ولا ألف ليلة وليلة – الليلة التاسعة عشرة

[faharasbio]

ولا ألف ليلة وليلة – الليلة التاسعة عشرة

ضمن سلسلة قصص ولا ألف ليلة وليلة بالاشتراك مع الأديبة المصرية ربا أحمد

كانت شهرزاد تجلس مطرقة الرأس أمام
ملكها . . تخشى عقابًا منه على هروبها في الليلة
الفائتة
. وفجأة أتاها صوته وعلى إكمال الحكاية يحثها؛
فنظرت إليه غير مدركة . . لكنه لم يمهلها فقد أمرها:

أكملي يا شهرزاد الحكاية ولا تختبري صبري . . إبدأي
الآن فأنا أخشى عليك من غضبي.

وبتلعثم بدأت الحروف من بين شفتيها تنطلق . . وأخذ
الحديث يأخذ مجراه كما اتفق …!

بلغني أيها الملك السعيد . . ذو الرأي الرشيد ..

أنه قد توصل الجمع المحتشد بعد مشاورات إلى أن
يتم تنفيذ الخطة التي اتفقوا عليها سابقًا، حيث أمر
الشاطر حسن رجاله باصطياد سمكة ضخمة، تتسع
لوضع رجل بداخلها، وقد مر يومان ولم يوفقوا في
اصطياد السمكة المطلوبة، وكان نوران طوال فترة
انتظار الصيد واجمًا صامتًا لا يكاد يتكلم إلا فيما ندر

وسمع الشاطر حسن بعض الرجال يتهامسون فيما
بينهم بأن نوران قد أخذته الرهبة وعصف بقلبه الخوف
مما هو مقدم عليه من مغامرة، وجاء زهير إلى الشاطر
حسن يبلغه بأن همام مختف منذ يومين ولم يره،
فطمأنه الشاطر حسن بأنه قد أرسله في مهمة سرية
وسيعود منها بعد عدة أيام.

وبعد عناء ومجهودات مضنية، تعالى صياح البحارة
حيث عثروا على صيدهم المطلوب، سمكة كبيرة
جدًا. شرع الرجال على الفور بتنظيف أحشائها لتتسع
لنوران بداخلها.

كان نوران ينظر إلى الرجال وهم يعملون بجد صامتًا
صمتًا ماله حد. كان قلبه يضطرب بداخل صدره، وأفكاره
تتناوشه ترى هل ستكون نهايته بداخل هذه
السمكة؟ . . هل ستكون سريرًا له ثم تابوتًا؟ . . هل سيذهب
في رحلته تلك إلى الموت؟

أنهى الرجال تجهيز السمكة، وتفحصها الشاطر
حسن جيدًا، ثم سار ببطء وتؤدة باتجاه نوران لتلتمع
عيناه وهو يقول بصوت خافت: السمكة جاهزة أيها
الأمير نوران . . سنقوم بسحبها إلى جزيرة النسر القريبة
منا . . وبعدها ستقوم أنت بالدخول إلى داخلها وننتظر
ريثما يأتي النسر الذهبي لأخذها.

هز نوران رأسه بدون أن ينبس ببنت شفة وكأنه في
عالم أخر . . أو كأنه بالفعل ذاهب إلى الموت.

ربت الشاطر حسن على كتفه قائلًا: كن شجاعًا
يا نوران وبإذن الله ستعود لنا سالمًا . . اذكر الله كثيرًا
يا نوران . . واستغفره كثيرًا عسى أن يغفر لك ذنوبك.

تم سحب السمكة بالفعل وبعدها تم ادخال نوران إلى
داخلها، وللأمان أكثر تم ربط السمكة بسيور جلدية حتى
لا يسقط نوران منها أثناء طيران النسر وتحليقه
بها . .

وما هي إلا ساعة من الزمن حتى كان النسر
الذهبي يحلق عاليًا فوق رؤوسهم؛ فاختبأوا جميعًا قبل
أن ينقض من عليائه على فريسته، وكلما ازداد قربًا
كلما رأوا كم هو ضخم وعملاق، فلما وصل إلى السمكة
غرز مخالبه فيها فغاصت عميقًا من في بدنها حدتها،
واقتلع السمكة وطار بها عاليًا وكأنه يحمل سمكة
صغيرة بكل سهولة ..

