ولا ألف ليلة وليلة – الليلة السابعة عشرة
ضمن سلسلة قصص ولا ألف ليلة وليلة بالاشتراك مع الأديبة المصرية ربا أحمد
في المساء، كانت شهرزاد تذرع أرض القاعة الملكية
جيئة وذهابًا بعصبية وهي في أوج حالات غضبها ..!
وحين سمعت صرير باب القاعة التفتت على الفور وقد
لمعت عيناها ببريق الشر وكأنها إحدى الساحرات
الجميلات اللائي نال منهن الخصم ..!
مساء الخير يا شهرزاد . . هيا بسرعة ابدأي في استكمال
الحكاية وماذا حدث بعد …
لن أكمل شيئا وسوف أخلد للنوم ….
ماذا؟ . . تعصين أوامري !!.. . هل أصابك الجنون؟ !!
بل أصابني الألم … أصابتني الحيرة لأنك بغيري أصبحت
مفتون.
أي هراء هذا يا شهرزاد ..! هل أصبح العقل منك في
حالة خبال؟!
لا يا ملك البلاد . . أنا جد عاقلة . . وقد علمت بأنك أرسلت
في استدعاء ذلك النخاس . . وعلى الفور لبى هو
النداء . . وأتى إليك محملًا بالسمراء والبيضاء . . وها قد
مرت الساعات وأنت بداخل القاعة الخاصة وكأنك في
أهم الاجتماعات …!
جلجلت ضحكات شهريار … وهو يظن بأن عقل زوجته قد
طار . . وبأنها أصبحت عليه تغار …!
ماذا يا شهرزاد؟ . . هل تغارين علي مثل الزوجات؟!
سألها وهو يتأملها بعد أن خفتت ضحكاته
تدريجيًا .. فأجابته وقد لمعت عيناها بدموع لؤلؤية:
وما الذي ينقصني كباقي الزوجات يا مولاي الملك؟ . . هل لأنني
معرضة كل ليلة لفقد رأسي .. . وبعدها لغيري ستمتلك؟!
يا إلهي . . ما تلك الليلة المأساوية؟!. . شهرزاد … إن لم
تبدأي بسرد الحكاية سأذهب إلى الجارية حورية.
لااا … لا تذهب يا مولاي … سأبدأ في الحال.
كفكفت دموعها، وحاولت أن تجلي صوتها . . رغم وجعها
منه وقهرها …! كان شهريار يعتدل في جلسته ليستمع لكلماتها وهو
مصغٍ ومتأمل لجمالها ….
بلغني أيها الملك السعيد . . ذو الرأي الرشيد … بأنه كان ينطلق على جواده بسرعة البرق . . يسابق الريح
وأبدًا لايستريح . . مثيرًا الغبار خلفه حتى وصل إلى ذلك
الكهف المظلم في أطراف المملكة. نزل عن جواده مترقبًا
محاذرًا أن يراه أحد وهو موقن أن هناك لا أحد.
دخل إلى الكهف الكئيب الذي تتراقص فيه الخيالات فتثير
رهبة في النفس وقشعريرة حتى وقف قبالتها وهي
تجلس وأمامها بلورتها السحرية.
رفعت وجهها إليه ببطء لتقول: ماالذي جاء بك في مثل
هذا الوقت ياشعلان؟!
حسر اللثام عن وجهه وقال: لقد تأخر التنفيذ يا مارية . . لم
يمت الوغدان بعد . . كم أود لو أقتلهما بيداي . . وأشفي
غليلي منهما.
لا تتعجل الأمور ياشعلان فسيتكفل بهما
العبدان . . وسيصبحان قريبًا في خبر كان.
ومتى سيحدث ذلك يا سيدة الزمان والمكان؟
لا تتعجل الأمور ياشعلان فسيموت الرجلان وتنال بغيتك
في الملك وتتزوج من قمر الزمان.
أنهت كلماتها له، ثم تمتمت ببضع كلمات سحرية،
وأدارت أصابعها فوق البلورة ليظهر تدريجيًا بداخلها
وجهي همام وزهير وهما يتآمران.
كان همام قد غادر الصديقان نوران وحسن وعيناه
تلمعان ببريق الانتصار … وفي ركن بعيد . . حيث الظلام
شديد . . خلف صخرة ضخمة . . كان يتحرك خيال
صغير . .اقترب منه همام . . وعلى الفور قال:
هل أعددت لي الطعام؟؟ فأجابه صاحب الخيال: جاهز وبانتظارك يا سيد
همام. عاد بريق الانتصار والزهو يلمع بعين همام وهو يقول:
ونعم المساعد أنت يا “زهير”. . كان معه حق الوزير . . فأنت
لي عون كبير.
خادمك المطيع وخادم سيدي الوزير.
صمت زهير وراح يتأمل وجه همام وبعدها قال: أرى
الفرحة تطل من عيني سيدي . . هل لي بالسؤال عن السبب
فتجيبني أم ترفض مطلبي؟
ابتسم همام ابتسامة الشرير قبل أن يجيبه بفحيح يجعله
كالأفاعي والثعابين: قريبًا جدًا سنتخلص من
الأمير . . وسوف نحصل على ما وعدنا به الوزير . . فنحن
فعلنا ما يريد بلا أي تقصير.
كانت مارية تسمع حديثهما وتنقله للوزير الذي كانت
أساريره تنفرج كلما سمع منها أكثر، وحين انتهت نظر
إليها بامتنان قائلًا: لا أعرف كيف أكافئك حقًا يا
مارية . . جزيل شكري لك.
ضحكت ضحكتها الشريرة لتظهر أسنانها السوداء
القبيحة: لا تشكرني الآن ياشعلان . . بل حين نتخلص من
هذين الوغدين . . وتستتب لك أمور الحكم . . والآن .. . هيا
اخرج من هنا وعد إلى القصر قبل أن يلاحظ أحد غيابك.
وصل إلى القصر ليمر بحديقته . . توقف فجأة عن استكمال
مسيرته .. . ما هذا الذي تراه عيناه؟ أجمل الوردات – أميرة
الأميرات – الأميرة قمر الزمان ..!
سار نحوها وعلى شفتيه ابتسامة متملقة: ما أسعد
الحديقة هذا اليوم بتفتح زهرتها الأجمل فيها . . الأميرة
قمر الزمان . . وما أسعدني أنا بشفائك وظهورك تنيرين
المكان.
نظرت إليه باشمئزاز لتقول بتعال: ما الذي تريده يا
شعلان؟
الاطمئنان على سيدة الحور وأميرة الزمان.
دعني وشأني وغادر من هنا في الحال.
بدا الارتباك على محياه . . وقال وهو يصر على أسنانه:
أمرك يا سيدة الحسان.
أشاحت بوجهها عنه كأنما تزيح وجهه القبيح عن
مخيلتها.
نظر إليها نظرة طويلة وهو يقول في نفسه: اقترب
الموعد يا قمر الزمان وستكونين زوجتي . . بل ستكونين
جارية تحت قدمي . . وحينها لن أرحمك أبدًا وسنرى من
سيحميك مني.
فجأة قفز شهريار من مكانه وهو يتطلع حوله،
واستغرقت شهرزاد في الضحك بصوت عال ولم يمكنها
تمالك نفسها وقالت وهي تغالب دموعها التي سالت من
كثرة الضحك ثم نظرت إليه معاتبة:
مولاي .. . ماذا فعلت بالديك؟
بتعجب أجابها على الفور:
أمرت الخادم بإخفاءه بعيدًا كي
لا يزعجنا ويقطع الحكاية. ولكنني الآن أسمع
صياح جيش من الديكة فما الذي حدث؟!!
ضحكت شهرزاد وقالت:
مولاي . . لقد حدث معك مثل ما
حدث مع الشيخ رضوان.
الشيخ رضوان؟ ! . . وما قصته؟ . . قولي الآن …
مولاي .. . الديكة صاحت والشمس لاحت . . وغدًا ستسمع
قصة الديك والشيخ رضوان
إقرأ أيضًا: الليلة الأولى من كتاب ولا ألف ليلة وليلة