأتي ذلك من خلال عدّة تدريباتٍ متواصلة للذهن.
- الكتابة: يُمكن للمعالج أن يطلب منَ المُصاب تدوين جميع تفاصيله الحياتية التي تحدث خلالَ يومه، وأثناءَ تدوينها قبلَ النوم سيتعرّف الفرد على المشاعر السعيدة لديه والحزينة والقدرة على التفريق بينهما أكثر.
يُمكن تشخيص هذه الظاهرة النفسية من قِبَل الأطباء عن طريق استبيان بيرموند فورست الذي يهدف إلى التعرّف على التخيلات في عقل الفرد والتحليل والتعابير العاطفية لديه واللفظية أو من خلال مقياس المراقب الذي يشمل 33 عنصراً أو من خلال مقياس تورنتو الذي يُساعد في فهم مشاعر الإنسان المُصاب ومساعدته على إيصال مشاعره لمن حوله.
إنَ ظاهرة اللامفرداتية قد تُصيب أي إنسانٍ منّا، ولذلك إذا صادفتَ في يومٍ ما إنسان تشعر بأنهُ خالٍ منَ الأحاسيس والمشاعر ومظهره يُوحي باللامبالاة، فحاول مساعدته والتقرّب منه لفهمه أكثر بدلاً من إلقاء الكلمات الجارحة عليه مثل {أنتَ بارد، لا تملك مشاعر، لستَ إنساناً} لأنها تُؤثر عليهِ وتُساعد على ازدياد حالته وتفاقمها.
{{نأمل أن يعجبكم المقال أيها الرائعون}}.