السُّلطان سليمان القانونيّ
السلطان سليمان القانونيّ هو عاشر سلاطين الدَّولة العُثمانيّة، وثاني الخُلفاء العُثمانيّين، وقد استلم مقاليد حُكم الدَّولة العُثمانيّة في سنة 926هـ/1520م؛ خلفًا لوالده السُّلطان سليم الأوَّل، واعتُبِر عصره العصرَ الذهبيّ للدَّولة العُثمانيّة؛ حيث أنّها بلغت أوج قُوَّتها في الجانب العسكريّ، والسياسيّ، والثقافيّ، واتّسعت حُدود الدَّولة نحو الشرق، والغرب، وشملت الكثير من العواصم، والمُدن التاريخيّة في آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، كما تمكَّنت من السيطرة على البحر الأبيض المُتوسِّط، والبحر الأسود، والبحر الأحمر.
مولده ونشأته
وُلِد السلطان سليمان القانونيّ، أو سليمان الأوَّل في مدينة طرابزون في 6 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1494م، وكان سليمان القانوني هو الابن الوحيد للسُّلطان سليم الأوَّل؛ ولذلك حَظِي بتعليم جيّد، وعناية فائقة مُنذ طفولته؛ حيث تركَّز تعليمه في البداية على إدارة الدَّولة، والعلوم الإسلاميّة، والعسكريّة، وما إن أتمَّ الثالثة عشرة من عُمره حتى أصبح واليًا على كفا، وساند أباه في الانتقال من مدينة طرابزون إلى إسطنبول، وعاش فيها إلى أن أصبح واليًا على صاروهان (مانيسا الآن) والتي تقع غرب الأناضول.
سببُ تسميةِ سليمانَ القانونيِّ
كانَ السُّلطانُ سليمانُ القانوني حاميًا للعدالة، والقوانين في البلادِ؛ ولذلك أصدرَ العديد من القوانينِ التي تُنظّمُ الدولةَ، وتُحدّدُ كلَّ اختصاصٍ فيها؛ ومن هنا جاءَ لقبُه (القانونيّ)، وقد كانت فترةُ حُكمِه للدولةِ العثمانيّةِ فترةً ذهبيّةً استمرّت أربعين عامًا؛ فتوسّعت خلالَها الدولةُ في غربِ أوروبا، ووسطِها، كما تقدّمت الدولةُ العثمانيّةُ في عهدِ السلطان إلى أن وصلَت المحيطَ الهنديَّ مرورًا بشمالِ أفريقيا، وغربها، وشماليِّ روسيا.
صِفاته
تَصِف المصادر التاريخيّة السلطان سليمان القانونيّ من الناحية الخَلقيّة بأنَّه طويل القامة، وعريض الوجه، ومقرون الحاجبَين، وصاحب أنف مُقوَّس قليلاً، بالإضافة إلى أنَّه خفيف اللِّحية، وكثُّ الشارب، وأفلج الأسنان، وقويُّ البُنية بالرغم من نحافة جسمه، وبَهيُّ الطلَّة.
كما أنَّ السلطان سليمان كان مُحاربًا شُجاعًا، وماهرًا في استخدام السيف، والقَوس، بالإضافة إلى أنّه اشتُهِر خُلُقيّاً بالعدل والتسامُح، والحَزم على الظالمين، والخارجين عن القانون، والمحافظة على دينه، وصيانته، كما أنَّه أحبَّ الشِّعر، ووَلع بدراسته؛ فألَّف ديوان شِعر، وأَولى اهتمامًا كبيرًا بالشُّعراء، والأُدباء، والعُلماء، ودعمهم مادِّيًا، ومعنويًّا.
تولِّيه الحُكم
تُوفِّي السُّلطان سليم الأوَّل في عام 1520م، وخَلَفه ابنه سليمان القانونيّ بعد ثمانية أيّام من وصول خبر وفاة والده؛ وانتقل إلى إسطنبول؛ للجلوس على عرش الحُكم في قصر طوب قابي، وقد اعتلى الحُكم في دولة خزينتها مُمتلِئة، وجيشها قويّ لا يُقهَر في البرِّ، والبحر، كما أنَّ سليمان القانوني لم يحظَ بأيّ مُنافسة على الحُكم؛ فهو الابن الوحيد من أبيه السلطان سليم، ومُنذ بداية تولِّيه الحُكم بدأ الكِفاح ضِدَّ الثورات التي اندلعَت في الأناضول ومصر.
إنجازاته السياسيّة والعسكريّة
هناك الكثير من الإنجازات التي حقَّقها سليمان القانونيّ في أوروبا، والبلاد العربيّة، سواء على الصعيد العسكريّ أو السياسيّ، ومن أهمّ هذه الإنجازات:-
إنجازاته في البلاد العربيّة:
- حماية تونس من الأسبان والبرتغاليين.
- ضَمّ تُونس، وحماية المنطقة الشماليّة في القارَّة الأفريقيّة من خطر القُوَّات البُرتغاليّة والإسبانيّة، وكان ذلك على يَد القائد العُثمانيّ خير الدين بربروس، وهو من أتباع السلطان سليمان القانونيّ.
- التصدِّي لتدخُّلات الصفويّين في الشؤون السياسيّة في العراق؛ حيث غزاهم السلطان سليمان القانونيّ، واحتلَّ عاصمتهم (مدينة تبريز) في عام 1536م.
- التوسُّع في حُدود الدَّولة العُثمانيّة، وقام بضَمّ صنعاء وعدن، ومضيق باب المندب إلى حدودها.
إنجازاته في أوروبا:
- الاستيلاء على العديد من الجُزُر في البحر الأبيض المُتوسِّط، ممَّا مهَّد الطريق للدَّولة العُثمانيّة؛ للسيطرة على البحر الأبيض المُتوسِّط.
- السيطرة على بلاد القرم في شمال البحر الأسود، بالإضافة إلى دخوله بلغراد عاصمة الصرب، كما أنه استطاع غزو النمسا، وحصار عاصمتها فيينا، واعُتبِرت بذلك أبعد نقطة وصلت إليها قُوَّات الدَّولة العُثمانيّة.
- الاستيلاء على بلغراد عاصمة صربيا، وذلك عام 1521م، وسقط في يده حصون المجر المهمة، وتمكّن أيضًا من الاستيلاء على جزيرة ردوس، وهي معقل فرسان القديس يوحنا.
- توقيع معاهدة صداقة مع فرنسا، وذلك ليتمكّن من كسب مساعدتها في الحرب ضد البرتغال، وإسبانيا، والنمسا، ودخل على بغداد، وجعلها ولاية عثمانيّة، وتمكّن أيضًا من القضاء على نفوذ الصفويين في العراق، واستطاع دخول مدينة تبريز (عاصمة الصفويين).
- الانتصار على المجر، وألحق بهم هزيمة نكراء في معركة موهاكر (موهاس)، والتي حدثت في عام 1526م، ووقعت فيينا تحت الحصار، ولكنَّه رفع عنها الحصار؛ بسبب حلول الشتاء عليها في فترة مبكرة.
الجانب الحضاريّ في عهده
السُّلطان سليمان القانونيّ اهتمَّ بالجانب الاجتماعيّ للدَّولة، وسعى إلى النهوض به، وتنميته، وتمثَّل هذا الاهتمام في النقاط التالية:-
- إصدار مجموعة من الأنظمة، والقوانين، والتي تهدف لإعادة هيكلة الدَّولة، وتنظيم أمورها، وتحديد كافّة الاختصاصات في مُختلف المجالات.
- الاهتمام بمجال التعليم، والعِلم، وتشجيع العُلماء وطُلّاب العِلم؛ حيث أنشأ السلطان سليمان القانونيّ المدارس، والمعاهد التعليميّة، والمكتبات، كمكتبة السليمانيّة.
- بناء جامع السليمانيّة (جامع سليمان القانونيّ) في إسطنبول، والذي يُعدّ من أبرز الأعمال المعماريّة التاريخيّة في العالَم الإسلاميّ.
- الاهتمام بالمُنشآت، والعُمران، والطُّرق؛ حيث تمّ في عهد سليمان القانونيّ إنشاء العديد من المُنشآت العمرانيّة الضخمة، كالمدارس، والمساجد والمكتبات، والمُستشفيات، والدليل على ذلك ما شهده حيّ السليمانيّة، ومرافقه من ازدهار، وروعة في التصميم والإنشاء.
- بروز العديد من العلماء في عهده، ومن أهمّهم أبو السعود أفندي، وهو صاحب كتاب التفسير (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم).
- ظهور العديد من المُهندسين المعماريّين البارزين في عهده، وأهمّهم المهندس سنان باشا الذي كان له أسلوب خاصّ في البناء، كما أنّه شارك في العديد من الحملات العُثمانيّة.
- ازدهار المُنمنَمات العُثمانيّة (الرسوم) في عهده، حيث قُدِّمت الحوادث السياسيّة والاجتماعيّة في عهد السلطان سليمان القانونيّ من خلال مُنمنَمات ذات ألوان زاهية.
- الاهتمام بالخطّ؛ حيث برز في عهده مجموعة كبيرة من الخطّاطين العِظام، وعلى رأسهم حسن أفندي الذي كتبَ الخطوط الموجودة على مسجد السليمانيّة، وأحمد بن قره حصاري الذي كتبَ القرآن الكريم بخطّه، علمًا بأنّ هذا المصحف يُعتبَر من روائع الخطّ العربيّ، وهو يُوجَد الآن في متحف طوب قابي.
- قام بإنشاء أكبر مشروع حضاريّ مُهمّ، ألا وهو ترميم المسجد الأقصى، وقبّة الصخرة، والحَرَم المكّي، إضافة إلى ترميمه للمسجد النبويّ، وإنشاء الحمّامات العامّة، والملاجئ للحُجّاج، وقام بتحصين المدينة المُنوَّرة من خلال بناء سورٍ حولها.
وفاته
قاد سليمان القانونيّ جيشه للمرَّة الأخيرة في عام 1566م، حيث كانت حربه ضِدَّ (فرديناند الأوَّل) إمبراطور النمسا؛ وذلك بسبب نَقْضه لاتّفاقية السلام مع الدَّولة العُثمانيّة؛ حيث قام بمُهاجمة إحدى الإمارات التابعة للدَّولة العُثمانيّة، علماً بأنّ السُّلطان سليمان القانوني قد تعرَّض لوعكة صحِّية خلال التحضير للحرب، إضافة إلى عُمره الكبير، والبالغ 72 سنة، ورُغم ذلك استطاع مُحمَّد باشا إقناع السُّلطان بقيادة الجيش بنفسه، إلّا أنَّ حالته الصحِّية ازدادت سوءًا بعد أن اجتاز مدينة أدرنة، وبعد شهر من ذلك رَقَد السُّلطان سليمان القانوني على فِراش الموت إلى أن وافته المنيّة في 7 أيلول/سبتمبر عام 1566م.
المراجع