سيرة حياة الفاتح عقبة بن نافع
عقبة بن نافع الفهري القرشي الملقب بفاتح إفريقية، هو قائد عسكري إسلامي في عهد الخلافة الراشدة، ولد في بني فهر بن مالك من قبيلة قريش في مكة، وهو من التابعين فهو لم ير النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
كان عقبة بن نافع من أشهر القادة العسكريين الذين مهدوا لطريق الإسلام عبر التاريخ حتى وصل إلى سواحل الأطلسي، لذلك كان له دور كبير في حمل رسالة الإسلام، وإيصال الدعوة الإسلامية إلى كافة أرجاء المغرب العربي، الأمر الذي عرضه للكثير من الانتقادات والاتهامات بارتكابه للظلم في حق الشعوب الأصلية في شمال أفريقيا من البربر (الأمازيغ).
من هو عقبة بن نافع
هو عقبة بن نافع بن عبد القيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن الظرب بن الحارث بن عامر بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة الفهري القرشي (قبيل 8 هجري أو 10 هجري، 63 هجري).
ولد عقبة بن نافع في عهد النبوة قبل عام من الهجرة النبوية، وهو من أقرباء عمرو بن العاص حسب ما ذكره المؤرخون، وكان قد تربى في بيئة إسلامية جعلت من الفتوحات الإسلامية همه الشاغل، وكان عمر بن الخطاب قد أسند إليه قيادة الجيوش نظرًا لشجاعته ودينه، كما كان ذو دعوة مجابة لشدة تعلق قلبه بالله تعالى، وكان قائدًا حكيمًا، عطوفًا على الجيش، حازمًا في القتال، فقد اشتهر بخبرته العسكرية وحنكته في الحروب.
كان عقبة بن نافع قائدًا شجاعًا، وأنشأ مدينة القيروان، وساهم في فتح مصر وسكن بها، ثم قام معاوية بن أبي سفيان بتعيينه قائدًا على حركة الفتح في شمال أفريقيا مع عمرو بن العاص الذي أرسله إلى برقة ليدعو الناس إلى الإسلام.
إنجازات عقبة بن نافع
قام عقبة بن نافع بالكثير من الفتوحات في أفريقيا لحمل أهلها على اعتناق الإسلام، وضمان عدم ارتدادهم عن الدين، فقام بالعديد من الإنجازات ونذكر منها:
دور عقبة بن نافع في فتح مصر
شارك عقبة بن نافع في الجيش الذي فتح مصر بقيادة عمرو بن العاص، حيث قام عمرو بن العاص بإرسال القائد عقبة إلى النوبة، فقاتل فيها قتالًا شديدًا، ولم يتمكن من فتحها فبقيت كذلك حتى تولى عبد الله بن سعد ولاية مصر، فدخل المسلمون النوبة في صلح.
دور عقبة بن نافع في فتح برقة وطرابلس وفزان
قام عمرو بن العاص برفقة عقبة بن نافع بالاتجاه نحو برقة لفتحها، وانضمت إليهم في الطريق بعض قبائل البربر الذين دخلوا في دين الإسلام حتى وصلوا إلى برقة فحاصروها، وعندها قام عمرو بن العاص بعرض الإسلام أو الجزية أو القتال على أهلها، فقبلوا بالصلح على أن يؤدوا الجزية للمسلمين.
تابعوا مسيرتهم بعدها إلى طرابلس فحاصروها ودخلوها من جهة البحر مستغلين انحسار ماء البحر عن المدينة، فاستطاعوا فتحها بعد هروب البيزنطيين منها، ثم اتجهوا إلى سبرت واستطاعوا فتحها أيضًا.
راسل عمرو بن العاص عمرو بن الخطاب بعد النصر الذي حققه مستأذنًا بفتح أفريقية، ولكن عمر بن الخطاب لم يسمح له بذلك.
خلال فتوحات عمرو بن العاص لبرقة وطرابلس، قام بإرسال عقبة بن نافع إلى زويلة لتأمين طريق العودة للمسلمين، فافتتح في طريقه عدة مدن منها أجدابية وزويلة، ثم قام عمرو بن العاص بإسناد ولاية برقة لعقبة بن نافع.
