ثعابين البحر
بشكل عام تنقسم الثعابين إلى مجموعتين رئيسيتين، حيث أن المجموعة الأولى هي الثعابين الحقيقية Hydrophiinae، والمجموعة الثانية هي ثعابين البحر أو عرابيد البحر Laticaudinae، وغالبًا ما ترتبط الثعابين الحقيقية بثعابين الأرض الاستوائية، وأما ثعابين البحر فترتبط بالكوبرا الآسيوية، ويعتبر سم ثعابين البحر هو الأكثر سمية على الإطلاق، ولكن في المقابل من النادر أن يؤدي إلى الوفيات، والسبب في ذلك هو أن ثعابين البحر غير عدوانية تجاه البشر، ولكنها تستعين بسمها للدفاع عن نفسها في حالات الخطر.(1)
يصل عدد أنواع ثعابين البحر المكتشفة حتى الآن حوالي 60 نوعًا، ويمكن أن تحتضن الطبيعة العديد من الأنواع الأخرى الغير المكتشفة بعد، ويعود السبب في ذلك إلى صعوبة اكتشاف ودراسة ثعابين البحر، وبمحض الصدفة التقى العلماء بمجموعة محفزة من النساء يطلقن على أنفسهن اسم الجدات الرائعات، فمن هن الجدات الرائعات، وما دورهن في دراسة ثعابين البحر؟ (1)
الجدات الرائعات ودورهن في دراسة ثعابين البحر
تقع جزيرة كاليدونيا الجديدة على بعد 1000 ميل تقريبًا من ساحل أستراليا، وهي عبارة عن أرخبيل من الجزر، أي مجموعة متقاربة من الجزر، وتتوسط جزيرة كاليدونيا منطقة مرجانية ضخمة، وتعد موطنًا لأكثر من تسعة آلاف مخلوق حي بحري، وكل من هذه المخلوقات له خصائصه المميزة والبديعة.
من بين المخلوقات الحية التي تقطن أرخبيل كاليدونيا ثعبان البحر الأكبر، والذي يصل طوله إلى حوالي خمسة أقدام، ويمكن لهذا الثعبان قتل الإنسان بلدغة واحدة فقط، ولكن وكما ذكر في مقدمة المقال، فهذا الأمر لا يعد مخيفًا، وخصوصًا لمونيك زانيير، وهي إمرأة تبلغ من العمر 75 عامًا، وتقوم هي وستة نساء أخريات تتراوح أعمارهن ما بين 60 و75 عامًا بالغوص باستمرار في أعماق خليج نوميا، وهذا الخليج هو عاصمة كاليدونيا الجديدة.
قالت السيدة زانيير أن هذا الخليج هو ملعبهن الذي اعتدن اللعب فيه منذ الطفولة، وأضافت بقولها “نحن فيه يوميًا، ونستطيع معرفة كل أركانه”.
بدأت رحلة الغوص لدى السيدة زانيير باختيار رياضة الغوص كروتين يومي، ولم يخطر ببالها يومًا أن هوايتها التي جمعتها مع العديد من النساء الأخريات المتقاعدات ستمنحها القدرة على جمع البيانات والمعلومات للعلماء الذين يعنون بدراسة ثعابين البحر.
وبالفعل وبعد سنوات شكلت السيدة زانيير وبقية مجموعة الجدات الرائعات بوابة جديدة للعلماء، حيث أنهن قادرات على الغوص إلى أعماق خليج نوميا، والبحث بين الشعب والصخور المرجانية لتصوير وملاحظة كل ما يتعلق بدراسة ثعابين البحر.
استطاع السكان المعرفة عن هذا التعاون المذهل بين الجدات الرائعات والعلماء بمن فيهم عالمة الأحياء البحرية في جامعة كاليدونيا الجديدة كلير جويران، وعالم الأحياء التطوري في جامعة ماكواري الأسترالية وريك شاين، عن طريق مقال تم نشره في عدد أكتوبر من مجلة Ecosphere، وشكل هذا المقال خبرًا صادمًا، مؤثرًا ومحفزًا للعديد من الأشخاص حول العالم بمن فيهم العلماء.
قال أستاذ علم الحيوان في جامعة نيو إنجلاند في أستراليا هارولد هيتوول” يجب تهنئة الجدات الرائعات، إنهن فعلًا يساهمن بدور مذهل في تطور العلوم وتطور دراسة ثعابين البحر”.
قامت الجدات الرائعات بجمع مذهل للمعلومات، وقاد هذا إلى الحصول على معلومات مفصلة عن بيئة ثعابين البحر، سلوكها، طعامها، أشكالها وأحجامها، وساهم هذا باكتشاف ثعبان البحر الأكبر بشكل أسرع مقارنة مع أنواع ثعابين البحر الأخرى.
قال العالم وريك شاين” نحن نعرف معلومات قليلة جدًا عن ثعابين البحر، وبصراحة فكل ما كنا نعرفه عنهم تقريبًا استفدناه من ثعابين البحر التي تم صيدها عن طريق الخطأ ووقعت في شباك الصيد”.
في عام 2013م بدأت دراسة العالمان شاين وجويران لمعرفة ما يمكنهما الحصول عليه لتصنيف ثعبان البحر الأكبر، والذي يحيط بالمعلومات المتعلقة به الكثير من الغموض، ويمكن تمييز ثعبان البحر الأكبر من علامات مميزة على الذيول، ويمكن تمييزها بسهولة من مجرد الصور، ومع ذلك كانت بداية العالمان في الدراسة بطيئة للغاية، واستطاعوا خلال الثلاثة سنوات الأولى من دراستهم وقبل إيجادهم للجدات الرائعات العثور على 45 ثعبان فقط من ثعبان البحر الأكبر.
وحدثت المفاجئة في يونيو من عام 2017م، حيث التقت العالمة جويران بمتقاعدة تبلغ من العمر 61 عامًا، واسمها هو ألين غويمس، وبينما كانت العالمة تغوص وجدت السيدة غوميس تصور الشعاب المرجانية بكاميرتها الخاصة، وعلى محض الصدفة توجهت العالمة جويران إليها وبدأت بالتحدث معًا، وأخبرتها جويران بما تريد فعله، وبحاجتها إلى المساعدة لدراسة ثعبان البحر الأكبر وبقية ثعابين البحر في المنطقة.
ومنذ ذلك الحين بدأتا باللقاء معًا في استطلاعات أسبوعية يقومون بها بتصوير ثعابين البحر وتسجيل مواقعها بين الشعاب المرجانية تحت الماء، وقالت العالمة جويران عن هذه البداية وعن السيدة غويمس” لقد كنت سعيدة بحق، لقد استطاعت السيدة غوميس فعل ما احتاجه بالضبط”.
ثم استمرت العالمة جويران بتشجيع السيدة غوميس على تعيين العديد من صديقاتها المتقاعدات، ومع مرور الوقت جمعت فريق الجدات الرائعات والمؤلف من سبعة نساء مبدعات.
بالنسبة إلى زانيير، فهي اختارت جعل الغوص من روتينها اليومي، وهذا كجزء من علاجها الطبيعي، وأما المرأة الثالثة في المجموعة فهي سيلفي هيبير، وهي ممرضة متقاعدة عمرها 62 عامًا، وطافت هيبير حول العالم بالمراكب الشراعية.
أما العضوة الرابعة في فريق الجدات الرائعات فهي مارلين ساروتشي، وهي لاعبة جمباز تبلغ من العمر 63 عامًا، وعلى الرغم من خوفها من الثعابين ولكنها قدمت دعمًا رائعًا للفريق.
تقول السيدة ساروتشي” نحن نلتقي معًا كل صباح بين الساعة الثامنة والساعة الثامنة والنصف، ثم نرتدي معدات الغوص الخاصة بنا، ونغوص لمدة تتراوح ما بين الساعة والساعتين، وفي بعض الأحيان في فصل الصيف نغوص لفترة تزيد عن ثلاثة ساعات، ثم نعود إلى الشاطئ، نشرب الشاي ونستمتع بجمال المظهر الطبيعي الواقع أمامنا، هذه المشاعر مريحة للغاية.
ومنذ أن بدأت مجموعة الجدات الرائعات بالعمل، حتى ساهمت في إجراء العديد من المسوحات، واستطاعت تحديد مئات الأفراد من ثعابين البحر الكبرى، وذكرت العالمة جويران في دراستها “بمجرد أن بدأت الجدات الرائعات في العمل أدركنا الأعداد الهائلة من أفراد ثعبان البحر الأكبر، ولم نتصور وجود هذا الكم الهائل منهم قبل ذلك”.
وتضيف العالمة جويران قائلة” لقد أدركنا أن ثعبان البحر الأكبر كان عضوًا متوسطًا في السلسة الغذائية، وهذا يعني أنه فريسة لبعض المخلوقات الحية البحرية، ومفترس لبعض المخلوقات الحية البحرية الأخرى، وحتى عام 2019م استطاعت مجموعة الجدات الرائعات العثور على أكثر من 250 فرد من ثعبان البحر الأكبر.
ووضح دكتور شاين أن العلاقة بين الباحثين وبين فريق الجدات الرائعات علاقة مفيدة للطرفين، فالجدات وجدن أهمية لوقت فراغهن، ونشاطًا جديدًا يمكنهن القيام به بعد تقاعدهن، واستطاع الباحثون الوصول إلى العديد من المعلومات والبيانات التي لم يكونوا قادرين على العثور عليها بدون مساعدة الجدات الرائعات، بالإضاقة إلى أن ثعابين البحر ليست خطيرة على الجدات، وخصوصًا إذا لم يتعرضوا لها أو يحاولوا أذيتها، وبالتالي ضمان القيام بمهمة آمنة لأقصى درجة ممكنة.
قالت جينيفيف بريانسون، وهي واحدة من أعضاء الفريق، ويبلغ عمرها 75 عامًا” نحن ممتنون للعلماء والباحثين الذين سمحوا لنا بأن نكون جزءًا من أبحاثهم، لا أحد يدرك كم من المذهل أن يكون لشغفنا دور في تطوير علم الأحيار البحرية.
ليس هذا فحسب، ساهم هذا التعاون بإزالة المخاوف من قلوب الجدات الرائعات، وخصوصًا السيدة ساروتشي التي تخلصت من رهابها ضد الثعابين مع مرور الوقت.(2)
المراجع:
- https://www.britannica.com/animal/sea-snake
- https://www.nytimes.com/2019/11/30/science/sea-snakes-grandmas-new-caledonia.html