عالم الأحياء 3: الماء والحياة

عالم الأحياء 3 الماء والحياة
شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

عالم الأحياء 3: الماء والحياة

عندما ننظر إلى الفضاء الواسع، ونبحث في حياة المخلوقات الحية، فإننا نُلاحظ أن أساس هذه المخلوقات الحية جميعها هو الماء.

حتى عندما يبحث علماء الفلك عن إمكانية العيش على كواكب أخرى، فإن أول ما يبحثون عنه هو الماء، فإذا وُجد الماء وُجدت الحياة.

جزيء الماء

لفهم هذا علاقة الحياة بالماء بشكل أفضل، سننظر إلى الماء على شكل جزيئات لفهم خصائصه بشكل أفضل، وفي الصورة أدناه شكل جزيء الماء بحسب تركيبه الكيميائي.

يتكون كل جزيء من الماء من ذرة أكسجين واحدة، وهي موضحة في التركيب الجزيئي أعلاه باللون الأحمر، وترتبط ذرة الأكسجين مع ذرتي هيدروجين، وتم التعبير عنهم باللون الأبيض في الصورة أعلاه.

ويُطلق على نوع الرابطة التي تربط بين الأكسجين وذرتي الهيدروجين اسم الرابطة التساهمية (بالإنجليزية: Covalent bond)، وهذا يعني أن الأكسجين يُساهم بإلكترون منه لكل ذرة هيدروجين.

لكن من الجدير بالذكر أن الأكسجين أكثر كهروسلبية، وهذا يعني بأنه حتى عندما يمنح الأكسجين إلكترونات للهيدروجين، فهذه الإلكترونات تبقى أقرب للأكسجين منها للهيدروجين.

يُمكن التعبر عن هذا وكأن الأكسجين يحتل ويتمسك بالإلكترونات أكثر من الهيدروجين.

وبما أن الإلكترون يُمضي وقتًا أطول قرب الأكسجين أكثر من الهيدروجين، فعذا يعني أن الأكسجين يمتلك شحنة جزئية سلبية.

يُعبر عن الشحنة السلبية في الكتب العلمية بالرمز دلتا – d، كما يمتلك الهيدروجين شحنة جزئية موجبة.

وبالتالي، تُلغي كل شحنة الأخرى، مما يجعل جزيء الماء غير مشحون، ولكن كلًا من ذرة الهيدروجين وحدها أو ذرة الأكسجين وحدها يمتلكان شحنة، وعند اتحادهم يُكونان جزيء ماء غير مشحون، وهذا ما يجعل جزيء الماء جزيء قطبي (بالإنجليزية: Polar molecule).

وعندما تتحد جزيئات الماء معًا، ترتبط ذرة الأكسجين السالبة بذرة هيدروجين موجبة من جزيء ماء آخر، وهكذا تتحد جزيئات الماء معًا، ويُطلق على هذه الرابطة التي تربط جزيئات الماء معًا باسم الرابطة الهيدروجينية (بالإنجليزية: Hydrogen bond).

تمنح الرابطة الهيدروجينية العديد من الخصائص للماء، وتجعله مميزًا ليكون العنصر الأساسي لاستمرار الحياة.

الماء والحياة

تحتاج الحياة عمومًا لبيئة سائلة حتى تعيش، ويتميز الماء بامتلاكه العديد من الخصائص التي تُخوله أن يكون العنصر الأساسي للحياة.

في الفقرات الآتية خصائص الماء التي تجعله من أهم العناصر التي تحتاج إليها المخلوقات الحية.

مرونة الرابطة الهيدروجينة

الرابطة الهيدروجينية هي التي تسمح للماء في درجات حرارة معينة أن يكون في حالته السائلة، وهذا لأن جزيئات الماء لا تكون قريبة للغاية من بعضها ولا بعيدة تمامًا.

وفي درجات حرارة أخرى، تتباعد جزيئات الماء بشكل كبير، مما يُحول الماء إلى الحالة الغازية، وبالمثل في درجات حرارة شديدة البرودة تقترب ذرات الماء معًا مما يُحول الماء إلى الجليد.

وبذلك فالرابطة الهيدروجينية تمنح الماء مرونة ليُغير من طبيعته وشكله وفق اختلاف درجات الحرارة.

الذائبية العالية

علاوة على ما سبق، يُعتبر الماء مذيبًا رائعًا، لكنه ليس مثاليًا بالتأكيد، وهذا لأنه غير قادر على إذابة كل شيء.

ولكنه يبقى مذيبًا ممتازًا، وهذا ما يسمح لنا بخلط الماء بالسكر، الشاي، القهوة، الملح أو العديد من الأطعمة أو العناصر الأخرى، وعند مقارنته بالعديد من السوائل الأخرى يتفوق الماء عليهم.

كمثال على كيفية ذوبان بعض الجزيئات في الماء، لنذكر الملح، أو كما يُطلق عليه كميائيًا اسم كلوريد الصوديوم.

يتكون الملح من ذرة صوديوم موجبة الشحنة، وبالتالي فعند ذوبان الملح في الماء تتحد ذرة الصوديوم مع الأكسجين.

نستنتج من ذلك أن الماء قادر على إذابة الجزيئات المشحونة، وغير قادرة على إذابة الجزيئات الغير مشحونة.

كما سنتعلم مع تقدمنا في سلسلة عالم الأحياء عن الدهون المفسفرة المزدوجة، وإحدى نهاياتها محبة للماء (بالإنجليزية: Hydrophilic) وهذا يعني أنها قابلة للذوبان في الماء.

بينما نهايتها الأخرى كارهة للماء (بالإنجليزية: Hydrophobic) وهذا يعني أنها غير قادرة على الذوبان في الماء، ومن المثير أن هذه الدهون مودوجة في جدار جميع خلايا أجسامنا.

السعة الحرارية

للماء سعة حرارية عالية (بالإنجليزية: High heat capacity)، والتي يخلط الناس أحيانًا بينها وبين الحرارة النوعية (بالإنجليزية: The specific heat).

الحرارة النوعية هي كمية الطاقة التي يحتاجها الماء ليرفع درجة حرارة جرام واحد منه درجة سيليسيوز واحدة.

قد تتسائل ما الذي يجعل الحرارة النوعية مهمة للحياة؟

الحرارة النوعية العالية تجعل الماء لا يسخن كثيرًا أو يبرد بسرعة، وهذا يُسهل عليك شرب الماء في الأيام الحارة دون أن يحرقك الماء.

هذا يجرنا لمصطلح آخر وهو درجة حرارة التبخر (بالإنجليزية: Heat of evaporation) وللماء درجة حرارة تبخر عالية، وسيتم التحدث عن ذلك بالتفصيل في مقالات أخرى.

ولكن عمومًا يُقصد بدرجة حرارة التبخر كمية الطاقة التي يحتاجها الماء للتحول من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية.

عندما يتبخر الماء، ثم يبرد بخار الماء، فهذا يُقلل من درجة حرارة جسم المخلوق الحي، وهذا يُشبه آلية الجسم خلال التعرق.

خلال التعرق يُخرج الجسم الأملاح الزائدة مع بخار الماء، فيُبرد الجسم عندما تكون درجات الحرارة مرتفعة.

التماسك والالتصاق

التماسك (بالإنجليزية: Cohesion) والالتصاق (بالإنجليزية: Adhesion) هما أيضًا من الخصائص المهمة التي تجعل الماء أساسيًا في الحياة.

يُقصد بالتماسك، قدرة الماء على الالتصاق بجزيء الماء، وهذا على سبيل المثال ما يجعل جزيئات الماء تتجمع معًا على شكل قطرة ماء من خلال الرابطة الهيدروجينية بين ذرات الماء.

تُشكل قطرة الماء وحدها بيئة متكاملة، حيث تحتوي على مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة التي لا تُرى بالعين المجردة.

أما الالتصاق فهي قدرة جزيئات الماء على الالتصاق بالأشياء الأخرى، على سبيل المثال التصاق الماء بكأس زجاجي.

ستُلاحظ إذا نظرت إلى كأس ماء ممتلئ، أن الماء على الأطراف يلتصق بالكأس ويُشكل شكلًا يُشبه المنحنى.

هذا أيضًا يعود إلى قطبية الماء، وتُساهم هذه الخاصية في السماح للماء بنقل المغذيات من التربة إلى جذور النبات ثُم إلى أجزاء النبات الأخرى، كما يحدث الأمر ذاته في شعيراتنا الدموية.

من الجدير بالذكر أن الدم ينتقل خلال الشعيرات الدموية من خلال الخاصية الشعرية، والتي تنتج عن خاصيتي الالتصاق والتماسك التي يتمتع بها الماء.

الكثافة المنخفضة في حالته الصلبة

فالماء في حالته الصلبة، أي عندما يكون جليدًا، تكون كثافته أقل من كثافة الماء في الحالة السائلة.

أي ببساطة، الجليد أقل كثافة من الماء، ولكن كيف تعتبر هذه المعلومة مهمة في موضوع الماء والحياة؟

لنتخيل أمامنا بركة ماء في القطب الشمالي، نتيجة لانخفاض درجة الحرارة، سيتجمد سطح البركة بشكل طبيعي مكونًا طبقة من الجليد أسفلها ماء.

إذا كان الجليد أكثر كثافة من الماء، سيغرق الجليد إلى الأسفل، ثم سيتجمد السطح مجددًا ويغرق المزيد من الجليد لأسفل حتى تتجمد البركة بأكملها.

تجمد البركة بأكملها سيمنع العديد من الأسماك من النمو في الماء، والعديد من المخلوقات الحية الأخرى، كما لن تستطيع البطاريق العثور على بركة ماء لتشرب منها.

وبذلك فانخفاض كثافة الثلج مقارنة بالماء يمنع الثلج من الغرق، وبالتالي يمنع البرك في القطبين الشمالي والجنوبي من التجمد تمامًا، مما يُحافظ على حياة العديد من المخلوقات الحية.

في الحقيقة، هذه مجرد مقدمة، لكنها تهدف إلى جعلنا نُقدر الماء أكثر، وكما هو معروف، حتى أجسادنا معظمها من الماء.

‫0 تعليق