فتح أفريقية
عندما توفي عمر بن الخطاب تولى الخلافة عثمان بن عفان عام 23 هجري، فعين عبد الله بن سعد على مصر، وفي هذه الأثناء بقي عقبة بن نافع في برقة، واستطاع إبقائها في طاعة المسلمين طوال هذه الفترة.
قام عبد الله بن سعد باستئذان عثمان بن عفان بفتح أفريقية، فوافق عثمان على ذلك، وأرسل له جيشًا عظيمًا، وعند وصول الجيش إلى برقة، انضم إليه عقبة بن نافع ومن معه من المسلمين واتجهوا إلى أفريقية التي كانت تحت ولاية البطريرك جرجير بن نيقيتاس، فخيره عبد الله بن سعد بين الإسلام أو الجزية أو الحرب، فاختار الحرب، وكانت المعركة هائلة، وانتهت بهزيمة الروم هزيمةً كبيرةً.
عاد عقبة بن نافع إلى مصر عام 28 هجري، وبقي هناك حتى عام 41 هجري، حيث تفرغ للعبادة والتفقه في الدين الإسلامي.
في عام 47 هجري عين معاوية بن أبي سفيان معاوية بن حديج على مصر الذي أسند إلى عقبة بن نافع حرب أفريقية مجددًا بعد أن نقضت عهدها مع المسلمين.
ثم في عام 50 هجري قام معاوية بن أبي سفيان بتعيين عقبة بن نافع على أفريقية الذي فتح مدينة سرت ثم سار إلى ودان ففتحها، واتجه إلى فزان، وقام بفتحها أيضًا، ثم اتجه إلى قصبة كوار وقام بفتحها بعد مداهمة أهلها، ثم عاد إلى زويلة، وأعاد فتح غدامس وقفصة وقصطيلية.
بناء مدينة القروان
بدأ عقبة بن نافع ببناء مدينة القيروان عام 51 هجري في أفريقية، في مكان يكثر فيه الأفاعي والعقارب، فدعا الله أن يخرج منها الوحوش والأفاعي، فاستجاب الله له، فأنشأ مدينة القيروان ليمنع البربر من الارتداد عن الدين، ولجعلها مكانًا آمنًا ينطلق منه في نشر الإسلام، فبنى فيها جامع، واستمرت عملية البناء حتى عام 55 هـ، وأصبحت مقرًا عسكريًا آمنًا للمسلمين.
وفاة عقبة بن نافع
بعد قيام القائد عقبة بن نافع ببناء مدينة القيروان، قام والي مصر مسلمة بن مخلد الأنصاري بعزله، وإعطاء ولاية أفريقية لأبي المهاجر، فقام أبو المهاجر باعتقال عقبة بن نافع وأساء معاملته، فأمر معاوية والي مصر بإرسال عقبة إليه، فاتجه إلى دمشق، وشكى لمعاوية ما لقي من ظلم، فوعده معاوية بأخذ حقه، ولكن الأمر لم يتم بسبب وفاة معاوية.
قام يزيد بن معاوية بتعيين عقبة بن نافع على أفريقية مرة أخرى عام 62 هجري، فقام بفتح عدة مدن منها: الجريد وتاهرت، كما قاتل عقبة أوربة وهزم زعيمهم كسيلة وتابع فتوحاته حتى وصل إلى المحيط، وهناك أعاد عقبة بن نافع معظم جنوده إلى القيروان، الأمر الذي دفع كسيلة إلى استغلال الفرصة، وقتال عقبة وما تبقى معه من الجيش، فقتل عقبة وأبو المهاجر، وأسر ما تبقى منهم، وكان ذلك في مدينة تهوذة، وسمي المكان الذي توفي فيه باسمه.
وهكذا نجد أن عقبة بن نافع كان قائدًا عسكريًا عظيمًا، يؤمن بأن إيمانه بالله تعالى هو سبب نصره وتوفيقه في حروبه، وكان رغم حزمه عطوفًا رحيمًا بأفراد جيشه، شديدًا على عدوه، حكيمًا في وضع الخطط والاستراتيجيات، وحاسمًا في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.