الكربون
ربما أصبحت الآن معتادًا أكثر على وجود الكربون في أجسامنا، ولكن إذا ركزنا أكثر فسنُلاحظ أن الكربون هو حجر أساس الحياة.
حيث يُعد الكربون من الذرات الأساسية في الجسم، كما نستخدمه كبشر في العديد من نواحي الحياة، فمثلًا أٌقلام الرصاص التي نكتب فيها، تتكون في الحقيقة من الكربون على شكل جرافيت.
وهذا الكربون بإمكانه ترك الكتابة على الورق لنستطيع قراءة المكتوب، وبالمناسبة، يحتوي الورق أيضًا على نسبة مرتفعة من الكربون.
من المثير أيضًا أن الألماس يتكون من ذرة الكربون، ولكن يتعرض الكربون في الألماس لعمليات وظروف مختلفة عن الظروف التي تعرض لها الجرافيت أو قلم الرصاص.
لا يُعد الكربون فقط أساسيًا في الأشياء التي نستخدمها، بل تحتوي أجسادنا أيضًا على الكربون، حتى أن الكربون يُعد عنصرًا رئيسيًا في أجسامنا كمخلوقات حية.
يُعد عنصر الكربون كالعمود الفقري للمخلوقات الحية، وفي هذا المقال سنذكر سبب ذلك.
الطبيعة الكيميائية للكربون
العدد الذري للكربون هو 6، وهذا يعني أنه يحتوي على ست بروتونات، وأشهر نظير للكربون في الطبيعة هو الكربون 12، وهذا يعني أنه يحتوي أيضًا على ست نيوترونات، وأيضًا ست إلكترونات.
تتضمن ذرة الكربون إلكترونين في المدار الأول، ويتبعها أربع إلكترونات في المدار الثاني، وهذه الإلكترونات هي إلكترونات التكافؤ الموجودة في المدار الأخير للكربون.
نتيجة لذلك يُمكن للكربون تكوين أربع روابط تساهمية مع ذرات أخرى، على سبيل المثال ذرات الهيدروجين.
كما يجب أن نتذكر أن استقرار الهيدروجين هو بامتلاكه إلكترونين في مداره الأخير، مقارنة بالكربون الذي يستقر بثمانية إلكترونات في مداره الأخير، وعندما يتشارك الكربون الإلكترون مع إلكترون الهيدروجين، يصل كل منهما لمرحلة الاستقرار.
يُطلق على هذا المركب اسم الميثان، ويُعتبر من المركبات العضوية، والمركبات العضوية هي المركبات التي تحتوي على الكربون.
يُعتبر الميثان أبسط الجزيئات التي تنتمي لمجموعة الهيدروكربونات، والهيدروكربونات هي مجموعة من المركبات العضوية التي تتكون من ذرات الكربون المرتبطة بذرات هيدروجين للوصول لمرحلة الاستقرار.
من الهيدروكربونات أيضًا جزيء الأوكتان الموجود في الصورة الآتية:
نُلاحظ أن كل ذرة كربون مرتبطة بأربع روابط، قد تكون هذه الروابط مع ذرة كربون أخرى أو مع ذرة هيدروجين، ويتكون جزيء الأوكتان من ثماني ذرات كربون كل منها يصل لاستقرار باتحادها مع الهيدروجين.
عندما تقع ذرة الكربون في الوسط، ويُحيط بها أربع ذرات هيدروجين في شكل ثُلاثي الأبعاد، يُطلق على هذا الشكل اسم البنية الجزيئية رباعية السطوح، ويُمكن التعبير عنها بأحد الأشكال الآتية:
الكربون والحياة
لماذا يُعد الكربون العمود الفقري للمخلوقات الحية؟
في الحقيقة، أكثر عنصر في جسم الإنسان هو الأكسجين، حيث إن 65% من جسم الإنسان يتكون من الأكسجين القادم من الماء.
أما ثاني أكثر العناصر تواجدًا في جسم الإنسان فهو عنصر الكربون، حيث يُشكل الكربون 18% من جسم الإنسان.
في الحقيقة، تتكون معظم الأجزاء الصلبة أو الأجزاء غير السائلة في جسم الإنسان من الكربون.
تحتوي مادتنا الوراثية على الكربون، حتى أنه يدخل في تركيب البروتينات، الجلوكوز، وجزيء الطاقة أدينوسين ثلاثي الفوسفات، جميعهم يتكونون من الكربون.
الكربون والهيدروكربونات
الهيدروكربونات كما ذكرنا أعلاه هي مركبات تتألف من ذرات الكربون المرتبطة معًا على شكل سلسلة، وكل ذرة من هذه الذرات ترتبط مع عدد من ذرات الهيدروجين للوصول لمرحلة الاستقرار.
أبسط الهيدروكربونات هو الميثان الذي يتألف من ذرتي كربون، كل منهم مرتبطة بثلاثة ذرات هيدروجين.
من الجدير بالذكر أن الكربون يصل لمرحلة الاستقرار بتكوينه لأربعة روابط، قد تكون هذه الروابط في الهيدروكربونات مع ذرات كربون أخرى لاستكمال السلسلة، أو مع الهيدروجين للوصول لحالة الاستقرار.
يُطلق على الهيدروكربونات التي تتألف من روابط أحادية اسم الألكانات، مثل الإيثان، أما التي تتألف من رابطة ثنائية واحدة على الأقل فيُطلق عليها اسم الألكينات، وإذا احتوى الميثان على رابطة ثنائية يُصبح اسمه الإيثين.
كما يُطلق على الهيدروكربونات التي تتألف من رابطة ثلاثية واحدة على الأقل اسم الألكاينات، وبهذا يُطلق على غاز الميثان الذي يتألف من رابطة ثلاثية واحدة اسم الإيثاين.
كما يُمكن أن تترتب الهيدروكربونات معًا على شكل حلقة بدلًا من السلسلة، وفي هذه الحالة يُطلق عليها اسم المركبات العطرية.
هذه المركبات العطرية مستقرة بشكل مثالي، ومثال عليها بعض الأحماض الأمينية أو الهرمونات الجنسية، مثل هرمون الأستروجين لدى الإناث والتستوستيرون لدى الذكور.
كما يُمكن أن تتألف المركبات العطرية من ذرات أخرى غير الكربون أو الهيدروجين، ولكنها في هذه الحالة لا تُصنف على أنها هيدروكربونات.
بالعودة إلى الهيدروكربونات، ذكرنا أن الألكانات تبدأ بغاز الميثان الذي يتألف من ذرة كربون واحدة متحدة مع أربع ذرات هيدروجين.
ثم الإيثان الذي يتألف من ذرتي كربون، وكل ذرة مرتبطة بثلاث ذرات هيدروجين.
يليه جزيء البروبان، الذي يتألف من ثلاث ذرات كربون، الذرتين الطرفيتين يمتلكان ثلاث ذرات هيدروجين، بينما ذرة الكربون الوسطية تتألف من ذرتي هيدروجين، وهذا لأنها مرتبطة برابطتين مع ذرتي كربون.
يليه البيوتان الذي يتألف من أربع ذرات كربون مرتبطات مع الهيدروجين للاستقرار، ثم البيوتان الذي يتألف من خمس كربونات.
يليه البنتان الذي يتألف من ست كربونات، ثم الهكسان، الهبتان، الأوكتان، النونان وأخيرًا الديكان الذي يتألف من عشر ذرات كربون كل ذرة ترتبط مع عدد من ذرات الهيدروجين للاستقرار.
يُوجد المزيد من الألكانات، لكن هذه العشرة هي الألكانات الأساسية، وفي الجدول الآتي توضيح لهذه الألكانات مع عدد ذرات الهيدروجين والكربون في كل منها.
السيليكون والحياة
ما يُميز الكربون هو قدرته على القيام بأربع روابط تساهمية للوصول لمرحلة الاستقرار، ولكن من الجدير بالذكر أنه ليس العنصر الوحيد القادر على ذلك!
عُنصر السيليكون هو العنصر الذي يقع أسفل الكربون مباشرة في الجدول الدوري، وعدده الذري هو 14.
يحتوي المدار الأول حول البروتونات والنيوترونات في السيليكون على إلكترونين، والمدار الثاني على ثماني إلكترونات، أما المدار الأخير فيتضمن أربع إلكترونات.
كل إلكترون من هذه الإلكترونات الأربعة يُمكنه الارتباط برابطة تساهمية مع ذرة أخرى كالهيدروجين مثلًا.
وهذا يعني أن السيليكون يسلك سلوك الكربون ذاته، ولكن ما هي علاقة السيليكون بالمخلوقات الحية؟
في الحقيقة، تعد الرابطة بين ذرتي سيليكون ضعيفة للغاية وسريعة التكسر، ولهذا السبب تعتمد المخلوقات الحية على الكربون بدلًا من السيليكون.
حتى لو حاولنا استبدال الكربون في جزيء ثاني أكسيد الكربون بالسيليكون، وهذا لتكوين جزيء أكسيد السيليكون على سبيل المثال، فنجد هنا أن أكسيد السيليكون هو مادة صلبة موجودة في الطبيعة على شكل كريستالات.
بينما ثاني أكسيد الكربون هو جزيء موجود في درجات الحرارة المعتدلة في درجة حرارة غازية، وتستخدمه النباتات للتنفس وصنع الطاقة، ونُخرجه نحن البشر عن طريق الزفير.
هذا يعني أن الرابطة بين السيليكون والأكسجين قوية للغاية، ولكنها قوية بشكل مبالغ به بالنسبة للبشر والمخلوقات الحية.
هذا يعني أن الكربون هو عنصر مميز، وبتفاعلاته الكيميائية يتناسب تمامًا مع المخلوقات الحية، على عكس العناصر الأخرى كالسيليكون، حتى وإن كانت قادرة على صنع أربع روابط كالكربون، ولكن سلوكهما مختلف.
لا نعرف إذا كان العلماء في المستقبل سيكونون قادرين على ابتكار شيء جديد بخصوص السيليكون والمخلوقات الحية.
ولكن ما نعرفه حتى الآن هو أن عنصر السيليكون غير ملائم للمخلوقات الحية أبدًا، مقارنة بالكربون الذي يُعد العمود الفقري للمخلوقات الحية.
