ولا ألف ليلة وليلة – الليلة الثامنة والعشرون

ولا ألف ليلة وليلة
شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

ولا ألف ليلة وليلة – الليلة الثامنة والعشرون

ضمن سلسلة قصص ولا ألف ليلة وليلة بالاشتراك مع الأديبة المصرية ربا أحمد

دخل شهريار إلى القاعة وكانت شهرزاد ساهمة غير
منتبهة لوجوده، كانت تسرح بأفكارها بعيدًا فتبتسم،
وكان يرقبها من طرف خفي، وحين يرى ابتسامتها
تشتعل في صدره نيران الوجد، حتى انتبهت لوجوده
أخيرًا فانتفضت من مكانها مرتعدة معتذرة، أمسك بيدها
ووضع راحتها بين راحتيه قائلًا بحنان:

أين كنت تهيمين بأفكارك أيتها الملكة؟ ألا تعلمين أنه من غير المسموح
أن تغادر أفكارك القصر؟

ومن قال أنها غادرت القصر يامولاي؟ أفكاري فقط
مع صاحب القصر ولصاحب القصر، كنت أفكر بمفاجأتك
الجميلة لي أمس وتحقيق أمنيتي التي لطالما تمنيتها.

داعب وجهها بحنان قائلًا:

تستحقين ذلك وأكثر.
والآن ياشهرزاد أكملي لي الحكاية فأنا بشوق لها
منذ البارحة لأعرف سر هذه المرأة.

ابتسمت بدلال لتقول:

أمر مولاي
بلغني أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد أنه:
تشبثت المرأة بذراع حسن وهي ذاهلة تتمتم وتهذي

هل يعقل هذا؟ كن بي رحيمًا يا إلهي، لا أكاد أصدق
ما أرى، ترى هل هو حلم أم علم؟

كان الشاطر حسن ينظر إليها ويقول: هل جننت يا
امرأة؟ ما بالك تهذين؟

أشارت بأصابع مرتعدة إلى ذراع حسن، من أين لك
بهذا الوشم ومن الذي صنعه لك؟

كان الوشم لأربعة دلافين صغيرة صنعت من
أجسامها دائرة تحيط سمكة قرش أنيابها بارزة.

هذا الوشم صنعه لي والدي
زاد تشبثها بذراعه وهو مستغرب الأمر

وهل صنعه لغيرك؟ أم لك أنت فقط؟

وما شأنك أنت يا امرأة؟

أرجوك أجبني وترفق بي.

قال حسن بامتعاض ونفاذ صبر: لقد صنعه لي
ولأخي حسين ولأختانا أيضًا.

جذب الحوار حسين فاقترب منهما وكان يحس أن
وراء الحديث ما وراءه.

شهقت المرأة بالبكاء ولشدة دهشتهما مدت يدها إلى
وجه حسن تتحسسه قائلة: أنت إذا هو حسن

فغر حسن فاه بدهشة وتحفز حسين وقد بدأ يستوعب
الموقف تدريجيًا وبدأت سحب الدموع تتجمع في عينيه،
ولم يتمالكوا أنفسهم حين شمرت المرأة عن ذراعها

ليظهر عليه نفس الوشم، وقالت من بين دموعها هذا
صنعه لي أبي أيضًا يا أخواي العزيزان أنا الدولفين
الثاني من بين مجموعة الدلافين، أنا أختكما زمردة وها
قد من الله علي برؤيتكما واستجاب لدعائي.

احتضنوا بعضهم البعض واختلطت دموع الأسى
والفرحة في المآقي، وكان القرصان يرقب هذا المشهد
أمامه بعينين دامعتين،فأشارت إليه قائلة: وهذا ولدي
وفلذة كبدي حسان، ويبدو أنه قد ورث الشجاعة والعناد
عن أخواله.

نظرا إلى أختهما وطلبا الاختلاء بها جانبًا وطلبا منها
أن تقص عليهما الحكاية كلها.

بدأت تقص عليهما القصة منذ لحظة خطفها وياقوت
أختها معها وكيف سارت بهم السفينة لعدة أيام في
البحر، في أجواء عاصفة جدًا، وقد أصيبت ياقوت
بالحمى ولم تحتمل ما واجهوه من أهوال، فأسلمت
الروح بعد أيام ثلاث كانت تناجي فيها أمها وأبيها
وتخبرهما أنها قادمة إليهما

صمتت زمردة هنيهة
لتمسح دمعة سالت على خدها كان بطن البحر مأواها
ولم تدفن على الأرض.

مرت السنين وكنت أعمل كخادمة لديهم وطباخة
لطعامهم، وكم تعرضت للضرب والمهانة والتنكيل
منهم، حتى كبرت ونضجت وظهرت معالم الأنوثة علي،
وصرت مطمعًا للرجال وأصبح الحال لا يطاق، حتى سخر
الله لي رجلًا منهم، قرصانًا مثلهم، رق قلبه لي ولطالما
دافع عني وحماني منهم، ولم يحاول في أي مرة أن
يسئ لي ولو حتى بكلمة.

ولكي يقطع دابر كل طامع طلبني للزواج منه، وافقت
وللحقيقة لم يكن أمامي سوى الموافقة حتى أحصل على
الحماية والأمان.

كان رضوان وهذا اسمه يكبرني بعشرين عامًا، وكنت
في البداية أخاف منه وأخشاه، ولكنه كان صبورًا جدًا
وكان طيبًا وحنونًا جدًا، وبرغم أنني كنت زوجته إلا أنه
لم يحاول الاقتراب مني ولمسي، كان يعاملني معاملة
الأب والأخ والزوج.

وبمرور الأيام والشهور ومع العشرة الطيبة بيننا
أحببته حبًا ملأ علي قلبي وكان ثمرته هذا الفتى الذي
رأيتموه حسان، وقد علمه والده منذ نعومة اظفاره
فنون القتال، وحين بلغ حسان الثانية عشرة من عمره
قتل رضوان في أحدى غاراتهم فأصبحت أرملة وصار
يتيمًا، وقد تحمل مسؤولية أمه والذود عنها منذ الصغر
لذلك صار شرسًا جدًا كلما حاول أحد الاقتراب مني.

ربت حسن على كتفها وقبل حسين جبينها قائلًا: لا
تراعي أختاه أبدًا فقد زال الشر عنك بإذن الله وقد عدت
إلى كنف عائلتك ولن يمسسك سوء أبدًا وأنت بيننا.

نقلت نظرها بينهما لتقول بأمل ورجاء:
وولدي ماذا سيحل به؟

نظرا إلى بعضهما البعض ليبادرها حسن قائلًا :
سيبقى حسان في سجن السفينة حتى نجتمع مع
الملك النعمان والأمير نوران ونحصل له على عفو
منهما، اطمئني أختاه ولا عليك المهم أن يبقى هنا على
ظهر السفينة حتى لا يراه أحدهم فيقتله.

صعدوا جميعًا إلى ظهر السفينة وزمردة بينهم تتأبط
ذراعيهم ويحتضنونها بكل حب ويكادان أن يحملاها فلا
يجعلاها تسير على الأرض، حتى وصلوا وما زال
أصفهان يضع سيفه على رقبة حسان، بادرته زمردة
بالقول: سلم على أخوالك يا حسان ألم أقل لك منذ زمن
أنني لي عائلة وأن الله لن يخيب رجائي وسيجمعني
بهم؟

احتضنوا بعضهم البعض وربت حسن على كتفه
ممازحًا: لقد كدت أن تقتلني يا ابن أختي، وكدت أن
تتغلب علي.

ابتسم حسان قائلًا: والله ياخال لم أواجه بعد من هو
مثلك وقد خارت قواي وأنا أحاول النيل منك وكلما فتحت
بابًا للقتال سددته ببراعة.

ضحكوا جميعًا ليقول حسين:
يجب أن نعد عدتنا ونجمع قواتنا ونهب سراعا لنجدة
الأمير نوران في حربه ضد الماكر شعلان.

انتفض حسان قائلًا :
هل قلت شعلان يا خالي؟

إنه ذلك الوزير الخائن الذي انقلب على ملكنا الملك
النعمان ويحاول الاستيلاء على السلطة والزواج من
ابنة أخ الملك النعمان، ولهذا الهدف حاول قتل الأمير
نوران وقتلي، هل تعرفه؟

تعلقت الأبصار بشفتي حسان بانتظار ما سيقوله
ليعقب بعد لحظة صمت:

أعرفه جيدًا فهو من اتصل بنا وأغرانا بغزو مملكتكم
والقضاء على قواتها البحرية مقابل ألف كيس من
الذهب.

صاح حسن: ماذا تقول يا حسان؟ هل وصلت به
الجرأة والوقاحة إلى هذا الحد؟

تبًا له من خائن أثقل كاهل الشعب بالضرائب ليدفعها
لكم من أجل قتلهم.
اقسم لتكون نهايته وخيمة جزاء خيانته وغدره.

نعم إياكم أن ترحموا الخائن

هتف بها شهريار بحدة
وكأنه قد تقمص الحكاية وأصبح جزء من الرواية،
فانتبه لنفسه وشهرزاد تضع كفها الصغيرة على فمها
تغالب ضحكاتها.
أشار إليها لتكمل ولا تتوقف.

مولاااي صاح الديك، والنوم يناديني ويناديك

إقرأ أيضًا: الليلة الأولى من كتاب ولا ألف ليلة وليلة

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

منصة الكترونية لنشر المقالات باللغة العربية. يسعى موقع فنجان الى اثراء المحتوى العربي على الانترنت وتشجيع الناس على القراءة

‫0 تعليق