السلطانة رضية الدين ومجلس الأربعين – صفحات من التاريخ

السلطانة رضية الدين
شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

السلطانة رضية الدين ومجلس الأربعين

مجلس الأربعين لإنصاف المظلومين وولاية السلطانة رضية الدين بنت شمس الدين التمش

مجلس الأربعين لإنصاف المظلومين

برهن شمس الدين للمش على كونه عادلًا صالحًا فاضلًا، وربما كانت أهم إنجازات السلطان شمس الدين تلك التي تمثلت في اهتمامه برد المظالم وإنصاف المظلومين. فينسب إليه أنه قام بتأسيس مجلس من كبار أمراء المماليك عُرف باسم “الأربعين” لمعاونته في إدارة البلاد، ويُؤثَر عنه أنه أمر أن يلبس كل مظلوم ثوبًا مصبوغًا، وكان أهل الهند جميعًا يلبسون الأبيض، فإذا قعد للناس أو مرّ على جمع من الناس، فرأى أحدًا يرتدي ثوبًا مصبوغًا؛ نظر في قضيته وأنصفه ممن ظلمه. وكذلك كان يفعل إذا عقد مجلسه للحكم.

ويحكي ابن بطوطة أن السلطان أراد أن يكون إنصافه للمظلومين سريعًا حتى أولئك الذين تجري عليهم المظالم ليلًا بحيث لا ينتظرون حتى الصباح، فأمر بوضع تمثالين من الرخام لأسدين على باب قصره، وتصل ما بين عنقيهما سلسلة كبيرة بها جرس يحركه المظلومون إذا ما جاءوا يطلبون العدل ليلًا، فيطلب السلطان صاحب المظلمة ويسمع شكواه وينصفه في الحال. وقد لجأت ابنته “رضية” إلى هذه المؤسسة فأنصفها الناس، ورفعها العدل – الذي أرساه أبوها- إلى العرش.

فمن اللافت أن التقليد الذي أرساه شمس الدين للمش في هذا المجال، هو الذي أنقذ ابنته الوحيدة، والتي تولت عرش السلطنة فيما بعد، من القتل على يد أخيها ركن الدين، الذي قتل شقيقها. ولكن قصتها تستحق أن تروى كاملة.

ولاية السلطانة رضية الدين

يذكر التاريخ الإسلامي لـ “أروى بنت أحمد الصالحية” أنها أول امرأة تحكم دولة في العالم الإسلامي، فقد تولّت عرش دولة اليمن بعد وفاة زوجها الملك المكرم سنة (477هـ / 1084م) وتصرفت في أمور الدولة، واتخذت لنفسها ألقابًا عديدة، منها الحُرّة، الملكة، والسيدة السديدة، وظلت تحكم البلاد نحو 55 عامًا.

وكانت “السلطانة رضية الدين” النموذج الثاني الذي يعتلي الملك؛ حيث تولَّت حكم دولة المماليك في الهند، تلتها شجرة الدر في مصر؛ حيث كانت أول سلطانة لدولة المماليك في مصر سنة (648هـ /1250م) وحكمت ثمانين يومًا. وتشترك الملكات الثلاث في رجاحة العقل، وحسن التدبير، وسعة الحيلة، والتمتع بالذكاء والبصيرة، وإن افترقن في المدة التي قضينها في الحكم.

والسلطانة رضية الدين ذات الأصل التركي سجلت اسمها في كتب التاريخ كأول امرأة تحكم الهند في عصورها التاريخية، فهي المرأة الوحيدة في التاريخ التي تم تتويجها بسلطنة دهلي وأول حاكمة مسلمة أيضًا في جنوب آسيا.

توفي السلطان شمس الدين ألتمش سنة (634هـ / 1236م) وترك أربعة أولاد هم: ركن الدين، الذي ولي الحكم خليفة له، ومعز الدين، وناصر الدين، وابنًا آخر، وبنتًا واحدة هي السلطانة رضية الدين التي تولت الحكم فيما بعد.

ولدت السلطانة رضية الدين في عام 602هـ / 1205م وشعر للمش بسعادة غامرة لمولد ابنته وأمر بإقامة احتفالات كبيرة بمولدها، لأنها أولى بناته بعد أن رزق بالعديد من الأولاد. اشترك الأب في تعليم وتدريب ابنته بنفسه وعندما بلغت السلطانة رضية الدين عامها الثالث عشر، أصبحت رامية وفارسة بارعة وصاحبت أبيها في ما بعد مرات عديدة في حملاته العسكرية. وكان التمش كثيرًا ما يردد: “ابنتي أفضل من العديد من الأبناء”. وعندما كان منشغلًا بحصار حصن غواليور، عهد التمش لرضية برئاسة الحكومة في دلهي. وعند عودته، انبهر بأدائها لدرجة أنه قرر تعيينها خليفة له.

خلف “ركن الدين فيروز” والده، غير أنه كان منشغلًا عن مسئولية الحكم وتبعاته باللهو واللعب، وفي كتابه “طبقات الناصري”، قال المؤلف منهاج سراج: “أصبح الملك عبدا للمجون والفجور”. ومهد هذا الموقف الطريق أمام تدخل تركان شاه، أم الملك، التي كانت إمرأة شديدة الغيرة والاستبداد، حيث بدأت في تنفيذ مخطط للقضاء على جميع المنافسين المحتملين على العرش. وهو ما جعل الأحوال تزاد سوءً، وتشتعل المعارضة ضده.

كما انتشر الظلم في عهده وغضب عليه مجلس الأربعين وهو مجلس استشاري من المماليك، كان يساعد ألتمش في حكم البلاد. وشرع أحد إخوته في محاولة عزله ولكن فيروز فطن له وقتله. وعند تلك اللحظة الفارقة في تاريخ الدولة المملوكية بالهند لمع اسم “السلطانة رضية الدين” أخت ركن الدين فيروز والابنة المفضلة لدى والدها ألتمش، حيث أعلنت غضبها ورفضها لما فعله أخوها السلطان في حق أخيها المقتول. وقد حاول السلطان قتلها، ولكن هذه المرأة لم تهرب إلى خدور الحريم، أو تخشى المواجهة، وإنما فاجأت السلطان القاتل بتقاليد العدالة التي أرساها أبوهما.

فقد انتظرت السلطانة رضية الدين صلاة الجمعة في أحد الأيام، وعقدت العزم على مواجهة أخيها الذي خرج إلى صلاة الجمعة، وصعدت إلى سطح القصر القديم المجاور للجامع الأعظم في المدينة، وكان معروفًا لدى أهل دهلي باسم (دولة خانة)، وقد ارتدت ثيابًا ملونة لكي يعرف الناس أنها مظلومة، واستوقفت الناس وخاطبتهم من مكانها أعلى السطح وقالت لهم: “إن أخي قتل أخاه، وهو يريد قتلي معه”. وأخذت تذكر الناس بأيام أبيها، ومآثره، وما فعله من أجل رعاياه خيرًا وإحسانًا.

وحركت كلمات الأميرة المظلومة الخائفة جماهير المصلين ومست نوازع العدل في وجدانهم فثاروا وتوجهوا إلى السلطان ركن الدين قاتل أخيه وقبضوا عليه وساقوه إلى أخته التي أجابت عما طرحوه من أسئلة بعبارة واحدة بليغة: “القاتل يُقتل”. وقامت الجماهير بقتل السلطان قصاصًا لأخيه. ولما كان أخوهما معز الدين وناصر الدين طفلين صغيرين اتفق الناس على أن تتولى رضية عرش السلطنة. وارتقت عرش البلاد لتستمر في حكمها على مدى أربع سنوات.

صفات السلطانة رضية الدين

وهكذا انتهت الأزمة بأن بايع الأمراء “السلطانة رضية الدين بنت التمش”، وأجلسوها على عرش السلطنة، وكانت تتمتع بصفات طيبة من رجاحة العقل، وشجاعة النفس، وعلى حظ كبير من الذكاء. حتى يقال إن والدها التمش فكر في أن يعهد إليها بالعرش من بعده دون إخوانها الذكور الذين انشغلوا باللهو والملذات؛ وذلك لرجاحة عقلها وإلمامها بالعقيدة والفقه الإسلامي. وكان أبوها قد تعهدها برعايته فاختصها بمن يعلمها أصول الدين والفقه والحديث، وأيضًا بمن يدربها على فنون القتال والفروسية فنشأت راجحة العقل وفارسة في ذات الوقت فضلًا عما اشتهرت به من الحسن والجمال البارع.

وقد تحقق ما كان يراه أبوها ولا يراه سواه ممن كانوا يعترضون عليه إيثاره لها، فما إن آلت إليها السلطنة حتى دلّت على ما تتمتع به من صفات، حتى إن مؤرخي الهند، أطلقوا عليها اسم “ملكة دوران بلقيس جهان”، أي فتنة العالم.

