صلاة التراويح
تفصلنا أيام عن بداية شهر رمضان المبارك، وفيه مجموعة من الشعائر الدينية التي يقوم بها المسلمين للتقرب إلى الله تعالى، وواحدة من هذه الشعائر صلاة التراويح.
صلاة التراويح سنة مؤكدة، وصلاها النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين ثلاثة مرات فقط، وفي اليوم الرابع لم يصلها بهم، فسأله الصحابة الكرام عن السبب فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله: “خَشيت أن تفترض عليكم، فتَعجزُوا عنها”، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك.
ورجّح بعض علماء الدين أن صلاة التراويح شُرِعت في آخر سنوات الهجرة، حيث لم يرد أي حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها جماعة مع الصحابة الكرام بعد ذلك.
في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، رأى أن بعض المسلمين لا يحسن القراءة والصلاة، وأن المسلمين يُصلون صلاة التراويح متفرقين، فجمعهم للصلاة خلف إمام من المسلمين، وكانت تلك المرة الأولى التي يصلي بها المسلمين صلاة التراويح جماعة بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. (1)
سبب تسمية صلاة التراويح بهذا الاسم
في صلاة التراويح يرتاح المسلمين بين كل أربعة ركعات استراحة بسيطة، ومن هنا أتت تسمية صلاة التراويح نسبة إلى جمع كلمة ترويحة، وهي الجلسة والاستراحة.
كان السلف الصالح يُطيلون القيام في صلاة التراويح، وبذلك فكانوا أيضًا يستريحون بعد كل أربعة ركعات، فيقضيها المسلم بالسكوت، التسبيح أو قراءة القرآن.
لم يرد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعاء معين يدعوه خلال الاستراحة، فيدعو المسلم خلالها بما يشاء. (1)
فضل صلاة التراويح
لصلاة التراويح فضل عظيم، وهي من الشعائر العظيمة في شهر رمضان المبارك، وفيما يلي فضائل صلاة التراويح: (2)
- أجر قيام الليلة: فصلاة التراويح جماعة خلف الإمام تعادل قيام ليلة كاملة، فعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من قامَ مع الإمام حتى ينصرفَ فإنه يعدلُ قيام ليلة”.
- سبب لمغفرة الذنوب: حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “من قامَ رمضان إيمانًا واحتِسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذنبه”، والمقصود بقيام رمضان صلاة التراويح، والتي تعد أيضًا من قيام الليل.
وقت صلاة التراويح
وقت أداء صلاة التراويح هو بعد أداء صلاة العشاء، وقبل أداء صلاة الوتر، وبِذلك فهي سنة تتبع صلاة العشاء.
يمكن أداء صلاة التراويح في أي وقت بعد صلاة العشاء حتى أذان الفجر، وهذا ما نُقِل عن الصحابة الكرام.
تعتبر أيضًا صلاة التراويح من قيام الليل، ويمكن أدائها في الثلث الأخير من الليل أو في نصف الليل، وأكد على ذلك الحنفية والشافعية، وأما الحنابلة فيرون أن أفضل وقت لآداء صلاة التراويح هو أول الليل بعد صلاة العشاء مباشرة.
ومن الجدير بالذكر أن صلاة التراويح لا تُقضى إذا نقضى وقتها، وهذا باتفاق جميع علماء الدين باستثناء الشافعية، حيث قال الشافعية أن قضاء صلاة التراوح جائز. (1)
كيفية صلاة التراويح
تكمن كيفية صلاة التراويح بالصلاة ركعتين ركعتين، فعن عمر رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صلاة الليل مثنى مثنى”.
اختلف علماء الدين في جواز أداء صلاة التراويح دون السلام بين الركعتين، أي أدائها كأربع ركعات، فأجاز الحنفية صلاتها كاملة بتسليمة واحدة، أما الشافعية فقالوا أن صلاة أربع ركعات من صلاة التراويح بتسليمة واحدة باطلة.
رأى الحنابلة أن من قام بعد الركعة الثانية ليكمل الصلاة دون تسليم فعليه العودة والتسليم وإلا بطُلت صلاته.
بعد صلاة ركعتين ركعتين، يُشرع للمسلم الاستراحة لشرب الماء أو الجلوس، وقام بعض السلف بقراءة سورة الإخلاص ثلاثة مرات في كل استراحة.
ويقوم المسلم بأداء صلاة التراويح كما يُصلي صلاته دائمًا، فيتوضأ، يستقبل القبلة، ويرتدي الرداء الساتر الملائم للصلاة والساتر للعورة.
يمكن أداء صلاة التراويح على انفراد في المنزل أو جماعة في المسجد، ولكن صلاة الجماعة للرجال أفضل من الصلاة على انفراد، وأما النساء فصلاة المرأة في بيتها أفضل.