أخذ الجميع يراقبون النسر وهو يبتعد بالسمكة
وبداخلها نوران، ويتمتمون له بالدعاء ويتمنون له
السلامة والنجاة، وأن تكلل مهمته بالنجاح ولم يخل
الأمر من بعض ضحكات تشف وحقد من بعضهم.

ثلاثة أيام قد مرت ولا أخبار فيها عن نوران، سواء
بالخير أو الشر. وكان الشاطر حسن يذرع الشاطئ ذهابًا
وإيابًا مترقبًا متوجسًا متحسسًا أية أخبار، ولكنه لم
يظفر بما يطفئ عطشه ويشفي غليله، حتى اتخذ قراره
الخطير.

قرر حسن أن يفعل كما فعل نوران، وأن يأمر الرجال
باصطياد سمكة كبيرة يدخل بداخلها، يختطفها النسر
ويطير بها إلى وكره، فيعرف الخبر.

اجتمع الشاطر حسن ببحارته وأبلغهم بقراره، تعالت
أصوات الجميع غاضبة مستنكرة لهذا القرار المفاجئ،
فرفع الشاطر حسن يديه في الهواء ليسكت الجميع
قائلًا:

كنت قد أقسمت بالمحافظة على حياة الأمير
نوران، ولا قدرة لدي للعودة إلى الملك النعمان لأخبره
أنني قد أسلمت ولده الوحيد للموت ولم أستطع حمايته
أو إبعاد شبح الموت عنه، ولابد لي على الأقل أن أعرف
ماذا حل به.

كثر اللغط والجدل بين البحارة مستنكرين، ولم يكن
يخل الأمر من بعض ضحكات تشف واستهزاء يطلقها
زهير . . فالأمر بالنسبة له يسير على ما يرام، فقد
تخلصوا من نوران وها هو حسن في طريقه للحاق به
وقد تكللت خطتهم بنجاح كبير وليته يعلم أين ذهب همام
ليزف إليه ما ينتظر الشاطر حسن من مصير.

مضى وقت لا بأس به وهم يحاولون اصطياد سمكة
ضخمة تتسع لاخفاء الشاطر حسن بداخلها، حتى عثروا
على بغيتهم والتفوا حولها يعالجونها بسكاكينهم الحادة
حتى تم تنظيف كامل أحشائها وأصبحت جاهزة لاستقبال
جسد الشاطر حسن، ثم قاموا بعد ذلك بسحبها إلى
جزيرة النسر الذهبي.

ودعهم الشاطر حسن بعد أن أمر عليهم الربان سيف
الدين رفيقه لسنوات ونائبه في البحر، وأمرهم بالسمع
له والطاعة وأن لا يخالفوا له أمر. .

ومرت الساعات الأخيرة من النهار، وها هو حسن
القبطان يسير نحو مصيره المجهول بخطى متثاقلة حتى
انتهى به الأمر داخل السمكة.

وكما فعلوا سابقًا قاموا بربطه بسيور جلدية كما
فعلوا مع نوران وانفضوا من حوله يترقبون.

وما هي إلا لحظات حتى كان العملاق الذهبي ينقض
على فريسته فيغرز مخالبه فيها ويقتلعها من مكانها
ويطير بها مبتعدًا بها كأنه يحمل ريشة.

ظلوا يتابعونه بأعينهم حتى غاب عن ناظرهم ولم يعد
بالإمكان رؤيته، فعادوا إلى كهفهم يترقبون ماتسفر عنه
الأحداث.

في تلك الأثناء كانت مارية تتابع كل هذه الأحداث عن
كثب عبر بلورتها السحرية، فقامت بإبلاغ شعلان
الوزير، بأن غريميه قد ذهبا في رحلة اللاعودة، ففرك
كفيه بسعادة وكاد من فرحه يطير، وأصبح يتصرف في
القصر كانه سيده الأوحد، وكأنه ليس له في الورى من
نظير ..!

مولاااي .. . الديك صاح . . والفجر قد لاح . . ولابد أن
أسكت عن الكلام المباح.

نظرة إليها شهريار نظرة متوعدة . . فقد هربت منه
بالأمس إلى أرجوحتها غير مترددة . . وفي قانونه هذا
جرم كبير ولكن عقابها الآن فكرة مستبعدة . . لابد أن
تكمل له الحكاية . . وبعدها سيكون لدلالها الزائد عنده
نهاية …!

إقرأ أيضًا: الليلة الأولى من كتاب ولا ألف ليلة وليلة

[ppc_referral_link]