فترة ولاياتها

جلست “رضية الدين” على عرش سلطنة دلهي نحو أربع سنوات (634 – 637هـ / 1236 – 1369م) بذلت ما في وسعها من طاقة لتنهض بالبلاد التي خوت خزائنها من المال لإسراف أخيها. كما أعلنت السلطانة الجديدة “رضية الدين” ولاءها للخليفة العباسي المستنصر بالله ببغداد، وضربت عملات من الذهب والفضة والبرونز باسمها. فنقشت على نقود الذهب والفضة اسم الخليفة العباسي، بالإضافة إلى اسمها وألقابها التي جاءت على هذا النحو “عمدة النساء ملكة الزمان السلطانة رضية الدين بنت شمس الدين ألتمش”. أما على النقود البرونزية، فقد اكتفت بنقش اسمها وحدها “السلطانة المعظمة رضية الدين” بينما شغل الوجه الثاني للعملة بزخارف هندية تقليدية، كما أنها كانت تعرف كذلك بـ “رضية الدنيا والدين”.

ومن أسف أن ما وصلنا من عملات رضية الدين ليس سوى قطع قليلة ونادرة وربما كان السبب في ذلك قصر المدة التي حكمت فيها البلاد وهي ما يزيد عن ثلاث سنوات ونصف فقط “634 – 637 هـ”، ولكن هذه العملات على ندرتها تبرهن على أنها كانت ملكة كاملة الصلاحيات والرسوم.

وتشهد كتب التاريخ أن السلطانة رضية الدين سارت على خطا أبيها في سياسته الحكيمة العادلة، لكنها اصطدمت بكبار أمراء الملوك الذين يشكلون جماعة الأربعين، ويستأثرون بالسلطة والنفوذ، وحاولت الملكة جاهدة أن تسوسهم، وتحتال على تفريق كلمتهم، وتعقُّب المتمردين والثائرين عليها.

ولما استقرت أحوال مملكتها انصرفت إلى تنظيم شئونها، فعينت وزيرًا جديدًا للبلاد، وفوضت أمر الجيش إلى واحد من أكفأ قادتها هو “سيف الدين أيبك”، ونجحت جيوشها في مهاجمة قلعة “رنتهبور” وإنقاذ المسلمين المحاصرين بها، وكان الهنود يحاصرون القلعة بعد وفاة أبيها السلطان “التمش.

صورة السلطانة رضية في القصص الشعبية الهندي

وتحفل كتب التاريخ والقصص الشعبية في الهند بالعديد من الملامح الشخصية لسلطانة الهند الأولى، ومنها نتبين أنها كانت ملكة حازمة شجاعة خاضت بنفسها الحرب ضد أعداء المسلمين بشبه القارة الهندية وفكت حصارهم لبعض المدن الإسلامية، كما توخت السير على نهج والدها في إنصاف المظلومين ونبذ النظام الطبقي. ويقال إنها تخلت عن ملابس النساء وارتدت ملابس الرجال وتسلحت في مجلسها بالقوس والسهم ووضعت قلنسوة الفرسان على رأسها بعد أن عمدت لشعرها الطويل فقصته، وتجلس على العرش والعباءة عليها، والقلنسوة على رأسها، وتقود جيشها وهي تمتطي ظهر فيلها.

وكانت تركب الخيول مثلما يفعل الفرسان من الرجال، وقد تسلحت بالقوس والسهام والجعبة، وتحيط بها حاشيتها وهي راكبة. وتذكر بعض المصادر التاريخية أنها قصت شعرها وارتدت ملابس الرجال. وكانت تقود الحملات العسكرية، وتجوب الشوارع والأسواق في ملابس الرجال، لكي تتعرف بشكل مباشر على أحوال رعاياها، وقد أجمع المؤرخون على أنها كانت حاكمة من طراز جيد. وتكاد الصور الشعبية المطبوعة لها في الهند تجمع على تشبهها بالفرسان، سواء صوُّرت على ظهر فيل أو على صهوة جواد.

وقد مدحها الحسني في نزهة الخواطر بقوله: “الملكة الفاضلة رضية بنت شمس الدين الايلتمش، رضية الدنيا والدين ملكة الهند ..، اتفق الناس عليها بعد أخيها ركن الدين بن الايلتمش سنة أربع وثلاثين وستمائة فاستقلت بالملك أربع سنين، وكانت عادلة فاضلة تركب بالقوس والكنانة والقربان كما يركب الرجال، وكانت لا تستر وجهها”.

وفي الدر المنثور في طبقات ربات الخدور: “رضية ملكة دهلي في بلاد الهند، ابنة السلطان شمس الدين كانت من أوفر نساء زمانها عقلًا وأحسنهن وجها. تعلمت فنون السياسة من صغرها، ولما بلغت حد الكمال ازدادت رونقًا، وبهاء وعقلًا”.

محاولة عزل السلطانة رضية الدين

غير أن هذه السياسة لم تلق ترحيبًا من بعض الفقهاء وأيضًا فرسان مجلس الأربعين الذين لم يرق لهم أن تحكمهم امرأة. فشرعوا في النيل منها ومحاولة وضع شقيقها الصغير “ناصر الدين” مكانها على العرش، ونجحوا في ذلك بالفعل، ولكنها نجحت في استرداد عرشها من دون أن تتعرض بالأذى لناصر الدين لكونه ألعوبة بأيدي كبار العسكر.

لم تكن السلطانة متزوجة، وربما كان هذا من بين أسباب تهمتها، فقد وزاد من بغض خصومها أن قاموا بالتعريض بها أمام الشعب بعد أن قرّبت إليها رجلًا فارسيًا يُدعى “جمال الدين ياقوت”، وهو حبشي الأصل، وعينته مسؤولًا عن الاصطبلات السلطانية “أمير الخيل”، ثم منحته لقبًا ورتبة تخطى بها سائر الأمراء، حيث جعلته “أمير الأمراء” بدلًا من “أمير الخيول”. وأشاع المغرضون أن السلطانة على علاقة غير شرعية، ولما كانت السلطانة لم تتزوج بعد، فقد وجدت الشائعات أرضًا خصبة بين الرعية. ثم أشاعوا أن السلطانة تستأنس بصحبة “جمال الدين ياقوت”، وتتساهل معه لدرجة أنه كان يرفعها من تحت إبطيها على فرسها.

وسرت في دهلي شائعات عن أن “عمدة النساء وملكة الزمان”، سمحت لعبدها أن يمسّها. ولم تستطع السلطانة أن تُسكت حركات التمرد التي تقوم ضدها، كما كانت تفعل في كل مرة، فاجتمع عليها المماليك وأشعلوا الثورة ضدها، وحاولت أن تقمعها بكل شجاعة، لكنها هُزمت، فاتفق الناس على خلعها من عرشها وتزويجها. وتم ذلك بالفعل، وانتهت فترة حكم السلطانة رضية بتزويجها من أحد الأمراء، ثم صعد أخوها “معز الدين” إلى عرش السلطنة. كما قُتل جمال الدين ياقوت أمام ناظريها.

مقتل السلطانة رضية الدين

تزوجت رضية الدين وحاولت مع زوجها استعادة العرش بالقوة، وتمكنا من تجنيد عدد كبير من المماليك والأتباع. وخرج أخوها السلطان معز الدين ومعه مملوكه النائب غيَّاث الدين بلبن، الذي تولى العرش بعده، ولكن الهزيمة كانت من نصيب جيش السلطانة السابقة، واضطرت إلى الفرار وحدها هائمة على وجهها، حتى ساقتها قدماها إلى أحد الحقول فوجدت فلاحًا يحرث الأرض، فظنها محاربًا أعياه القتال ونال منه الجوع والإعياء. وطلبت السلطانة من الفلاح شيئًا تأكله، وكان الرجل كريمًا إلى حين، فأعطاها كسرة خبز، فأكلتها، ونامت بعد أن غلبها النوم وهي في ملابس الرجال.

ويبدو أن الفلاح أدرك وهو يتأملها في نومها أن ضيفه ليس في الحقيقة سوى امرأة، لأنها كانت ترتدي قباءً مرصعًا. وتخلى الفلاح عن كرمه البائس واستجاب لطمعه الوحشي، فقتل السلطانة الهاربة دون أن يعرف من تكون، ودفنها في الأرض التي كان يحرثها، وترك فرسها تهرب بعيدًا، وكان ذلك في (25 من ربيع الأول 637هـ / 25 من أكتوبر 1239م).

