مدام سالي ستانفورد
أولًا وقبل القراءة أرجو أن تعذروني على بعض الكلمات الواردة في المقال، حاولت التخفيف منها قدر الإمكان ولكن كان لا بد من بعضها لشرح الواقع.
من هي المدام سالي ستانفورد التي نشأت الأمم المتحدة في منزلها؟
كتب المؤرخ الأمريكي الشهير المؤرخ “هيرب كاين” كتب قائلًا: “الأمم المتحدة نشأت في بيت دعارة سالي ستانفورد، الكثير من المفاوضين كانوا من زبائنها”.
وبحسب هذا المؤرخ فإن هؤلاء الزبائن المهمين عقدوا العديد من اجتماعاتهم في غرفة معيشة الماخور، وهذه الاجتماعات هي التي تمخضت بالنهاية عن ولادة منظمة الأمم المتحدة.
نشأت الأمم المتحدة في بيت المدام سالي ستانفورد فكانوا يتفاوضون وقتها على أمن العالم أثناء ممارسة الجنس وإحتساء الخمر حتى أن الكثير من أعضاء الأمم المتحدة كانوا من زبائن مدام سالي ستانفورد
لنتعرف على أشهر صاحبة بيت دعارة عرفها التاريخ البشري والمشهورة لدرجة أنه من المعروف أن الكثير من مفاوضات الأمم المتحدة كانت تتم في بيتها.
سالي ستانفورد ولدت عام 1903، في بلدة باكر بمقاطعة سان برناردينو، أسمها الحقيقي “مابل جانيس باسبي”، كانت أمها معلمة، ومات والدها وهي صغيرة فاضطرت لترك دراستها والعمل لمساعدة عائلتها المتكونة من ثلاثة أخوة وشقيقة واحدة.
في سن السابعة عملت كمرافقة للاعبي الجولف، تجمع الكرات وتحمل المضارب، وفي سن السادسة عشر تعرفت على رجل أوهمها بأنه يحبها وأستغلها من اجل أن تساعده في تصريف مجموعة من الشيكات المسروقة، فألقي القبض عليها وسجنت سنتان. في السجن تعلمت مهنة تهريب الكحول، إذ كانت مهنة مزدهرة في تلك الفترة التي شهدت تحريم الكحول في الولايات المتحدة. وعن طريق التهريب جمعت سالي مبلغًا طيبًا استثمرته في شراء فندق صغير في سان فرانسيسكو عام 1924، ومن هناك انطلقت مهنتها كصاحبة ماخوروهي لم تزل شابة في الرابعة والعشرين.
مدام ستانفورد لم تكن جميلة ولكنها كانت تتمتع بذكاء خارق كانت تعلم أن بضاعتها لن تكون كافية فبدأت تجند الفتيات وكانت تختارهن على أعلى قدر من الجمال والأناقة والنظافة وكانت لديها مُصففة شعر مخصصة فقط لتزيين الفتيات للزبائن ونتيجة لجودة بضاعتها من الجميلات لقد كانت تدير واحدًا من أرقى وأفخر المواخير في أمريكا، وكان يعمل عندها بعض أجمل وأرق وأذكى الفتيات وأكثرهن أناقة على مستوى العالم.
لا عجب بعد ذلك أن يتقاطر المشاهير من كل حدب وصوب على ماخورها، أو بالأحرى قصرها المنيف الذي يقع في أحد الشوارع الراقية لمدينة سان فرانسيسكو. وذاع صيتها وبدأ المشاهير من أوساط الطبقة الأرستقراطية يتوافدون عليها، فقائمة الزوار كانت تشمل سياسيين وموظفين حكوميين كبار وفنانين وأقطاب الصناعة والتجارة وضباط جيش وشرطة وسفراء ووزراء أجانب وحتى أمراء وملوك ..
في كل ليلة كانت هناك سهرة صاخبة وباذخة وماجنة، رقص وخمر وغناء، حتى أن بعض الزوار كانوا يجلبون زوجاتهم معهم. وكانت تلك السهرات تنتهي دومًا إلى حجرات النوم الكثيرة المبثوثة في أرجاء المبنى.
وكان عندها جناح للخواص يرتاده بعض الملوك وكبار الساسة وأيضًا قامت بإدخال خدمة توصيل الطلبات للمنازل (نعم خدمة توصيل)، فبعض المشاهير كانوا يتحرجون من القدوم للماخور بأنفسهم، لذا كانت السيدة ستانفورد ترسل فتياتها إلى الغرف والأجنحة التي يحجزونها سرًا في الفنادق الراقية بعيدًا عن أعين المتطفلين والفضوليين.
أحيانًا كانت السيدة ستانفورد تقدم فتياتها مجانًا، وهو أمر يفعله معظم العاملين بالمهنة حول العالم، لإغواء الموظفين الحكوميين ورجالات الشرطة والأمن، وذلك لكي يغضوا الطرف عن ما يجري داخل الماخور، فالدعارة ممنوعة قانونًا في معظم دول العالم.
