ابن تيمية
يُعدّ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من كبار العلماء في عصره والعصور التي تلت عصره؛ حيث بلغ من التّقى والعلم والصلاح ما بلغ، وقد بلغ صيته أرجاء المعمورة في ذلك العصر قبل انتشار وسائل التواصل والمراسلات؛ لما له من قوةٍ في قول الحق، ولما له من حُجَّةٍ عند الاستدلال، فمن هو شيخ الإسلام ابن تيمية؟ وما هو المجال الذي برع فيه؟ وما سبب اشتهاره في ذلك الوقت وإلى هذا اليوم؟
الاسم والنسب والمولد
ابن تيمية هو أبو العباس أحمد بن تقيّ الدين بن شهاب الدين بن عبد الحليم بن عبد السلام مجد الدين أبي البركات بن عبد الله بن تيمية، وُلِد بحرّان يوم الإثنين العاشر وقيل الثاني عشر من ربيع الأول في سنة ستمائة وواحد وستين من بعد هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والده هو الشيخ شهاب الدين بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية.
قرأ المذهب الحنبلي على أبيه، وكان إمامًا محقّقًا في كثير من الفنون، وكان جوّادًا ومتواضعًا، وجدّه هو الشيخ مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحرّاني، وهو فقيه حنبلي، وإمام مقرئ، ومحدّث ومفسّر وأصولي ونحوي.
سبب تسمية عائلته بآل تيمية
اختلف العلماء في سبب تسمية عائلته بابن تيمية فقد قيل أنَّ اسم آل تيمية جاء من لقب أم الجد الأكبر محمد كانت تُسمّى تيمية وعُرِف بها، وهناك من يقول بأنّ الجد مُحمّد بن الخضر حجّ البيت على درب تيماء، ورأى هناك طفلةً اسمها تيمية، وعندما رجع إلى بيته وجد امرأته ولدت بنتًا تشبه البنت التي رآها عند المنبع فسمّاها تيمية، فتمّ إطلاق اللقب عليه.
النشأة والعلم
نشأ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في حرّان حتى بلغ سنّ السابعة، ثم هاجر مع والده وإخوته إلى دمشق، وقد نشأ في أسرة عريقة معروفة بعلمها، اتجّه في البداية إلى حفظ القرآن الكريم، ثم اشتغل بحفظ الحديث والفقه واللغة، وبرع في التفسير، والنحو، وأصول الفقه وعمره لم يتجاوز بضع عشرة سنة.
عُرِف ابن تيمية بالذّكاء، وسرعة الإدراك، وقوّة الحفظ، والنّجابة، منذ صغره، وكان فريد عصره في الزهد، والعلم، والسّخاء، والشجاعة، وكثرة التصانيف.
تأهّل ابن تيمية للتدريس والفتوى وهو ابن سبعة عشر سنة، وكان قويّ التوكّل على الله دائم الذكر، وكان أوّل كتاب حفظه في الحديث كتاب الجمع بين الصحيحين للإمام الحميدي، وقد توسَّع في دراسة العلوم وتبحّر فيها، واجتمعت فيه صفات المجتهد وشروط الاجتهاد منذ شبابه، فصار إمامًا يعترف له الجهابذة بالعلم، والإمامة، والفضل، حيث أثنى عليه شيوخ عصره وتلاميذه.
نشأ -رحمه الله- في مرحلة كانت فيها الدولة والأمة الإسلامية في حالة من الضعف والتمزّق، وقت ظهر فيها التتار؛ فقتلوا العباد، ونهبوا الديار، فلم يمنعه طلبه للعلم من المشاركة في الأحداث في عصره؛ بل شارك في ذلك مشاركة العالم المجاهد؛ شارك بسيفه ولسانه وقلمه في محاربتهم.
شيوخه
من أبرز شيوخ ابن تيمية -رحمه الله-:-
- شرف الدين أبو العباس، أحمد بن أحمد بن نعمة المقدسي الشافعي، برع في الأصول والفقه والعربية.
- أحمد بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي، أبو العباس، زين الدين، المولود في عام 575هـ ، وهو من شيوخ المذهب الحنبلي، تلقّى عنه ابن تيمية علوم الحديث.
- عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، المولود في عام 597هـ ، وكان شيخ الإمام في الحديث والأصول والفقه.
تلاميذه
كثر تلاميذ الإمام ابن تيمية ومنهم الآتية أسماؤهم:-
- الحافظ إسماعيل بن كثير.
