قصص ولا ألف ليلة وليلة – الليلة الخامسة عشرة
ضمن سلسلة قصص ولا ألف ليلة وليلة بالاشتراك مع الأديبة المصرية ربا أحمد
على أرجوحة متدلية من فرع غليظ لأحد الأشجار
المعمرة، كانت شهرزاد تجلس شاردة الذهن … فلأول
مرة منذ تزوجت من الملك شهريار يتأخر عن موعده
المعتاد. وحثه لها على مواصلة سرد الحكايات ..! لا تعلم هل شعورها تجاهه من مصلحتها .. هل سيكون
شفيعا لها عنده حبها؟!
شهرزاد …
سمعت صوته فأشرق وجهها وكانت على وشك
النهوض من على الأرجوحة لكنه أوقفها بإشارة
منه. واقترب منها قائلًا:
تأخرت الليلة قليلًا .. ولن أسمح
لك بالتوقف عن الكلام المباح حتى وإن علا صوت الديك
البغيض بالصياح ..
ابتسمت شهرزاد وقالت:
هل يسمح لي مولاي بالنزول
من على الأرجوحة كي أذهب معه إلى القاعة الملكية
وأكمل له ما كان؟
كنت أود ذلك يا ملكة الزمان .. لكن راق لي أن تكملي لي
الحكاية وأنا أدفع بك الأرجوحة.
ستدفع بي الأرجوحة حتى انبلاج الفجر يا مولاي؟!
سألته وهي مذهولة مما قال فأجابها:
أو إلى أن تكتفي أنت يا شهرزادي الحسناء …
كانت جملته كفيلة أن تجعلها تطير فوق السحاب .. مما
جعلها تخفي بيديها وجهها خشية أن يرى الخجل يطل
من عينيها .. بدأ في دفع الأرجوحة برفق وهو يحثها:
كلي آذان صاغية .. إلى أين توقفت الأحداث .. ؟
وبهدوء وسعادة شرعت شهرزاد في إكمال الحكاية
حين قالت:
بلغني أيها الملك السعيد .. ذو الرأي الرشيد
أن الأمير نوران كان مشغول البال، يفكر في النسر
الذهبي، وتلك المهمة الصعبة التي ألقيت على عاتقه،
فهل يكون على قدر المسؤولية فيعثر على النسر الذهبي
ويحصل على كنزه الثمين منه؟ أو يعود كسيف البال
خائبًا؟ أو ربما لا يعود؟
أسئلة كثيرة كانت تجول في مخيلته وتلهب تلافيف عقله
فكرًا. أخرجه صوت الشاطر حسن من تأملاته قائلًا وهو
يلقي بنفسه ليجلس قربه:
أين ذهبت بك أفكارك ياصديقي؟ لقد ناديتك عدة مرات
فلم تجبني !!
كنت أفكر في النسر الذهبي فهو كل مايشغل تفكيري
الآن .. أفكر بكيفية الوصول إليه وانتزاع ريشاته الثلاث،
لاشك سيكون كبيرًا هذا النسر ولكني سأسيطر عليه
وأنتزع ريشه …. فقط لو أعرف أين هو
وعلى حين غرة منهما مزق السكون صوت مدو كأنه
الرعد في قصفه وعبقت الأجواء برائحة غازات نفاذة،
وملأ الدخان الكثيف عنان السماء!!
كانا يرنوان ببصريهما إلى حيث الصوت فإذا هو
بركان على إحدى الجزر القريبة في إحدى نوبات
غضبه.
وفي غمرة انشغالهما أمسك حسن بذراع نوران
بقوة وهو يشير باصبعه إلى التماعة شئ في السماء،
نظر إليه نوران ثم تحول ببصره إلى حيث يشير إصبعه
فرأى ذلك الشئ اللامع بقوة هز رأسه بعدم فهم والتقت
أعين الصديقان ليقول حسن:
إنها ضالتك يانوران وقد جاءت إليك تسعى
بجناحيها … .إنه نسرك الذهبي .
التمعت عينا نوران وهتف قائلًا: يا الله .. نعم إنه نسر
ذهبي !!
كأن القدر قد ساقه إلينا بدون تخطيط .. رغم المجهود
الجبار الذي قمنا به طوال النهار في البحث عن مكانه
وكيفية الحصول على ريشاته … و لكن .. كيف الوصول
إليه؟
فكر حسن قليلًا ثم قال: لابد لنا من استكشاف المكان
أولًا ومعرفة أين يعيش ثم نقرر بعدها ماذا سنفعل،
فلنذهب الآن فالمكان ليس بعيد عن هنا.
ركب الصديقان أحد القوارب الصغيرة، وأخذا يجدفان
باتجاه الجزيرة موطن النسر الذهبي حتى وصلاها بعد
وقت قليل.
نزلا من القارب وربطاه بإحكام ثم سارا على
أرض الجزيرة بحذر شديد، حتى وصلا إلى جبل شاهق
الارتفاع، صخوره ملساء عارية يصعب تسلقه،
واقشعرت أبدانهما لمرأى العديد من الهياكل العظمية
والعظام البشرية المهشمة ملقاة أسفل تلك الصخور.
ولم يكن الأمر بحاجة إلى ذكاء ليعرفا أنها عظام من
سبقوهما في محاولة تحقيق الحلم و النيل من ريش
النسر الذهبي.
نظرا إلى بعضهما بدهشة ليقول حسن بعد فترة صمت:
الحلم يكاد يكون من المستحيل تحقيقه يا نوران؛
فالمهمة جد شاقة ولا أظنك ستنجح في مهمتك مع هذا
العملاق.
وأشار إلى حيث يحلق ذلك النسر في السماء شامخًا
معتدًا بنفسه، وكان بالفعل عملاقًا لم ير في حياته مثله
أبدًا ..! نظر إليه نوران بتمعن قائلًا: وما الرأي عندك؟
أرى أن تعود إلى الملك النعمان وتخبره أنك فشلت في
مهمتك.
انتفض نوران قائلًا: وهل تريدني أن أعود بخفي حنين؟
أن تعود بخفي حنين أفضل من أن لاتعود أبدا ياصديقي .
لا والله هذا لن يكون أبدًا يا حسن إما أن أعود بريشات
النسر وإما أن تعودوا بجثتي ولا حل غير ذلك.
وفي غمضة عين كان النسر ينقض عليهما من عليائه
كصاعقة هبطت من السماء بعد أن شاهدهما في
الأسفل، وبالكاد تمكنا من تفادي هجومه والاختباء منه
قبل أن تصل إليهما مخالبه فتمزقهما شر ممزق.
طار النسر عاليًا بعد أن يئس من الإمساك بهما، وطار
الاثنان راكضين باتجاه القارب وكان يلهثان وقد أخذ
منهما التعب كل مأخذ.
جدفا بكل طاقتهما مبتعدين عن منطقة النسر الذهبي
وقد رضيا من الغنيمة بالإياب …!
وهنا أدرك شهرزاد الصباح؛ فسكتت عن الكلام المباح
إقرأ أيضًا: الليلة الأولى من كتاب ولا ألف ليلة وليلة