النمو السكاني
لنبدأ مقالنا بتعداد سكاني يتضمن ألف أرنب، ولنفترض أن هذا النمو يزداد 10٪ في كل شهر، ولكن كيف ذلك؟
لنرسم جدول لتوضيح ذلك أكثر، وسنخصص الخانة الأولى لرقم الشهر، والثانية لعدد الأرانب.
في البداية، أي في الشهر 0، سيكون عدد الأرانب 1000 أرنب كما افترضنا أعلاه.
بعد مرور شهر، سيزداد عدد الأرانب 10٪، وهذا يعني أننا سنضرب عدد الأرانب بالعدد 1.1، أي سيُصبح عددهم 1100 أرنب، أو 1000 مضروبة في 1.1.
في الشهر الثاني، سيصبح عدد الأرانب 1210 أو 1000 مضروبة في مربع العدد 1.1.
في الشهر الثالث، سيصبح عدد الأرانب 1331، أو العدد 1000 مضروب في مكعب العدد 1.1، وهكذا نستمر إلى نهاية الجدول، أو حتى نصل لشهر معين نرمز له بالرمز س.
وهذا يعني أن عدد الأرانب في الشهر س، سيكون العدد 1000 مضروبًا في العدد 1.1 أس العدد س.
أنواع النمو السكاني
النمو المتسارع
يُطلق على النمو السكاني في المثال أعلاه اسم النمو المتسارع، وهذا لأنه يتبع قاعدة معينة وثابتة للنمو في حال توفر الموارد الكافية من غذاء ومسكن، وفي حال عدم وجود مفترسات تُنافس السكان على مواردهم.
من الجدير بالذكر أن كل بيئة تتضمن ما يُطلق عليه اسم القوة الاستيعابية القصوى، وهو المقدار الذي يُمكن للبيئة أن تتحمله من المخلوقات الحية وتوفر لهذه المخلوقات الموارد الكافية للبقاء على قيد الحياة.
يُمكن للنمو المتسارع أن يستمر إلى المالانهاية طالما أن الموارد الأساسية للبقاء على قيد الحياة لا تزال متوفرة.
ولكن هذا مستحيل عمومًا، ففي وقت ما عندما يزداد نمو الكائنات الحية ليكون أعلى من القوة الاستيعابية القصوى لن تستطيع المخلوقات الحية الاستمرار في التزايد.
أما إذا كان عدد السكان أقل من القوة الاستيعابية، فهذا يعني أنه لا تزال هناك فرصة للاستمرار في نموه في نظام بيئي ما.
النمو اللوجستي
يُعبر عن النمو المتسارع بمنحنى النمو اللوجستي في الصورة أدناه.
نُلاحظ أن النمو السكاني بدأ يتسارع بشكل ثابت، حتى وصل إلى حد القوة الاستيعابية القصوى، ثم استمر النمو حينها بوتيرة ثابتة دون تسارع.
يُطلق على هذا المنحنى اسم النمو اللوجستي.
تنظيم السكان
ذكرنا أعلاه أن عدد السكان يمكن أن يزداد حتى يصل إلى حد القوة الاستيعابية القصوى، وبذلك تصبح الموارد في النظام البيئي غير كافية.
سنستعرض نوعين من أنواع تنظيم السكان، والنوع الأول هو التنظيم الذي يعتمد على الكثافة، أما الثاني فهو التنظيم الغير معتمد على الكثافة.
التنظيم المعتمد على الكثافة
بعد مرحلة النمو المتسارع، وهذا يعني زيادة عدد السكان وبالتالي كثافتهم، تبدأ العوامل المعتمدة على الكثافة بالتأثير على السكان.
أبرز الأمثلة على هذه العوامل المنافسة على الموارد الطبيعية، كالماء، الغذاء أو السكن.
على سبيل المثال ما حدث في أستراليا في متوسط الثمانينات، حيث زاد عدد الأرانب بشكل ضخم حتى وصل عددها إلى ما يُقارب مليار أرنب.
على الرغم من شكل الأرانب اللطيف، ولكن هذا الحدث كان كارثة بحد ذاته، وهذا لأن الأرانب بدأت باللجوء إلى حقول البشر والتغذي على كنوزهم الزراعية.
في هذه الحادثة ظهرت الدولة وكأنها أرض قاحلة، وهذا لأن الأرانب تغذت على جميع الأعشاب والمحاصيل التي زرعها البشر.
من الموارد المهمة أيضًا الضوء، كمية الماء المتوفرة وحتى نسبة العناصر الغذائية في التربة.
فعلى سبيل المثال تحتاج النباتات لضوء الشمس للقيام بعملية البناء الضوئي، ولكن ماذا عن الحشائش القصيرة التي تقع أسفل الأشجار العملاقة؟
بالتأكيد ستعاني الحشائش القصيرة للغاية من عدم وصول أشعة الشمس الكافية لها، وهذا يُمكن أن يؤدي إلي موتها.
تحتاج المخلوقات الحية أيضًا إلى المأوى، فإذا لم تستطع العثور على مأوى مناسب نتيجة زيادة كثافة السكان بشكل مفرط فستعاني هذه المخلوقات الحية بالتأكيد من عدم القدرة على الراحة أو التكاثر.
