سنتعرف اليوم علي الموضوعية والذاتية في البحث العلمي، فالبحث العلمي هو منهج لوصف واقعة معينة أو مجموعة من الوقائع من خلال اتباع عدة معايير، والهدف من البحث العلمي العثور على حلول لبعض المشكلات العلمية، أو زيادة المعرفة في إحدى المجالات العلمية، أو دراسة تحليلية لتأثير العوامل الشخصية على نتائج هذا التحليل العلمي. سنقدم من خلال مقالنا ما هي الموضوعية والذاتية في البحث العلمي.
تعريف البحث العلمي
اختلف تعريف البحث العلمي من باحث لآخر، فعلى سبيل المثال عرفه عبد الباسط خضر بأنه عملية فكرية منظمة يقوم بها الباحث بغرض تقصي الحقائق في مسألة أو مشكلة معينة يُطلق عليها اسم موضوع البحث، وهذا من خلال اتباع طريقة علمية منظمة يُطلق عليها اسم منهج البحث، وفي النهاية يتم الوصول إلى حلول ملائمة تُسمى بنتائج البحث. كما عرف فريدريك كيرلنجر البحث العلمي على أنه عملية تقصي تجريبية، ناقدة، منظمة ومضبوطة لافتراضات تُحدد طبيعة العلاقات بين متغيرات ظاهرة أو حدث معين.
وعمومًا، تشترك جميع تعريفات البحث العلمي في اتباعه لمنهج وأسلوب منظم، مرونة البحث العلمي وقدرته على التكيف ضمن بيئة الدراسة، اهتمامه بإثبات صحة المعلومات بالتجارب والقدرة على استخدامه في جميع المجالات العلمية. ويعتبر البحث العلمي عملية موضوعية، وتسير على خطة محددة ومنظمة، بهدف البحث عن حقيقة معينة، ولكن ما دور الموضوعية والذاتية في البحث العلمي، وهل تتعارض الموضوعية مع الذاتية؟
“اقرأ أيضًا:طريقة كتابة المراجع في البحث العلمي“
مراحل تطور البحث العلمي
الهدف الرئيسي من البحث العلمي هو إيجاد الطرق والأساليب التي تقودنا إلى الحقيقة، وكلما تطورت هذه الطرق والأساليب، كلما تطور البحث العلمي، وفيما يلي مراحل تطور البحث العلمي بتطور أساليبه:
- مرحلة الصدفة: وهي هذه المرحلة تم نسب معظم الظواهر والمشكلات إلى الصدفة دون وجود رغبة في البحث عن حل لها.
- مرحلة بناء الخبرة: وتعتبر من أهم مراحل تطور البحث العلمي، وبدأت بتكرار العديد من المحاولات واكتشاف الخطأ في كل محاولة ومن ثم تجنبه، وبالتالي يكتسب الباحث الخبرة من خلال معرفته للعديد من الأخطاء وبحثه عن الحقيقة أو الحلول لمشكلة بسيطة.
- الاعتماد على التقاليد وأصحاب السلطة: في هذه المرحلة تم الاعتماد على العادات، التقاليد أو آراء الأشخاص ذوي السُلطة والنفوذ، مع عدم التفكير في مدى صحة الأفكار الناتجة عن ذلك.
- مرحلة التأمل، الجدال والحوار: وفي هذه المرحلة بدأ الباحثين بالاعتماد على الجدالات، النقاشات والبحث عن المنطق للوصول لتفسير واضح للظواهر والمشاكل المختلفة، وبذلك تم التحرر من السُلطة.
في هذه المرحلة ظهر ما يُعرف بالتفكير الاستقرائي، والذي يعني الوصول إلى المعرفة من خلال تحويل الأمثلة الجزئية إلى نتيجة نهائية، بالإضافة إلى ظهور التفكير القياسي، وهو التفكير الذي ينتقل من المقدمات إلى النتيجة النهائية.
- مرحلة الطريقة العلمية: وبدأت هذه المرحلة في العلوم الطبيعية، ثم شملت العلوم الإنسانية والاجتماعية.
تمر الطريقة العلمية بمجموعة من الخطوات وهي وضع الفرضيات، جمع البيانات، القيام بالتجارب لنفي أو تأييد الفرضيات، ومن ثم تحديد النتائج.
“قد يهمك أيضًا: طرق جمع البيانات في البحث العلمي“
أهداف البحث العلمي
المقصود بأهداف البحث العلمي الهدف الذي يتم وضعه قبل البدء بإجراء البحث بأكمله، وفيما يلي أبرز أهداف البحث العلمي:
- الوصف: ويعد أهم أهداف البحث العلمي، ويتم فيه جمع المعلومات عن ظاهرة معينة لتفسيرها بشكل واقعي.
- التنبؤ: وهنا يتم وضع تصورات وتوقعات للتغيرات الممكن حدوثها، ومن ثم دراسة الظاهرة ودراسة هذه الظروف المتوقعة.
- التفسير: وفي هذا الهدف يتم تفسير ظاهرة ما تفسيرًا واضحًا ووافيًا، ويتم توضيح جميع الأسباب المؤدية إلى حدوثها، والأبحاث التي تهدف إلى التفسير تنقسم إلى نوعين، وهي أبحاث تفسيرية بحتة وأبحاث توضيحية تطبيقية.
- التقويم: وفي هذا الهدف يتم تقويم أي ظاهرة يتم دراستها.
- الدحض والتنفيذ: وفي هذا الهدف يتم إجراء عدة تجارب حول فرضية ما ليتم التأكد من صحتها أو دحضها.
- التأكد: وهنا يهدف الباحث إلى التأكد من صحة أبحاث سابقة أو ينفي صحتها، وهذا عن طريق قيامه بتجربة على مجموعة من العينات الدراسية.
- العثور على معلومة حديثة: وفي هذا الهدف يحاول الباحث العثور على معلومة جديدة متعلقة بظاهرة أو مشكلة ما.
- التحكم والضبط: وفي هذا الهدف يقوم الباحث بالتحكم في مجموعة من العوامل في دراسته للتأكد من ظاهرة معينة تمت دراستها من قبل.
“شاهد أيضًا: طريقة البحث في الباحث العلمي“
خصائص البحث العلمي
للقيام ببحث علمي واضح وصحيح وفق الطريقة العلمية، يجب أن يُراعي الباحث مجموعة من الخصائص في بحثه، وفيما يلي 11 من أهم خصائص البحث العلمي:
- العمق، التحليل والنقد، وهذا عن طريق عرض المعلومات بعد الإجابة على أسئلة مثل: لماذا؟ كيف؟ ومتى؟ وغيرها من الأسئلة المهمة والمنشطة للأفكار الناقدة والتحليلة.
- استقلالية الباحث في طرح معلوماته، ورغبته الجادة في التوصل إلى معلومات جديدة وحلول مبتكرة لمشكلات البحث، وهذا أيضًا يتضمن عدم قيامه بالسرقة الأدبية أو النقل الحرفي للمعلومات.
- الموضوعية، وتعتبر من أهم خصائص البحث العلمي، وتعني البعد عن التحيز والعواطف عند طرح الأفكار، والقيام بعرض تفاصيل البحث بطريقة محايدة تعتمد على الأدلة الموضوعية.
- الاستقصاء، حيث يهدف البحث العلمي إلى دراسة المشكلة بكافة مفاهيمها وجوانبها بدقة وشمولية.
- اتباع أحد مناهج البحث العلمي مثل المنهج الوصفي، الاستقرائي والتحليلي.
- التوثيق، حيث تستند المعلومات الواردة في البحث على مصادر ومراجع يتم توضيحها.
- الدقة، الجدية، الوضوح والبساطة.
- تناسق جميع أجزاء البحث.
- عدم تكرار المعلومات.
- شرح المعلومات شرحًا وافيًا بالاعتماد على مراجعها الأصلية.
- الانتباه على قواعد الكتابة والتعبير، بما يتضمن علامات الترقيم، أسس الكتابات الأكاديمية والإملاء.
“اطلع أيضًا على: طريقة كتابة بحث علمي“
أهمية الذاتية والموضوعية في البحث العلمي
يُقصد بالذاتية، ذات الباحث، مشاعره، خبراته، تجاربه وأفكاره الشخصية، وأما الموضوعية فالمقصود بها ما هو متعلق بموضوع البحث.
ويُقصد بعبارة “إظهار ذات الباحث في بحثه” إظهار رأيه وتعليقه الشخصي على النصوص المقتبسة وعلى عناصر البحث.
وعلى الباحث التخلي عن ذاته في البحث، وهذا يعني عرضه لتفاصيل البحث بموضوعية وحيادية بعيدًا عن رأيه وفكره الشخصي.
وضح الدكتور فريد الأنصاري أن تدخل الذاتية يمكن أن ينقسم إلى نوعين وهما التدخل الإرادي والتدخل الغير إرادي.
في التدخل الإرادي يحاول الباحث توجيه بحثه بحيث يخدم أفكاره، مذهبه أو اتجاهاته الخاصة، فيقوم الباحث بالتركيز فقط على الدراسات التي تدعم فكرته ويتجاهل ما هو غير ذلك.
أما في التدخل اللاإرداي، تتدخل الذاتية في موضوع البحث بحيث تضع تجاربها الشخصية في البحث، فمثلًا في بحث متعلق بالفشل الدراسي يتم التركيز على الفقر من واقع تجربة الباحث، ويقع الباحث دون قصد منه بخطأ تجاهل الأسباب الأخرى.
ووضح الدكتور فريد الأنصاري وسائل لتجنب تدخل الذاتية، فبالنسبة لتدخل الذاتية الإرادي فيمكن تجاوزه بالموضوعية والعدل، حيث يتم نقل المعلومة كما هي من مصادرها الأصلية دون التعديل عليها أو حذفها.
أما بالنسبة لتدخل الذاتية الإرادي فيمكن تجاوزه بمحاسبة النفس، والسعي لتكامل البحث بجميع العناصر الممكن تقديمها، ففي الموضوعية يتم عرض كل الأجزاء المسؤولة عن مشكلة ما.
أما من ناحية عبارة ” ينبغي أن تظهر ذات الباحث في بحثه” فتُستخدم بعد أن يكون الباحث صادقًا في جميع عناصر بحثه، ولا يُخفي أي رأي حتى لو كان مخالفًا له، وفي النهاية يمكنه أن يعرض رأيه ويرجح الصواب بحسب الأدلة والقوانين.
وهذا يعني أن الذاتية يمكن أن تتدخل بموضوعية وعقلانية، بهدف توضيح الحقيقة بدون أي كذب أو تدليس.