عالم الأحياء 7: خصائص الماء

[faharasbio]

عالم الأحياء 7: خصائص الماء

تطرقنا في المقال الثالث في سلسلة عالم الأحياء إلى علاقة الماء بالحياة، وذكرنا أن الماء هو أساس الحياة، فكل العمليات الحيوية التي تحدث داخل أجسام المخلوقات الحية تعتمد على الماء.

حتى أن هذه العمليات الحيوية تحدث في داخل الماء نفسه، فسيتوبلازم الخلية يتألف من الماء، ومعظم العمليات الحيوية إن لم تكن كلها تحدث فيه.

نحن، الذين نكتب ونقرأ هذا المقال في هذه اللحظة، 60 إلى 70% من أجسادنا تتكون من الماء.

حتى عندما يبحث العلماء عن إمكانية العيش على كوكب آخر، فإن أول مظاهر الحياة التي يبحثون عنها هي توفر الماء على هذا الكوكب.

ولكن لماذا يحظى الماء بهذه الأهمية، لمعرفة هذا سنُركز أكثر على تركيبه الكيميائي.

خصائص الماء

كما عرفنا، فالماء يتكون من ذرة أكسجين تتحد مع ذرتي هيدروجين، ويرتبطان معًا في رابطة تساهمية.

ومن الجدير بالذكر أن الأكسجين أكثر كهروسالبية من الهيدروجين، وهذا يعني أنه يميل إلى الاستحواذ على الإلكترونات أكثر من الهيدروجين، وهذا ما يجعل الماء جزيئًا قطبيًا.

نتيجة لذلك يمتلك جزيء الماء شحنة جزئية موجبة قرب ذرتي الهيدروجين، وشحنة جزئية سالبة قرب ذرة الأكسجين.

إذا وضعنا جزيء ماء آخر، فالجانب ذو الشحنة الجزئية السالبة من جزيء الماء الثاني سيتحد مع جانب الشحنة الجزئية الموجبة في الجزيء الأول، وهذا يعني أن ذرة الأكسجين من الجزيء الثاني ستتحد مع ذرة هيدروجين من الجزيء الأول، وهذه هي الرابطة الهيدروجينية.

شرحنا الرابطة الهيدروجينية مجددًا في هذا المقال لأنها تمن الماء العديد من الخصائص.

على الرغم من أن الرابطة الهيدروجينية أضعف من الرابطة التساهمية، ولكنها تمنح الماء قوامه السائل في درجة الحرارة المعتدلة.

لماذا يُعتبر الماء مذيبًا جيدًا؟

أهم خصائص الماء تكمن في كونه مذيبًا ممتازًا، وهذا يعني أنه يُمكن لأشياء محددة الذوبان في الماء، وهذا مهم للغاية، ويُعتبر أساس العديد من العمليات الكيميائية الحيوية.

ما يمنح الماء هذه القدرة الفريدة على إذابة مختلف الجزيئات هو قطبية الماء، ولفهم معنى القطبية بشكل أوضح سنستخدم مركب ملح الطعام أو كلوريد الصوديوم كمثال.

يتكون مركب كلوريد الصوديوم من ارتباط الكلوريد مع الصوديوم برابطة أيونية، فالصوديوم يمتلك شحنة موجبة ويحتاج إلى خسارة إلكترون أما الكلوريد فهو سالب الشحنة ويحتاج إلى اكتساب إلكترون.

لكن ماذا يحدث عندما نضع كلوريد الصوديوم في الماء، بمعنى آخر عندما نُذيب الملح في الماء.

حينها الجزء السالب من جزيء الماء وهو قرب الأوكسجين، سيجذب أيون الصوديوم الموجب، والجزء الموجب من جزيء الماء وهو قرب الهيدروجين، سيجذب الجزء السالب من ملح الطعام وهو أيون الكلوريد.

مصدر الصورة: Khan academy

وهذا يعني أن ملح الطعام يذوب في الماء، ويُطلق على الماء في هذه الحالة اسم المذيب، وملح الطعام هو المذاب.

وبالتالي يُمكن للماء أن يكون مذيبًا ممتازًا للمركبات التي تتألف من روابط أيونية، ويُطلق على هذه المركبات اسم المركبات المحبة للماء (بالإنجليزية: Hydrophilic).

أما المركبات أو الجزيئات التي لا تمتلك شحنة، ولا تذوب في الماء يُطلق عليها اسم المركبات أو الجزيئات الكارهة للماء (بالإنجليزية: Hydrophobic)، ومن أبرز الأمثلة عليها الزيت.

التماسك والالتصاق

لو أحضرنا أنبوبًا زجاجيًا وملأناه بالماء، سنتوقع أن يكون سطح الماء مستويًا، ولكنه في الحقيقة سيكون منحنيًا بشكل بسيط.

سيكون مستوى الماء أعلى بقليل في حواف الأنبوب، وكلما ابتعدنا عن الحافة ينخفض مستوى الماء أكثر، مظهرًا شكل مقعر أو مقوَّس.

لنحضر أنبوبًا زجاجيًا آخر، ولنملأه بمادة سائلة أخرى كالزئبق مثلًا، سنُلاحظ منحنى مختلف، حيث يجتمع الزئبق في الوسط وينخفض مستواه على الأطراف.

ما سبب ذلك؟

يعود السبب في ذلك إلى انجذاب الماء أكثر للزجاج، وهذا لأن للزجاج قطبية بسيطة، حيث يتألف الزجاج من أكسيد السيليكون أو ما يُعرف باسم السيليكا.

يتألف أكسيد السيليكون من ذرة سيليكون موجبة ومرتبطة بذرتي هيدروجين سالبتين، علاوة على أن بين الأكسجين والسيليكون كهروسالبية أعلى من الكهروسالبية بين الأكسجين والهيدروجين.

نتيجة لذلك تنجذب جزيئات الماء إلى الزجاج أكثر من انجذابها لجزيئات الماء الأخرى، وهذه هي خاصية الالتصاق.

أما ترابط ذرات الماء معًا، كما نرى في قطرة الماء، فهذه هي خاصية التماسك، ويعتبر الالتصاق والتماسك من أشهر خصائص الماء.

في مثال أنبوب الزئبق، تكون الروابط بين ذرات الزئبق أقوى من الروابط بين الزئبق والزجاج، ولهذا السبب يكون مستوى الزئبق في الوسط أعلى من الأطراف.

لنبدأ بتجربة أخرى، إذا أحضرنا وعاء من الماء، ووضعنا بداخل الماء ماصة أو أنبوب دقيق للغاية، سنُلاحظ ارتفاع الماء أعلى من مستواه في الوعاء بشكل ملحوظ، ويُطلق على هذا اسم الخاصية الشعرية.

الخاصية الشعرية

تعمل الخاصية الشعرية في أجسادنا أيضًا، فهي التي تسمح بانتقال الماء في الشعيرات الدموية الدقيقة للغاية في الجهاز الدوري.

ما يحدث في الخاصية الشعرية هو عبارة عن خاصية التصاق الماء في الزجاج، ولأن الزجاج رقيق للغاية يرتفع مستوى الماء بشكل ملحوظ، وهذا ينطبق على شعيراتنا الدموية.

ينطبق الأمر ذاته على كيفية امتصاص الخرقة القماشية للماء المنسكب على الأرض، حيث ينتقل الماء بواسطة الخاصية الشعرية ليملأ الفراغات الدقيقة في النسيج القماشي.

التوتر السطحي

إذا نظرنا لسطح الماء، سنرى أن سطح الماء أملس، ولكنه في الحقيقة على المستوى الجزيئي خشن وغير أملس، وهذا لأنه يتألف من مجموعة من جزيئات الماء المتحدة معًا والغير متلاصقة تمامًا.

على سطح الماء، يرتبط جزيء الماء بجزيء ماء آخر أسفله، يمينه وعلى يساره، ولكنه لا يرتبط بأي جزيء ماء فوقه، فوقه فقط الهواء بمكوناته المختلفة.

نتيجة لذلك ترتبط جزيئات الماء على السطح بشكل أقوى قليلًا مقارنة بجزيئات الماء أسفل السطح، وتقل المسافة بين الجزيئات مما يولد قوى بين جزيئية.

نتيجة لذلك تحدث ظاهرة يُطلق عليها اسم التوتر السطحي للمياه، ومن أبرز الأمثلة على التوتر السطحي قطرة الماء.

حيث إن قطرة الماء تبقى متماسكة على شكل قطرة، وهذا التماسك يعود إلى التوتر السطحي على سطح الماء.

مثال آخر على التوتر السطحي، عندما تقف حشرة على سطح الماء دون أن تغرق، هذه الحشرة تستطيع استغلال القوة بين جزيئات الماء على السطح حتى تقف دون أن تغرق.

التوتر السطحي

تغيرات درجة الحرارة

كما ذكرنا سابقًا، الرابطة الهيدروجينية تمنح الماء العديد من الخصائص، أهمها بأنه يُمكن للماء أن تتغير حالته وفق درجات الحرارة المختلفة.

إذا كانت درجة الحرارة مرتفعة للغاية، سيتحول الماء إلى بخار، وسيُصبح في حالته الغازية، أما في درجة الحرارة شديدة البرودة، فسيتحول إلى حالته الصلبة على شكل جليد.

في الحالة الغازية، بسبب ارتفاع درجة الحرارة تكسر الروابط الهيدروجينية، وهذا لزيادة حركة الإلكترونات حول نواة الذرة.

وعندما تنخفض درجة الحرارة ويتجمد الماء تقل الطاقة الحركية للإلكترونات المحيطة بالنواة، وتقل المسافة بين جزيئات الماء، وبالتالي يزداد تماسكها معًا وتزداد قوة الروابط الهيدروجينية.

كما يتمدد الماء حين تجمده، وهذا ما يجعل كثافته تنخفض على عكس كل السوائل الأخرى، ولهذا السبب لا تتجمد البحيرات، وهذا أيضًا من خصائص الماء المميزة، حيث يتجمد سطح البحيرات فقط، وتستطيع الأسماك التي تعيش في الماء السباحة بحرية.

[ppc_referral_link]