في نقطة ما، عندما تزداد الكثافة السكانية وتصل إلى حد القوة الاستيعابية القصوى، سيصعب على بعض الأفراد الحصول على مواردهم الطبيعية التي تدعمهم للبقاء على قيد الحياة.
من العوامل الأخرى التي تعتمد على كثافة السكان وجود المفترسات.
فمثلًا في المثال أعلاه، ازداد عدد الأرانب بشكل ضخم، مما يُسهل على المفترسات عملية العثور على الأرانب وافتراسها.
هناك أيضًا عامل خفي يعتمد على الكثافة، هذا العامل يتضمن زيادة خطر الإصابة بالأمراض المعدية، سواء الناتجة عن فيروسات، بكتيريا أو فطريات.
فإذا أصيب أرنب واحد من المثال أعلاه بفيروس ما، سيسهل على هذا الفيروس إصابة معظم الأرانب الأخرى بالعدوى، وخصوصًا أن المنطقة مكتظة بأعداد هائلة من الأرانب.
تراكم النفايات هو عامل آخر يعتمد على الكثافة، فإذا زاد عدد السكان بشكل مبالغ به ستزداد النفايات وتتراكم، ويمكن أن تلوث المياه والغذاء، وتدعم العامل السابق وتزيد من الأمراض.
هذه العوامل جميعها هي التي تمنح البيئة قوة استيعابية محددة، فإذا زاد عدد الأنواع بشكل مبالغ به سيواجهون العديد من المشكلات.
قد تلجأ بعض الحيوانات في هذه الحالة إلى الهجرة إلى مكان آخر، وهذا ممكن في الحقيقة!
ولكن بعض الحيوانات الأخرى يمكن أن تواجه خطر الانقراض بسبب زيادة معدل الوفيات.
التنظيم الغير معتمد على الكثافة
أما النوع الثاني فيُطلق عليه اسم التنظيم الغير معتمد على الكثافة، ولتوضيحه نلاحظ أن العوامل المعتمدة على الكثافة هي عوامل حيوية في الغالب.
أما التنظيم الغير معتمد على الكثافة فيتضمن عوامل غير حيوية، وهذا يعني أنه لا يعتمد بأي شكل من الأشكال على المخلوقات الحية، سواء بأنواعها المختلفة أو أعدادها.
أبرز مثال على هذا النوع هو الكوارث الطبيعية كحرائق الغابات.
في هذه الحالة، لم تقترب المخلوقات الحية من القوة الاستيعابية، ولم تقم بإشعال الحرائق، ولكن هذه الحرائق ستقتل أعدادًا ضخمة من المخلوقات الحية في الغالب.
السيول، الزلازل والتسونامي هي أيضًا كوارث طبيعية يُمكن أن تقلل أعدادًا هائلة من المخلوقات الحية.
من الجدير بالذكر أن أحد النظريات التي توضح سبب انقراض الديناصورات تقول أنها انقرضت بسبب نيزك أصاب الكرة الأرضية خلال فترة حياتها.
وهذا النيزك هو عامل آخر غير معتمد على الكثافة، ويتميز التنظيم الغير معتمد على الكثافة بأن عدد السكان سينخفض فجأة بغض النظر عن قربه أو بعده عن القوة الاستيعابية القصوى.
البشر وتنظيم السكان في البيئة
أي نحن البشر ضمن كل هذا؟
فنحن أيضًا نوع من أنواع المخلوقات الحية، ونحن نعيش على هذا الكوكب أليس كذلك؟
في الحقيقة، كل هذا الأمر المتعلق بالقوة الاستيعابية القصوى متعلق بنا أيضًا، وما يحدث مع المخلوقات الحية في الغابات يُمكن أن يحدث معنا أيضًا في قرانا ومدننا.
في الحقيقة تطرق أحد الفلاسفة لذكر هذا الأمر، وهو الفيلسوف توماس روبرت مالتوس.
شعر توماس بالقلق لأن التعداد السكاني للبشر يزداد بشكل لا يمكن السيطرة عليه، ونتيجة لذلك يمكن أن تحدث كارثة متعلقة بنقص الموارد في أي وقت.
إذا ازداد عدد السكان، سيزداد خطر المجاعات، انتشار الأمراض وغيرها من العوامل التي تعتمد على الكثافة.
لكن الأمر الذي لم يدركه توماس، هو أن الحاجة أم الاختراع.
استطعنا نحن البشر في كثير من الأوقات تخطي القوة الاستيعابية القصوى ورفع مستواها عن طريق اختراعاتنا، بالإضافة إلى الوسائل التي نتبعها لتوفير المزيد من مصادر الغذاء وتنظيم عدد أكبر من المساكن ليتسع المكان لأعدادنا الهائلة.
كما أن البشر قادرون على ابتكار الوسائل التي تساهم في تنظيم النفايات والتخلص منها بطريقة صحية، علاوة على أننا نحاول ابتكار اللقاحات والأدوية للتخلص من الأمراض والأوبئة.
برأيك، هل يمكن أن يصل البشر إلى حد لا يمكنهم الاستمرار بعده؟
أم سيكون البشر دائمًا قادرين على ابتكار الوسائل التي تحافظ عليهم؟