من السنة أيضًا أن يصلي المسلم صلاة الوتر بعد الانتهاء من أداء صلاة التراويح، وأما إن نوى أداء صلاة قيام الليل فيؤجل صلاة الوتر إلى ما بعد قيام الليل. (3)
قراءة القرآن في صلاة التراويح
أقر الحنفيّة والحنابلة بأنه من السنة النبوية ختم القرآن الكريم في صلاة التراويح خلال شهر رمضان كاملًا، أما المالكية والشافعية فاستحبوا ختم القرآن الكريم في صلاة التراويح.
وبذلك فإنه يجوز للمسلم قراءة ما تيسر له من القرآن الكريم بشرط عدم الإخلال بشروط الصلاة، بالإضافة إلى ذلك على الإمام مراعاة أحوال المصلين، فلا يُطيل الصلاة كثيرًا لمراعاة أحوال كبار السن منهم. (3)
عدد ركعات صلاة التراويح
ومن الجدير بالذكر أن العلماء اختلفوا في عدد ركعات صلاة التراويح تمامًا، وتعددت أقوال المذاهب الأربعة بحسب ثلاثة أقوال وهي: (3)
- رأى الشافعية، الحنابلة والحنفيّة أن صلاة التراويح 20 ركعة من غير الوتر، واستدلوا على ذلك بعدد الركعات التي صلاها الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
- رأى المالكية أن عدد ركعات صلاة التراويح 36 ركعة من غير الشفع والوتر، واستدلوا على ذلك بصلاة التراويح لأهل المدينة المنورة رضي الله عنهم.
- نصّ الإمام أحمد على عدم وجود عدد معين لركعات صلاة التراويح، فلم يرد عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم عدد ركعات معين لها.
الدعاء في صلاة التراويح
بعد الانتهاء من أداء صلاة التراويح، يتبعها المسلم بصلاة الوتر، ومن السنة الدعاء في صلاة الوتر، وفيما يلي بعض صيغ الدعاء في الوتر بعد صلاة التراويح:
- عن الحسن بن علي – رضي الله عنه – أنه قال: “علَّمَني رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولُهُنَّ في قنوتِ الوترِ: “اللَّهمَّ اهدني فيمن هديتَ، وعافِني فيمن عافيتَ، وتولَّني فيمن تولَّيتَ، وبارِكْ لي فيما أعطيتَ، وقني شرَّ ما قضيتَ؛ فإنَّكَ تقضي ولا يُقضى عليك، أنتَ تَمُنُّ ولا يُمَنُّ عليك، أنت الغنِيُّ، ونحن الفقراءُ إليكَ، وإنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ، تبارَكْتَ ربَّنا وتعاليتَ“”.
- روى عبيد بن عمير أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يدعو في صلاة الوتر بقوله الدعاء الآتي: “اللَّهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمنات، والمسلمينَ والمسلمات، وألِّفْ بينَ قلوبِهم وأصلَحْ ذاتَ بينِهِم، وانصُرهُم على عدوِّكَ وعدوِّهم، اللَّهمَّ العَنِ الكفرةَ كفَرةَ أَهلِ الكتابِ الَّذينَ يصُدُّونَ عن سبيلِكَ، ويكذِّبونَ رسلَكَ، ويقاتِلونَ أولياءَك، اللَّهمَّ خالِفْ بينَ كلِمَتِهم وزلزِلِ بِهمُ الأرض، وأنزِل بِهم بأسَكَ الَّذي لا ترُدُّهُ عنِ القومِ المُجرمينَ، بسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ اللَّهمَّ إنَّا نستعينُكَ ونستغفِرُك، ونثني عليك، ولا نَكفرُك ونخلعُ ونترُك من يفجرُك، بسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، اللَّهمَّ إيَّاكَ نعبُدُ، ولَك نصلِّي ونسجدُ، وإليكَ نسعى ونحفِدُ، نرجو رحمتَك ونخشَى عذابَكَ الجِدّ“.
واختلفت أقوال علماء الإسلام في حكم الدعاء في صلاة الوتر بعد صلاة التراويح، فقال بعض الحنفيّة بأنه واجب، وأما البعض الآخر فرأى بأنه سنة غير واجبة، واتفق معهم الحنابلة في هذا.
أما الشافعية فأقروا بمشروعيته، وقالوا أنه مستحب في النصف الثاني من شهر رمضان المبارك، وأما المالكية فقالت أن الدعاء في الوتر غير مشروع.
وعمومًا، يُراعى في دعاء صلاة التراويح البعد عن إطالة الدعاء والتكلف فيه، وعدم علو الصوت في الدعاء حتى لا يتم التشويش على بقية المصلين، حيث يجب أن يكون صوت الإمام بالقدر الذي يمكن المصلين من سماعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ارْبَعُوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم”.
يُراعى أيضًا في الدعاء عدم البكاء بصوت عالٍ حتى لا يشوش المصلي على بقية المصلين.(4)
المراجع: