قصص ولا ألف ليلة وليلة – الليلة الثالثة
ضمن سلسلة قصص ولا ألف ليلة وليلة بالاشتراك مع الأديبة المصرية ربا أحمد
ترى ما الذي يكدر صفو مولاي؟!
حكايتك تثير غضبي يا شهرزاد.
ماذا؟. . حكايتي؟!
سألت شهرزاد برعب؛ فإذا أغضبته حكايتها حتمًا
سوف ستكون نهايتها.
ولماذا أغضبت حكايتي مولاي شهريار؟
سألت بتوجس فأجاب بامتعاض:
ذلك الملك النعمان.. أين حكمته وفطنته؟!.. كيف
يصدق أكاذيب شعلان ويرسل ابنه إلى الموت؟!!
ابتسمت شهرزاد ثم اقتربت من ملكها تربت على كفه
بحنان وهي تقول:
أولًا الملك لم يوافق بعد.. بل أخذ وقتًا للتفكير في
الأمر.. وإذا قرر إرسال الأمير نوران فحتمًا سوف
يؤمن سلامته لحين عودته.
هراء.. أي سلامة في جزيرة لا يوجد بها
أحياء.. الوزير متأكد بأن عودة من يطأها هباء.
نعم شعلان يعلم ذلك.. لكن الأقدار لا ترضخ
لمخططات الإنسان دومًا.. ربما يحدث في الأمر أمرٌا.
كانت أخر كلماتها مصحوبة بابتسامة جميلة أثارت
العدوى بالملك فابتسم وهو يقول:
بارعة أنت في إثارة فضولي يا زوجتي
الحسناء.. أراك تقودينني إلى حكايتك بكل دهاء.
إنه طمع في التواجد بجانبك أطول مدة يا نصير
الفقراء ويا صاحب الجود والسخاء.
حسنًا يا شهرزادي الحسناء.. ابدأي في سرد الحكاية
قبل أن يصيح الديك اللعين فيصبح ضمن وجبتي
على الغداء.
حسنًا يا ملك الزمان.. سأقص عليك ما قد كان.. في
سالف الزمان.. في قصر الملك النعمان…. بين أزهار الحديقة، وعلى الوسائد الوثيرة، كانت تجلس الأميرة… في الوصف هي جميلة، وفي الحسن كزهر الخميلة … طيبة ونقية … لا تحمل لأحد أذية… يحبها الجميع … ويلقبونها باسم أميرة الإنسانية!!
“قمر الزمان”.. نطقها الأمير نوران حين اقترب من مجلسها.. فأشارت
لمن حولها من جواري ووصيفات أن يبتعدن فقمن على
الفور مسرعات ينفذن طلب الأميرة… بمجرد أن اقترب.. جلس بالقرب منها، ثم نظر إلى عينيها.. تأمل دموعها… وبعدها شرودها…
زفر نوران بتعب فحدجته بنظرة عتب ثم أشاحت عنه ليسألها ما السبب؟!! انسابت الكلمات.. وأرسلت إليه كم من الطعنات حين قالت:
كيف طاوعك قلبك بتركي يا نوران؟!.. ألست أمينًا
علي بعد وفاة والدي؟!.. ألست…. كانت تود لو تقولها.. لكنها عدلت عن أمرها.. كيف تنطقها وهو الذي عليه قولها؟! كيف وهو الأقرب لقلبها.. ورغم ذلك لم طاوعه قلبه على تركها!..
تنهد نوران ثم قال:
لست ذاهبًا بإرادتي يا قمر الزمان . .إنه أمر مولاي.. والعصيان محال…
عليك مناقشته..عليك أن تبدي له تخوفك من تلك
الرحلة.. لأنه أمر خطير.. ونحن بحاجة إليك أيها الأمير.
كيف تتصورين أنني سأقول ذلك.. أنا يا ابنة عمي
فارس… لا أهاب الموت ولا المخاطر…
خوفي عليك سيقتلني في اليوم ألف مرة يا نوران
أعدك أن أعود سالمًا يا قمر الزمان … ولكن إن لم
أعد فوصيتي أن تكوني قوية… وأن تساعدي
مولاي في إدارة شؤون الرعية… و….
زادت قمر الزمان في البكاء؛ فاقترب منها بحياء.. ربت
بكفه على كتفها وبكل رفق الأخ احتضنها.. ثم همس بعد
أن شعر هدوءها:
أعدك بعودتي يا قمر الزمان.. لأكون كعادتي لك
الأمان.. ولكن إياك والنسيان.. إياك أن تنسي ابن
عمك نوران.
ابتسمت من بين دموعها.. ثم علا على صدره
نشيجها.. فزاد هو من ضمها غافلًا عن عينين
تراقبهما.. وتتوعد بالانتقام ويمني نفسه بأخذها…!
بعد ثلاثة أيام
على مرفأ السفينة.. كان الأمير نوران يلوح لوالده
الملك النعمان وابنة عمه الأميرة قمر الزمان قبل أن
يغادر المكان… يرى دموعها من موقعه… وخوف والده
الذي يحاول قمعه… كان يراقب علامات الحزن بادية
على الجميع.. من يلوحون له من على الأرض … ومن
يرافقونه في البحر..
والتقت عيناه بعيني شعلان ذلك
الوزير الثعبان الذي أيقن بأنه وراء قرار والده.. وود لو
علم قبل رحيله مقصده.. لكن الوقت لم يسعفه..!
عاد يمعن في نظراته.. التي طالما لاحظها.. لكن دومًا
يجيد اخفاءها في الوقت المناسب ورأى فيهما كم الحقد
والتشفي الذي يحمله بداخله. لم يرد إطالة النظر أكثر
فدار على عقبيه وقد قرر ألا يلتفت إلى الوراء… وكأنه
منذ الآن بدأ رحلته الصماء… وهو سيواجه المخاطر بكل
قوة وإباء.
صعد إلى ظهر السفينة وأمرهم بالإقلاع وهو يراقب
الموج الهاديء، ثم العدد الكبير الذي يتحرك من حوله
بكل همة ونشاط، كل يؤدي واجبه… ومن بين الجمع الغفير… كان هناك شخص خطير.. مدسوس على الأمير
وقد أرسله الوزير.. ومعه مساعده الصغير.. رجل في
الجسد نحيل.. لكن قلبه…. أسود لعين…!
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
إقرأ أيضًا ولا ألف ليلة وليلة – الليلة الثانية