ولا ألف ليلة وليلة – الليلة التاسعة

[faharasbio]

قصص ولا ألف ليلة وليلة – الليلة التاسعة

ضمن سلسلة قصص ولا ألف ليلة وليلة بالاشتراك مع الأديبة المصرية ربا أحمد

ظلا ينظران إلى بعضهما البعض هي تحاول كتم
ابتسامتها، وهو يحاول كبت غضبه، ولكن حين رأى أن
الأمر قد طال.. وذبحها سيكون الليلة لا محال.. زفر بقوة
ثم قال:

هل ستمضي الليلة وأنت صامتة مبتسمة؟!

أنا؟.. بالطبع لا.. فقد حان وقت الحكاية.

وبما أنه قد حان وقت الحكاية.. لمَ لا تبدأين بالرواية؟!

تعلم بأنه الآن يكظم غيظه، وأنها بصمتها تتسبب في
غضبه، وإن لم تتحدث في الحال فربما فقد صبره…! ابتلعت ريقها حين سرحت بأفكارها، وعلى الفور
تحسست رقبتها وأجلت صوتها:

بلغني أيها الملك السعيد.. ذو الرأي الرشيد أنه مع
غروب شمس أول يوم لهم على الجزيرة، كان نوران
يخطو تجاه البحر ليستقر على أحد الصخور وهو يتأمل
الأمواج المتلاطمة، والسماء التي زينتها النجوم
المتلألئة؛ فعاوده حلمه الذي رآه في أول ليلة في
السفينة..

تلك الحورية التي ظهرت له في الحلم مازالت
ملامحها محفورة في ذاكرته..! ابتسم وهو يلقي بحجر أخر في المياه متمتمًا بسخرية:
تُرى هل ستكون نهايتك على تلك الجزيرة مثل من
سبقوك إليها يا نوران؟

تمتم بذلك وهو يتخيل ماذا سيحدث لوالده وابنة عمه إذا
حدث له أي مكروه.. ووسط أفكاره المتلاحقة.. سمع
صوت حركة خفيفة جعلته ينتصب واقفًا وقد اتخذ وضع
الاستعداد لمواجهة خطر ما متذكرًا تحذيرات القبطان
حسن المتكررة من مخاطر الجزيرة والتي لم يأبه بها
وأصر على الجلوس وحده عند البحر..!

تحرك نوران ببطء وحذر تجاه مصدر الصوت.. وكفيه
تقبضان على سيفه استعدادًا للمواجهة. وبلحظة واحدة
كان بمواجهة خطره المنتظر.. ويا له من خطر رهيب..! واجه نوران تلك الحورية.. وكأنها خرجت له من
الحلم.. هي نفسها.. نفس الملامح التي حفظها عن ظهر
قلب.!

فتاة غاية في الجمال والرقة.. جمالها ليس كأي جمال، بل
هو جمال خاص.. لا يمت بصلة لبني الإنسان..!

من أنتِ؟ ! صرخة متفاجئة من تلك الفتاة جعلته يبتسم وهو يعاود
سؤالها فهتفت بجرأة جعلته يستغرب: ما شأنك أنت
وكيف وصلت إلى جزيرتي؟ !

رفع نوران أحد حاجبيه قائلًا بسخرية: جزيرتك؟!

نعم، جزيرتي التي أهداها لي والدي في ذكرى ميلادي
التاسع والتسعون بعد المائة.

وكان رد نوران عليها ضحكة مجلجلة جعلتها تتمكن من
تأمل قسماته فتبتسم وتلمع برأسها فكرة جهنمية ستقلب
بها عالم جني ما.!

أمجنونة أنت يا فتاة؟!..هل أوشك عمرك على المائتي عام؟!؟

نعم، وما الغريب في ذلك… اااه.. أنت بالتأكيد إنسي.. لذا
تجهل بأعمار الجن.

الجن!!!

نعم، الجن… ألم تسمع بهم من قبل؟!…

صمت وهو يتأملها وقد تلاشت ضحكته التي انتهت
بابتسامة تلاشت هي الأخرى بعد أن تحطم حلمه الذي
بالكاد بدأ يبنيه ثم سألها متشككًا: ولكن كيف تكونين
جنية وأنا أراك أمامي هكذا؟!.. يا فتاة أنت كاذبة.. فنحن
لسنا مخولين لرؤية الجن.. هم يروننا ولكننا لا
نستطيع.. هكذا خلقنا الله وخلقهم .

اسمع يا إنسي.. لو لم أشعر تجاهك بأمر ما.. لكنت
أحرقت جسدك.. ونثرت رفاتك على كل شبر في جزيرتي..

يالكرم أخلاقك الفريد..! وما هو الأمر الذي تشعرين به
تجاهي؟! قال كلماته بابتسامة متسلية فأثار غضبها لينطلق
لسانها:

أنا الأميرة مرجانة.. ابنة الملك مرجان.. ملك
ملوك الجان.. والحاكم الأوحد على البحار السبع.

ماذا؟!.. سألها.. وقد كان يتأمل جمالها.. وأيقن بأنه جمال
غريب على بني البشر فأعادت على مسامعه ما قالته
للمرة الثانية وأضافت:

رؤيتك لي بسبب أنني أخذت
خصائص الإنس.. لذا يجري علي ما يجري
عليهم.. نظرت إليه متفحصة ثم رفعت رأسها بشموخ
وقالت: أمور معقدة لا يفهمها عقلك الصغير.

الصغير؟!! قالها وقد عاوده الابتسام فعاجلته بالسؤال:

والآن دورك كي تقول لي من أنت.. وكيف وصلت إلى هنا
واقتحمت خصوصياتي.

وهنا بهدوء كانت ضحكته.. رغم حالة الإحباط التي
انتابته.. وأجابها: أنا الأمير نوران.. ابن الملك
نعمان.. حاكم بلاد الشرق.

نوران؟.. اسم لا بأس به.. أكمل.. كيف أتيت إلى هنا؟!.. ألا
تعلم أن من يأت إلى هنا يكون مصيره الموت؟!!

نظر إليها نوران مليًا قبل أن يبدأ في سرد قصته على
مسامعها وكأنه بذلك قد وجد ضالته.. مؤنس
لوحدته.. وصورة جميلة لحلم مازال يريد أن يعيشه واقع.

وبعد وقت ليس بالقليل.. تنهدت مرجانة وقالت: لقد
كسرت قلبها.. من الواضح أن كسر القلوب عامل مشترك
بين ذكور بني الإنس والجن..!

استغرب نوران من قولها وكان على وشك سؤالها عن
سبب قولها ذلك لكن أسكته بريق كاد أن يخطف بصره
انبعث من قدميها وجعلها تركض بإتجاه البحر فوجد
نفسه يركض خلفها وهو يرجوها أن تبقى معه لكن حدث
أمر رهيب جعل عينيه تتسعان…!

مولاااي… الفجر لاح.. والديك صاح.

قالتها شهرزاد بنعاس فصرخ شهريار:

لا تتوقفي الآن.. وأكملي في الحال.

فتحت عينيها باتساع ثم لمع بريق عتب فصمت وقد لمح
بعينيها التعب وفجأة.. سقط رأسها على كتفها وعلى
الفور كانت تغط في نومها..!

هنا تأمل شهريار محياها الرقيق ثم قال وهو يصر على
أسنانه بغضب عميق:

يالك من طفلة أيتها المرأة!!

إقرأ أيضًا: الليلة الأولى من كتاب ولا ألف ليلة وليلة

[ppc_referral_link]