عام 1945 جاءتها فرصة الإنطلاق للعالمية ففي مدينة سان فرانسيسكو إجتمع ممثلين عن 50 دولة تناقشوا حول الكثير من القضايا وهذه كانت البذرة التي قادتهم لما يعرف الآن بالامم المتحدة وكانت المفاجأة أن جزء كبيرًا من هذه الإجتماعات كانت تتم في بيت مدام ستانفورد.
وهذا الذي ذكرته في مذكراتها وهذه ترجمة لكلماتها، “في ربيع عام 1945 كان مفاوضي الأمم المتحدة بأعداد كبيرة في سان فرانسيسكو. كانت دور الضيافة المجتمعية البارزة في سباق محموم مع بعضها للفوز بأكبر حصة من صلصة التوابل والبهار الأجنبية التي أوحت بها هذه الواردات. كان هناك مرح، أسمحوا لي أن أقول لكم!.
متى ما قام الرقيب داير بغارة على الماخور أثناء مكوثهم معي كنت أدعي الحصانة الدبلوماسية، كنت أنا الذي أقبض عليه، امسك به كرهينة أو أسير حرب أو شيء من هذا القبيل. الدبلوماسيين الأجانب رفهوا عن أنفسهم بالكثير مما كنا نقدمه، بما في ذلك رياضة الفراش. لا بل أن البعض منهم أمضى وقتًا أطول في غمس فتيله بريش فراشنا مما أمضاه في التفكير بمسألة الأمم المتحدة، حتى أن البعض منهم لم يبارحوا منزلي أبدًا طوال فترة المفاوضات!.
وبما أن هؤلاء الصبية كانوا في غاية الأهمية بالنسبة لوزارة الخارجية، لذا فقد عملنا بجهد وبأوقات إضافية من أجل إبقاء العلاقات الدولية على أحسن ما يرام”.
في عام 1967 قامت بفعل شيء يليق بصاحبة مهنة مُحترفة ولعل سالي ستانفورد أرادت أن تكشف بنفسها عن حقيقة الوجه الفاسد للسياسة فاقتحمت فجأة مؤتمرًا سياسيًا حاشدًا كان من بين حضوره بعض كبار رجالات السياسة والدولة، مثل ادوارد كنيدي، الشقيق الأصغر للرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي.
السيدة ستانفورد ألقت التحية على الجميع ثم اعتلت المنصة وأمسكت الميكرفون، تطلعت لبرهة في الوجوه التي امتقعت لرؤيتها، ثم انطلقت بلا هوادة تتلو أسماء زبائنها من بين الحضور، تشير إليهم بأصبعها، تجندلهم واحدًا بعد الآخر كأنما تحمل مدفعًا رشاشًا، وما هي إلا دقائق حتى أنقلب الحفل رأسًا على عقب وتعالت الصرخات من كل مكان.
كانت فضيحة مدوية، أتضح أن معظم الحضور كانوا من زبائن سالي ستانفورد، حتى أولئك الذين ما فتئوا يصدعون رؤوس الناس بحديثهم المتواصل عن النزاهة والشرف. حتى حضر الأمن وألقى بها من على المنصة وكانت من أشهر الفضائح المدوية آنذاك.
وبرغم أن سالي لم تكن امرأة جميلة، لكن كانت ذات شخصية ساحرة، لذا لم تعدم عشاقًا هاموا بحبها. تزوجت خمس مرات، لكنها لم تنجب، وتبنت طفلين، ولد وبنت، قالا لاحقًا حين كبرا أن أمهما، سالي ستانفورد، كانت أمًا رائعة، في غاية الحنان والحرص على مستقبل أطفالها، أدخلتهما أفضل وأرقى المدارس، وعملت كل ما في وسعها ليبقيا بعيدًا عن كل ما يتصل بمجال عملها.
سالي تقاعدت في الخمسينات. وافتتحت مطعمًا في مدينة ساوساليتو بكاليفورنيا وركزت اهتمامها على مسائل المساواة والحقوق المدنية. أحبها سكان المدينة كثيرًا، حتى أنهم انتخبوها عمدتهم عام 1972. وتوفيت عام 1983 عن عمر يناهز 78 عامًا.
والطريف في الأمر أن الأهالي أقاموا لها – سبيل – نافورة مياه في مدينتها الأم Sausalito بولاية كاليفورنيا تخليدًا لذكراها، وتم عمل فيلم يحكي قصتها في السبعينات بعنوان ” The lady Of The House”…
لذلك حين تسمعون عبارات مثل: مجتمع دولي ـ شرعية دولية ـ نظام عالمي ـ ميثاق أمم، تذكروا بيت دعارة (سالي ستانفورد).
إقرأ أيضًا: هدى شعراوي – صفحات من التاريخ – الصفحة السادسة عشرة