دولة المماليك في الهند
الكثير منا يعرفون دولة المماليك في مصر ولكن من النادر أن يعرف أحد أن هناك دولة أخرى للمماليك في الهند بسبب التعتيم الشديد على تاريخ الدول المسلمة في الهند والتي كانت تسمى بأندلس الشرق. فدعونا نتعرف معًا على بعض ومضات من تاريخ دولة المماليك في الهند.
قيام دولة المماليك في الهند
قامت الدولة الغورية (543 – 613هـ / 1148 – 1215م) على أنقاض الدولة الغزنوية التي كانت تملك بلاد الغور والأفغان والهند الشمالية، واستعان السلطان شهاب الدين محمد الغوري في حكم بلاده بالمماليك الذين كان يشتريهم ويخصّهم بعنايته، ويعدهم للغزو والجهاد، ويرقي منهم من تؤهله ملكاته ومواهبه للقيادة ومناصب الحكم، وعُرف من بين هؤلاء المماليك “قطب الدين أيبك”، وقد ذكر الرحالة ابن بطوطة – الذي زار هذه المنطقة وعاش بها فترة من الزمن – أن “قطب الدين أيبك” فتح دهلي سنة 584هـ، وقال إنه قرأ هذا التاريخ مدوّنًا على محراب الجامع الكبير في المدينة. فولى السلطان محمد الغوري ولاية دلهي لقطب الدين وجعله مُقدَّم الجيوش “سياه سالار”.
قطب الدين أيبك
ولم تطل الحياة بالسلطان محمد الغوري حيث تعرض لعملية اغتيال في سنة (603هـ / 1206م) بلا وريث، فاعتلى قطب الدين أيبك عرش دلهي وفي عهده دشن عصر دولة المماليك في الهند، وتهيأت الظروف لأن تبرز مدينة دلهي، باعتبارها عاصمة لدولة سلاطين المماليك بالهند. وكان قطب الدين قائدًا ماهرًا وحاكمًا عادلًا يتمسك بالإسلام ويكره الظلم والعسف، ويبغض نظام الطبقات الذي كان سائدًا في الهند، ويُنسب له في دلهي مسجد رائع، ذو منارة سامقة، ما تزال قائمة حتى اليوم تُعْرف باسمه “قطب منار”، ويصل ارتفاعها إلى 250 قدمًا.
ولم يهنأ قطب الدين أيبك بما هيأته له الظروف، فقد لقي حتفه هو الآخر إثر وقوعه من على ظهر فرسه سنة (608هـ / 1210م) وخلفه ابنه “آرام شاه” لكنه لم يكن مؤهلًا لأن يتولى شئون البلاد فقام “لَلْمِش” أحد مماليك أبيه البارزين بخلعه من الحكم بمساعدة بقية الأمراء، وجلس على عرش البلاد في عام (614هـ / 1216م). وكلمة “للمش” تنطق كذلك “التمش” أو “الايلتمش” أو “أيلتمش” أو “ألتتمش”.
ولاية شمس الدين لَلْمِش
يعد “شمس الدين لَلْمِش” المؤسس الحقيقي لدولة الممالك بالهند، وهو في الأصل مملوك اشتراه السلطان قطب الدين أيبك من غزنة، ومكنتّه مواهبه من تولي المناصب الكبيرة، وحظي بثقة سيده؛ فولاه رئاسة حرسه، ثم عهد إليه بإدارة بعض الولايات الهندية كما جعله قائدًا لجيوشه ونائبًا عنه.
وكان قد تزوج من ابنة سيده الراحل، الذي كافأه بهذا الزواج على حماسته وإخلاصه، وعندما أعلن استبداده بالحكم ثارت الشائعات حول عبوديته لسيده الراحل، وهل تم عتقه وتحريره أم لا؟ فتوجه عدد من الفقهاء وعلى رأسهم قاضي القضاة وجيه الدين الكاساني إلى السلطان الجديد وجلسوا في مجلسه وعيونهم تنطق بما جاء بهم إلى مجلسه، وفهم الرجل مرادهم فأخرج عقدًا مكتوبًا بأنه حر وتم عتقه، فبايعه الفقهاء والقاضي وبايعه الناس.
وما إن أمسك “التمش” بمقاليد الأمور في البلاد حتى كشف عن كفاءة نادرة وقدرة على الإدارة والتنظيم، ورغبة في إقامة العدل وإنصاف المظلومين. وقد عاصر “التمش” اجتياح المغول المدمّر لما حولهم من البلاد بقيادة زعيمهم جنكيز خان، غير أن المغول انسحبوا سريعًا من الهند، واتجهت أبصارهم نحو الغرب؛ فنجت بلاد التمش من الخراب والدمار، في حين تكفّل هذا الإعصار المغولي بالقضاء على أعداء دولته في الشمال؛ الأمر الذي مكّنه من توسيع رقعة بلاده، وأن يستعيد جميع ممتلكات سيده “قطب الدين أيبك” على حساب الراجبوت في شمال الهند.
وبلغ الفوز مداه بأن اعترفت الخلافة العباسية بولايته على الهند، وأقرّته سلطانًا على البلاد، وبعث له الخليفة “المستنصر بالله” العباسي بالتقليد والخلع والألوية في سنة (626هـ / 1229م) فأصبح أول سلطان في الهند يتسلم مثل هذا التقليد، وبدأ في ضرب نقود فضية نُقش عليها اسمه بجوار اسم الخليفة العباسي، فكانت أول نقود فضية عربية خالصة تُضرب في الهند، وفي عام 634هـ / 1236م توفي السلطان شمس الدين ألتمش وتولى ابنه ركن الدين فيروز العرش.
يتبع في الحلقة القادمة قصة السلطانة رضية الدين بنت السلطان شمس الدين ألتمس.
إقرأ أيضًا: السلطان المجاهد تيبو الشهيد – صفحات من التاريخ – الصفحة الواحدة والعشرون