- ابن قدامة المقدسي.
- ابن قيّم الجوزية.
- الحافظ الذهبي.
مؤلفاته
للإمام ابن تيمية مؤلفات كثيرة، ومن أبرزها ما يلي:
- كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم.
- كتاب الاستقامة.
- كتاب بيان تلبيس الجهمية، والذي تمّ تحقيقه في ثمانية رسائل دكتوراة.
- كتاب منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية.
- كتاب الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح.
- كتاب درء تعارض العقل والنقل.
- كتاب الصفدية.
- كتاب النبوات.
صفات الإمام ابن تيمية
اتصف شيخ الإسلام ابن تيمية بعدد من الصفات التي ميّزته عن غيره ولعل أهمها ما يأتي:-
- العفّة.
- التواضع، والاقتصاد في المأكل والملبس.
- التقوى.
- كان بارًّا بأمه.
- كان فطنًا وسريع البديهة.
- كان قويَّ الحجة والبرهان.
- كان عابدًا وذاكرًا لله تعالى في جلّ أحواله وأوقاته.
- كان مُلتزمًا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
حِكَم وأقوال لابن تيمية
- أعظم الكرامــة لزوم الاستقامــة.
- من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية.
- بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
- إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغنِ أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنِسُوا بأحبابهم فاجعل أُنسك بالله.
- إضاعة الوقت أشدّ من الموت؛ لأنّ إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها.
عصر الإمام ابن تيمية
عاش الإمام ابن تيمية في عصر مليء بالخرافات والبدع، حيث انتشر العديد من المذاهب الخاطئة، وكثرت الشبهات، وانتشر الجهل، والتقليد الأعمى، وغزى التتار والصليبيون الإفرنج بلاد المسلمين، ويظهر عصر ابن تيمية من خلال الصور الآتية:-
- شيوع الجدل والفلسفات والإلحاد في عصره.
- سيطرة التصوّف على عامّة النّاس، وانتشار الآراء والمذاهب الخاطئة.
- ذيوع الروافض في أمور المسلمين، وانتشار الأمور الشركية والبدع، وتخويف الناس عن أمر الجهاد؛ وفي ذلك مساعدة لأعداء المسلمين (التتار).
- مساندة أهل السنة للشيخ ابن تيمية، وأثرهم القويّ في التصدّي للأمور الشركية، والبدع، وذلك من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويُشار إلى دور الإمام ابن تيمية الجليل في دحر هذه المنكرات والشبهات عن المسلمين، والتصدّي لها.
الجهاد
جمع الشيخ ابن تيمية -رحمه الله- في جهاده بين السيف والقلم، ومن مواقفه في ذلك ما يأتي:-
- عندما جاء التتار إلى الشام سنة 702هـ، أخذ البعض ينشر الهزيمة والفزع في قلوب العباد، أما الإمام ابن تيمية أخذ يدعو المسلمين إلى الجهاد، ويثبّت قلوبهم، ويعدهم بالغلبة والنصر على عدوّهم؛ حتى أنّه كان يحلف بالله: (إنكم لمنصورون)، فيقول له بعض الأمراء: (قل إن شاء الله، فيقول: أقولها تحقيقـًا لا تعليقـًا)، فاطمأنت القلوب والنفوس.
- ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى مكان قريب من دمشق يُدعى مرج الصفر، ووقف وِقفة العالم المجاهد في قتال المغول في موقعة حربيّة عُرفت في التاريخ بموقعة شقجب، وكان ذلك في رمضان من سنة 702هـ، وكان قد اجتمع بالسلطان قبل هذه الموقعة يحثّه على القتال والجهاد، واستمرّ القتال طيلة اليوم الرابع من شهر رمضان حتى أذن الله بالنصر، وزال خطر التتار.
الوفاة
تُوفّي الإمام ابن تيمية -رحمه الله- في ليلة الإثنين الموافق العشرين من ذي القعدة من سنة (728هـ) بقلعة دمشق التي كان محبوسًا فيها، وقد أُذِن للناس بالدخول فيها عند وفاته، فغُسّل فيها، وصُلّي عليه، ثم وُضِعَت جنازته في الجامع؛ حيث قام الجند بحفظها من شدة الزحام، ثم حُمِلَت الجنازة واشتدّ الزحام، فلم يتخلّف عن جنازته إلا القليل، ثم خرج الناس من الجامع من أبوابه كلها وهي شديدة الزحام.
المراجع: