الكثير منَ الأطفال حول العالم يُعانون يومياً منَ العنف الجسدي أو اللفظي في حياتهم، فالعنف يُسهم في تدمير نفسية الطفل وصحتّه العقلية والبدنية، ويعتقد بعض الأهالي أو المُربين أو المُدرسين أنَ العنف الجسدي واللفظي ضد الطفل يُسهم في جعلهِ مُلتزماً أخلاقياً وناجحاً في حياته، كما أنَ بعض الأباء أو الأمهات يُحبون أن يقوموا بفرض سيطرتهم الكاملة على أبنائهم لطاعتهم ولكن هذا أمر خاطئ وكما يقول جبران خليل جبران {أنَ أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة}، علاوة على ذلك لا يوجد دليل قاطع أو دراسة مُثبتة أنَ ضرب الطفل وتعنيفه جسدياً ولفظياً أمر صحي ويُسهم في تربيته، فالطفل يحتاج إلى بيئة مُريحة ليكبر ويُصبح ناجحاً على عكس العيش في بيئة مُخيفة ذات نفوذ وسيطرة على الطفل.
صديقي القارئ،، نقدّم لكَ في هذا المقال الشامل تعريف العنف ضد الأطفال وأنواعه وأسبابه وآثاره السلبية والحلول المُقترحة للتعامل معَ الأطفال:
ماهوَ تعريف العنف ضد الأطفال؟
أولاً وقبلَ أن نبدأ علينا تعريف العنف بمفهومه الصحيح، فالعنف هوَ عبارة عن سلوك موّجه مُتعمد ومقصود نحوَ هدف مُعين، يُستخدم بهدف السيطرة على هذا الهدف وجعلهِ مُطيعاً لهُ، علاوة على ذلك يكون سلوك العنف مُوّجه للهدف بشكلٍ قاسٍ سواء كانَ {تهديداً أو لفظياً أو جسدياً} والعنف ضد الطفل هوَ عبارة عن شكل من أشكال القسوة في التعامل معهم للسيطرة عليهم سواءً كانَ العنف الأسري أو المدرسي أو العنف الموجود في الحياة، فالبعض يستغل رّقة وطيبة الأطفال وضعفهم الجسدي في استغلالهم وتعنيفهم بطريقة سيئة، مما يصل إلى حد إنتهاك حقوقهم وطفولتهم البريئة أحياناً.
ماهيَ أسباب العنف ضد الأطفال؟
بالتأكيد العنف الذي يُستخدم على الأطفال يومياً يكون لهُ أسبابه الخاصة التي تدفع أي فرد للقيام بتعنيف الطفل ومن هذه الأسباب:
1. الجهل والأميّة:
لابدَّ لنا أن نقّدم لكم الجهل والأميّة على أنهُ السبب الأول، فالجهل وخاصةً في الدول النامية منَ العالم وقلّة القراءة والاطّلاع عن حقوق الطفل وكيفية التعامل معهُ يؤدي لعدم معرفة ما يُمكن أن يلحق بالطفل من أضرار جسدية ونفسية وعقلية منَ الضرب والتعنيف، وبالتأكيد أنَ الدول المُتقدمة والأشخاص المُثقفين منَ المُمكن أن يقوموا بتعنيف الأطفال ولكن هذا يؤدي لسبب آخر وهوَ الشعور بالنقص والدونية.
2. الشعور بالنقص والدونية:
كما ذكرنا في الأعلى أنَ الشخص حتى لوكانَ مُثقفاً ويعيش في بلدٍ متطّور منَ المُمكن أن يقوم بتعنيف الطفل، ويعود هذا السبب إلى الشعور بالنقص لهذا الفرد وحالته النفسية المُضطربة التي تدفعه لتعنيف الطفل والسيطرة عليه.
3. الأسباب الأسرية:
وهيَ واحدة من أهم الأسباب، فالأسرة أحياناً لا تمتلك المعرفة الكافية بالطريقة الصحيحة لتربية الطفل وتنشئته اجتماعياً أو عدم معرفتهم باحتياجات الطفل، فيلجؤون بهذه الحالة إلى التعنيف النفسي أو اللفظي أو الجسدي ضد الطفل، علاوة على ذلك تفكّك الأسرة وعزلتها وعدم اختلاطها اجتماعياً ومشاكل الأسرة اليومية يؤدي أيضاً لتعنيف الطفل في كثيرٍمنَ الأحيان، أو أنَ أحد ما من أفراد الأسرة يُحب السيطرة والنفوذ على أفراد عائلته وخاصةً أطفاله الصغار.
4. أسباب نفسية:
فالآباء غير الواثقين من أنفسهم أو الأمهات اللواتي يُعانينَ من اضطرابات عقلية أو نفسية {كالاكتئاب، العزلة والوحدة} تؤدي أيضاً لتعنيف الطفل كونهُ الشيء الوحيد الموجود أمامهم لتفريغ كامل طاقتهم السلبية في وجهه.
5. أسباب اجتماعية واقتصادية:
أحياناً العيش في بيئة غير مُلائمة تؤدي لتعنيف الطفل أو الفقر أو بطالة أحد الوالدين وعدم القدرة على تحمل مصاريف الطفل، أو حتى انتشار الجهل في المجتمع وانتشار فكرة أنَ الأبوين يحق لهم السيطرة الكاملة على أطفالهم، أو زرع فكرة في المجتمع أنَ الطفل بحاجة إلى عقاب وتعنيف ليُصبح طفلاً قوياً.
قد يهمك: ما هو دور الوالدين في غرس القيم الاخلاقية في الأبناء؟
ما هيَ أنواع العنف ضد الأطفال الشائعة في العالم؟
للعنف ضد الأطفال أنواع مُتعددة منها:
1. العنف الجسدي:
غالباً يُستخدم هذا النوع من أحد أفراد الأسرة أو الأقرباء أو بعض الغرباء على الطفل، وهوَ فعل مقصود وهدفهُ إلحاق الضرر الجسدي بالطفل وإيذائه بشتّى الطرق، كالضرب المُبرح أو الصفع بقوّة على الوجه، وهذا النوع قد يُلحق الضرر بالطفل على حسب قوّة الضرب المُستخدمة معه، فأحياناً من كثرة الضرب المتواصل يفقد الطفل تركيزه ويفقد حياته وذلكَ لضعف جسده وقوّته على تحمل هذه الضربات القاسية، وأحياناً يتعرّض الطفل للكسر في عظامه أو رأسه، وأحياناً تظهر بعض الكدمات ذات اللون الأزرق على جسم الطفل.
2. العنف الجنسي:
وهوَ شكل من أشكال العنف الجسدي ولكنهُ أكثر إيذائاً لنفسية الطفل وصحتّه، فيوجد بعض الأشخاص المريضين نفسياً يقومون بالاعتداء الجنسي على الأطفال الصغار كونهم لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، وهؤلاء الأفراد يجب مُعاقبتهم واحداً تلوَ الآخر و تطبيق أقصى العقوبات عليهم، والعنف الجنسي يعمل على تدمير الطفل أخلاقياً ونفسياً وجسدياً.
3. العنف النفسي:
هُنا يقوم بعض الوالدين بالصراخ وإلقاء الكلمات السيئة على أطفالهم، وأحياناً يصل بعض الوالدين إلى رفض أبنائهم وعدم تقديم أي حق من حقوق الطفل أو الترهيب من شيء مُعيّن وإخافته منهُ أو حتى عزل الطفل عن الآخرين ومنع اختلاطه بالمجتمع، أو إفساد أخلاق الطفل كالتشجيع على القيام بأشياء غير أخلاقية {كالكذب، السرقة} أو حتى تجاهل الطفل وعدم العناية الكافية بهِ وإهماله بشكلٍ تام {كالإهمال الجسدي، الصحي، التربوي، الثقافي، الفكري}.
ماهيَ الآثار السلبية التي تظهر على الطفل بعدَ التعنيف؟
توجد الكثير منَ الآثار السلبية التي تؤثر على نفسية الطفل وصحتّه الجسدية والذهنية ومنها:
- بعض الأطفال يتعرّضون للاكتئاب واليأس في سنٍ صغيرة.
- عدم الثقة بالنفس والخوف من أي شيء.
- الميول إلى العنف والسلوك غير الأخلاقي عندما يكبرون.
- منَ المُمكن اللجوء إلى الانتحار للتخلّض منَ العذاب.
- صعوبة في التركيز | خلل في الدماغ |ضعف في الذاكرة.
- ضعف المهارات الاجتماعية وقلّة التواصل بينَ الناس.
- الشعور بالحزن الدائم.
- زيادة الغضب.
- صعوبة في النوم والتفكير الزائد.
- التوّرط في الأعمال غير الأخلاقية {السرقة، القتل، المخدرات}.
- التغيب عن المدرسة والتدني في العلامات الدراسية.
- رؤية الكوابيس والأحلام المُخيفة.
- العزلة وحب الابتعاد عن الناس.
- الميول إلى إيذاء الحيوانات الصغيرة أو إيذاء أي أحد يقترب منَ الطفل عندما يكبر.
- كره كبير وحقد للمجتمع.
- الشعور ببعض الآلام أيضاً {كالتأتأة، الصداع، آلام في المعدة، اضطرابات معوية}.
- التبول اللاإرادي.
ما هيَ الحلول المقترحة لحماية الأطفال والحدّ من تعنيفهم؟
- يجب أن يزداد الوعي بشكلٍ كبير عن حقوق الطفل وكيفية تربيته والتعامل معهُ بشكلٍ سليمٍ وصحي، وذلكَ من خلال شبكة الإنترنت {كالمواقع الإلكترونية، المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، البرامج التوعوية} فهيَ ستُقدّم المعرفة الكاملة بكيفية التعامل معَ الطفل والخطر الذي يلحق بهِ منَ العنف الزائد.
- وضع قوانين صارمة بمعاقبة أي فرد يُلحق الأذى النفسي أو الجسدي بالطفل، فهذه القوانين ستُسهم في خفض نسبة الإعتداء على الأطفال وممارسة العنف معهم، علاوة على ذلك يجب أن تكون هذه القوانين معروفة في المجتمع وصارمة، وأي أحد يُحاول تعنيف أي طفل هُناكَ قانون سيُحاسبه ويمنعه من ذلك.
- عمل دورات تدريبية للوالدين وخاصةً إذا كانوا غير مثقفين أو مُطلعين على حقوق الطفل، تختص هذه الدورات في كيفية التعامل معَ الطفل وتأديبه بطريقة غير عنيفة.
- تطوير الخدمات التي تُساعد الطفل المُعنف في إعادة تأهيله نفسياً وجسدياً من خلال دورات يخضع لها الطفل، ومن ثمَ إعادته إلى المدرسة وإبعاده عن جو العنف المتواجد في المنزل أو الأماكن العامة.
والآن،، سنقدّم لكم مثال حقيقي لفتاة تدعى {بيث} تعرّضت للعنف الأسري وهيَ في الرابعة من عمرها:
بيث طفلة صغيرة في الرابعة من عمرها يوجد لديها أخ صغير يُدعى {جون}، كانوا يعيشون في مركز رعاية الأطفال إلى أن جاءت اللحظة التي قرّرت بها عائلة توماس تبني هذين الطفلين، ولكن كانت الصدمة مُفاجئة لهم، أنَ هذه الفتاة كانت تكبر معهم ولكنها ليست كباقي الأطفال، كانت تضرب أخيها بينَ الحين والآخر، وتُدّمر جميع أثاث المنزل، وأحياناً كانت تقوم بالاستيقاظ في الليل ومحاولة الهجوم على أمها وأبيها في التبني من خلال تخويفهم بالسكين أو الأدوات الحادّة التي كانت تأتي بها منَ المطبخ، حتى أن وصلت بها الحالة إلى تدمير عش مليء بالعصافير وقطع رؤوسهم وهيَ في الخامسة من عمرها دون أن تبكي أو تخاف من أي شيء، بعدَ ذلك أصبحت عائلتها بالتبني تخاف من تصرفاتها المُرعبة فهيَ ليست تصرفات طفلة صغيرة بل تصرفات فتاة تكره أي أحد يقترب منها، حاولوا الاتصال بمركز الرعاية الذي كانت تتواجد بهِ بيث هيَ وأخيها، ولكن كانت الصدمة مُفاجئة لعائلة توماس ومُحزنة جداً، عندما قالَ لهم شخص من مركز التبني أنَ والدة هذه الطفلة قد توفيت عندَ ولادتها لجون، وكانَ الطفلين يعيشان مع والدهما الظالم، فوالد بيث الحقيقي كانَ يقوم بتعنيفها جسدياً بينَ الحين والآخر، ولم يكتفي بذلك بل قام بالإعتداء عليها جنسياً وهيَ في الرابعة من عمرها، وكانَ لا يقدّم لهما إلّا الطعام السيء والغير صحي وكانوا يعيشون في منزل شبيه بالقمامة من كثرة الأوساخ والطعام الفاسد، فكانَ هذان الطفلان يُعانيان من فقر الدم وقلّة الطعام إلى أن تمَ اكتشاف مكانهما ونقلهما إلى مركز الرعاية، تفاجئت عائلة توماس بهذا الخبر المُحزن، كيفَ لأب أن يقوم بأذيّة طفليه وتعنيفهم جسدياً والاعتداء على طفلته، لذلك قرّرت عائلة توماس بإرسال الطفلة إلى أطباء نفسيين مختصين بالأطفال وعندما سأل الطبيب المختص {بيث} ماهيَ أمنيتك يا بيث؟ أجابتهُ بردٍ مُخيف وهوَ أن أقتل كل العالم وأتلذذ بأوجاعهم.
وعلينا بالذكر، أنَ الطفلة بيث معَ مرور السنوات تلّقت العلاج الكامل والعناية والرعاية والحب والإهتمام من عائلة توماس والأطباء النفسيين، فقد تمَ تحريرها من قيود ذكرياتها العنيفة، واستطاعت التخلص منَ الوحش الموجود داخلها، وأصبحت بيث توماس الآن أشهر ممرضة تعمل على مساعدة الأطفال المُعنفين، كما أنها أصدرت الكثير منَ الكتب التحفيزية وأصبحت فتاة مليئة بالحياة والتفوّق والإيجابية.
يكثر الشرّ في عالمنا،، وتعنيف الأطفال أمر ليسَ جديد علينا، لكن يُمكننا القيام بتوعية الآخرين للحفاظ على أطفالهم، فالطفل يحتاج إلى الرعاية والحب والحنان حتى يُصبح شخصاً متفوقاً، وقصة بيث ما هيَ إلّا مثال عن أنَ الطفل يحتاج إلى الرعاية والحب ليُصبح شخصاً أفضل.
{نتمنى أن يعجبكم المقال أيها الرائعون}.