اتصف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم برعايتهم الكاملة لكتاب الله تعالى القرآن الكريم، ومن أمثلة ذلك أنهم كانوا يتأكدون من معاني الكلمات لكي يفهموها بشكل صحيح، وقد راعوا ذلك كثيرًا وتدارسوه عن علم ودراية.
وقد ذكر عن السيوطي أنه قال: اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الأربعة، ابن مسعود، ابن عباس، أُبي بن كعب، زيد بن ثابت، أبو موسى الأشعري، عبد الله بن الزبير، وبالنسبة للخلفاء فمن ذكر منهم بشكل كثير هو علي بن أبي طالب، ومن النادر رؤية رواية تروى عن الثلاث. نتحدث عن علم التفسير بشكل عام، وأشهر المفسرين في عهد الصحابة.
ماذا يقصد بعلم التفسير
يعرف التفسير في اللغة العربية بالبيان والكشف عن معاني كلمات غير مفهومة، أما في الإسلام، فهو علم يعرف ببحثه في ألفاظ القرآن الكريم وطريقة فهمها، والكشف عما فيه من دلالات وأحكام وتراكيب ومعان، وله معنى آخر ألا وهو معرفة الشيء الذي يريده اللفظ القرآني، وقد عرفه الزركشي: بأنه علم يفهم به كتاب الله تعالى، المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان معانيه، واستخراج احكامه وحكمه.
ولعلم التفسير فضائل عدة منها:
معرفة كلام الله تعالى عز وجل وفهم الشيء المراد منه، حيث أن معرفة ما ورد في القرآن أساس لعدد من العلوم الشرعية الأخرى، وأيضًا التفكر في كلام الله عز وجل، من أفضل الأشياء التي يمكن للمرء الانشغال به.
رفع الله تعالى من شأن المفسرين وفضله على غيره من العلوم، وهذا يدل على أن العلم بمعاني القرآن من أحسن العلوم، فهو يجمع ما بين عدد من العلوم المفيدة، كأصول الايمان، والمواضيع الفقهية، والآداب والأخلاق وغيرها.
ومما ورد في روايات الأنبياء وغيرهم، أن الاعتصام بالله تعالى بعد الضلال لا يتم إلا بفهم ما أنزل الله تعالى في كتابه، والتقيد بما ذكر فيه من الهدى والحق، نقل علم التفسير من النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا يعني أن المفسر وارث من النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يعتبر مكملًا لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وكما ورد في صحيح الإمام البخاري، عن عثمان بين عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
أشهر المفسرين في عهد الصحابة
وفيما يلي قائمة بأشهر المفسرين في عهد الصحابة:
علي بن أبي طالب
علي بن أبي طالب أحد أكثر الصحابة الذين فسروا القرآن، حيث ذكر له العديد من القصص والروايات التي يفسر فيها القرآن، وعددها أكثر من عدد القصص التي وردت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكان يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار؟ أفي سهل أم في جبل.
عبد الله ابن مسعود
أحد أكثر الصحابة على دراية في تفسير كلام الله تعالى ألا وهو عبد الله ابن مسعود، وهو نفسه الشخص الذي كان يقصده الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: من أراد أن يقرأ القرآن غضًا كما أنزل فليقرأه قراءة ابن أم عبد، وكان أول من يجهر بالقرآن في مكة قبل الهجرة، وقد كان من أكثر الأشخاص الملازمين للرسول ومن خدمه.
وقد استقى الكثيرون من علمه، لما كان يلازم النبي صلى الله عليه وسلم، كان عبد الله ابن المسعود يقول: الذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيم نزلت وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته.
زيد بن ثابت
زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري الملقب بأبي خارجة أو أبي سعيد من قبيلة خزرج، وهو أحد كبار الصحابة، وكان في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام من كتاب الوحي، وعمل على جمع القرآن في عهد الرسول الله عليه الصلاة والسلام، وعمل أيضًا على كتابته في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأعاد كتابته في عهد عثمان ابن عفان رضي الله عنه، عندما قرر نسخ المصاحف لينشرها على المسلمين من الأنصار، وقد عرف بين الصحابة من تفسيره، فقال عنه أبو هريرة رضي الله عنه عندما توفي: اليوم مات حبر هذه الأمة وعسى الله أن يجعل في ابن عباس منه خلفًا له.
أبي كعب الأنصاري
أبي كعب بن قيس الأنصاري والملقب بأبو المنذر، أعلن اسلامه قبل الهجرة، فقد كان من الأنصار القليلين الذين بايعوا الرسول عليه الصلاة والسلام في بيعة العقبة الثانية، وكان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام من كتاب الوحي، وكما شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم كل من غزوة بدر وغزوة أحد والعديد غيرها.
كما عمل على تعلم القرآن الكريم، حيث تبين ذلك في أخلاقه، واتصف قبل إعلان اسلامه بأنه من أحبار اليهود بمعنى آخر أنه كان عالمًا تعلم كل ما ورد في الكتب في ذلك الوقت من أسرار وأحكام، وكان على اطلاع بكل ما ورد في الكتب، وقد اتخذه عدد من الصحابة وعدد من التابعين بعدهم كمرجع في كتاب الله تعالى وتفسير معانيه، ومن بينهم حبر كتاب الله ابن عباس رضي الله عنه، والأمر الذي سهل عليه في تفسير القرآن هو اطلاعه على أسباب نزول الآيات وأماكن نزولها، وقد كان من كتاب الوحي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فعندما كان يكتب الآيات كان يطرح على النبي أسئلة كمعاني الآيات التي يكتبها، منطقة نزولها والسبب الذي جعلها تنزل.