وذهب الفلاح يبيع بعض ثيابها الغالية في السوق. وثارت شكوك أهل السوق حول هذا الفلاح بثيابه الرثة وهو يعرض عليهم شراء ثياب السلطانة المقتولة، بما تحمله من آثار النعمة، فاقتادوه إلى “الشحنة”، أي مسئول الشرطة في المدينة. وتحت وطأة الضرب المبرح كشف الفلاح القاتل عن جريمته وضحيته، ثم دلهم على المكان الذي دفنها فيه.

وقام صاحب الشرطة، ومن معه من المسئولين، بإخراج جثة السلطانة رضية بنت السلطان شمس الدين من حفرتها، فما كان من شقيقها السلطان معز الدين إلا أن أمر بتشييد مدفن أو روضة تليق باسم أول سلطانة للهند في ذات البقعة التي قتلت فيها، فغسّلوها وكفنوها، ثم أعيد دفنها في المكان نفسه.

وقد ذكر ابن بطوطة أن قبر السلطانة رضية في زمانه “القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي”، كان مزارًا يتبرك به الناس ..، وهو على شاطئ النهر الكبير المعروف بنهر الجون، على مسافة فرسخ واحد من المدينة. وهي اليوم في ضاحية “سيتا رام بازار” قرب دلهي القديمة أو دهلي كما كانت تسمى.

وقد أهمل أمر هذا الأثر الذي وضعت السلطات عليه لوحة تعريفية متواضعة بالسلطانة فيما خصصت له بوابة، للحيلولة دون الاعتداءات التي طالت الضريح على مر العصور حتى لم يبق منه سوى شاهد القبر، وبجواره شاهد آخر لا يعرف صاحبه، فضلًا عن بقية المحراب المعقود الذي كان ملحقًا بالضريح. وفي مواجهة مدفن السلطانة رضية الدين المتواضع شيد أخوها السلطان ناصر الدين مسجدًا ما برح قائمًا إلى اليوم يستقطب عناية المسلمين، بينما يحيط الإهمال بالمدفن وتكاد تطويه صفحات النسيان.

وتولى بعد السلطانة رضية الدنيا والدين سلاطين ضعاف لم يتركوا أثرًا يذكر، ومنهم: معز الدين بهرام أخو رضية، تولى سلطنة الهند في الفترة (637هـ – 639هـ/1240- 1242م ) وتم الانقلاب عليه وقتله قواد جيشه بسبب استبداده وطغيانه، وخلف بعده علاء الدين مسعود (639هـ – 644هـ / 1242م – 1246م) ابن السلطان ركن الدين فيروز وحفيد ألتمش، وفي عهده دخل المغول الهند ثانية حتى تصدى لهم قائد الجيش غياث الدين بَلبَنْ فردهم عن سلطنة دهلي.

ولم يدم حكم علاء الدين طويلًا فقد تم عزله وخلف بعده عمه آخر أبناء ألتمش ناصر الدين محمود شاه بن التمش (644هـ/ 1246م) وكان عابدًا فاضلًا عادلًا “أنموذج الخلفاء الراشدين، كان أصغر أبناء والده وأكبرهم في الفضل والصلاح .. ولم يزل أمره مستقيماً إلى عشرين سنة، من أخباره أنه كان يكتب القرآن الكريم نسختين منه كل سنة فيبيعهما ويقتات بثمنهما”. وتوفي ناصر الدين سنة (644هـ/ 1266م) أي أنه قضى في ملكه عشرين سنة، وبوفاته انتقل الملك من أسرة شمس الدين التمش إلى أسرة أخرى من المماليك هي أسرة غياث الدين بلبن.

هكذا ذهبت السلطانة الفارسة العادلة ضحية لمؤامرات العرش، تاركة وراءها في عالم الفن الإسلامي قبرًا دارسًا أو يكاد، وبعض قطع من العملات التي تحمل اسمها وألقابها كأول امرأة تحكم الهند في عصورها التاريخية.

وبعد إشادتهم بصفاتها العظيمة، اتفق المؤرخون على أن “الرجال الحكماء لا يجدون فيها عيبًا سوى أنها امرأة”. من الصحيح أن رضية كانت ضحية للظلم المنتشر في هذا العصر، ولكنها أثبتت بشكل كبير أن لديها قدرات بصفتها حاكمة، أكثر بكثير من كل الرجال الذين خلفوها.

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

منصة الكترونية لنشر المقالات باللغة العربية. يسعى موقع فنجان الى اثراء المحتوى العربي على الانترنت وتشجيع الناس على القراءة

‫0 تعليق