الشاعر جرير بن عطية؛ اسمه ونسبه، ونبذة عن حياته

الشاعر جرير بن عطية من قبيلة كليب من أهم شعراء دولة بني أمية أعجب الخلفاء الأميون بشعره، وحظي بمكانة عالية. نتحدث عن اسمه ونسبه، ونبذة عن قصائده.

[faharasbio]

الشاعر جرير بن عطية بن حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن حنظلة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم بن مر بن إد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الكلبي اليربوعي التميمي، ولد في بادية نجد عام 653 م، في زمن خلافة عثمان بن عفان، في مدينة ثرمداء، وهي في منطقة الوشم، في وادي الكليبية، نسبة إلى بني كليب التي هي قبيلة الشاعر جرير، ويكنى بأبي حرزه.

وقد ذكر الشاعر جرير نسبه في مطلع أحد قصائده:

اِنظُر خَليلي بِأَعلى ثَرمَداءِ ضُحىً

                          وَالعيسُ جائِلَةٌ أَغراضُها خُنُفُ

اِستَقبَلَ الحَيُّ بَطنَ السِرِّ أَم عَسَفوا

                           فَالقَلبُ فيهُم رَهينٌ أَينَ ما اِنصَرَفوا

كان الشاعر جرير بن عطية من أهم شعراء دولة بني أمية، ووالدته من بني كليب، كان في أول شبابه راعيًا للغنم، ومحبًا للشعر، وأعجب بشعره الخلفاء الأمويون، فقد حظي عندهم بمكانة عالية.

تربى جرير بن عطية وسط عائلة ذات أصول شعرية، فقد تأثر بجده حذيفة بن بدر الخطفي الذي كان شاعرًا، وأمه اشتهرت بالشعر أيضًا، حتى أن أبناؤه وأحفاده واصلوا مسيرته بالشعر، ومنهم: بلال، والمغيرة بن حجناء بن نوح بن بلال بن جرير، وعمارة بن عقيل بن بلال.

مات الشاعر جرير في نجد عام 728 م، عن عمر يناهز 77 عامًا، تاركًا وراءه إرثًا شعريًا قيمًا. نتحدث في مقالنا عن الشاعر جرير بن عطية، اسمه ونسبه، ونبذة عن حياته.

صفات الشاعر جرير بن عطية

صفات الشاعر جرير بن عطية

يعتبر الشاعر جرير بن عطية من أشهر شعراء العرب في المدح، والهجاء، وحتى الرثاء، وكان منافسًا قويًا للفرزدق والأخطل، فكان اسمه مرتبطًا بأسمائهم.

تفوق جرير على شعراء عصره، فقد كان شعره واضح المعاني، وكان أغزلهم شعرًا، وظل يناضل بشعره أمامهم، فلم يصمد أمامه سوى الفرزدق، والأخطل، وكان شعره لاذعًا، ينال من يهجوه الأذى، ومن بينهم بنو نمير.

كان الشاعر جرير بن عطية عفيفًا، حيث كان يبدع في الغزل دون وصف مفاتن المرأة، وكان كثير الشعر، فقد أثرى الأدب بقصائد يشهد لها التاريخ، من حيث الصياغة، وانتقاء الكلمات المعبرة، والربط فيما بينها.

 لم يكن جرير شاعرًا تقليديًا، حيث تمكن من الخروج عن العادات والمألوف في شعره، وخصوصًا عندما أثبت للناس أن بكاء الرجل على زوجته ليس عيبًا، وعندها رثى زوجته بقصيدة أظهرت حزنه.

 تميز شعر جرير بحسن الديباجة، وسهولة المعاني، والتراكيب القوية، والفصاحة، لذلك كانت قصائده سهلة التداول، والتذكر.

كان جرير شاعرًا وجدانيًا، متدينًا، لا يحب الظلم، وكان ذو مكانة عالية بين أبناء قبيلته، حتى أنه شبه بالأعشى، كما كان بمثابة الناقد للشعراء.

“اقرأ أيضًا: سيرة الصحابي الجليل عثمان بن عفان

قصائد من شعر جرير بن عطية

نورد 7 من أهم قصائد من شعر جرير بن عطية:

هجاء جرير للفرزدق

استمرت حرب الهجاء بين الشاعر جرير بن عطية وبين الفرزدق مدة أربعين عامًا، في قصائد عديدة سميت نقائض جرير والفرزدق، ونذكر من أهم قصائد شعر جرير بن عطية في هجاء الفرزدق:

إنَّ الفَـــــرَزدَقَ أخـــزَتهُ مَثَــالِبُــــهُ.

                                           عَبــدُ النَّهارِ وَزَاني الليلِ دَبَّابُ

لا تَهـجُ قَيسـاً ولَكِــن لــو شـكَرتـهـمُ.

                                           إنَّ الَّلئيمَ لأهلِ السّروِ عَيَّابُ

قَيسُ الطَّعانِ فلا تَهجو فَوَارِسَهُم.

                                            لحاجبٍ وأبي القعقاعِ أربَابُ

فاسأل تَميماً مَن الحامُونَ ثَغرَهُمُ.

                                             والوَالِجونَ إذا ما قُعقِعَ البَابُ

وفي أثناء الحرب الشعرية بين جرير والفرزدق، كان الشعراء المعاصرون ينحازون لشاعر دون الآخر، وكان من بينهم الراعي النميري، الذي انحاز إلى الفرزدق ضد جرير قائلًا:

يا صاحبي دنا الرواح فسيرا                غلب الفرزدق في الهجاء جريرا

فرد عليه جرير بقصيدة مؤلفة من 97 بيتًا شعريًا، أطلق عليها الدامغة، ومن أبياتها:

أعد الله للشعراء مني                        صواعق يخضعون لها الرقابا

أنا البازي المدل على نمير                  أتحت من السماء لها انصبابا

إذا علقت مخالبه بقرن                      أصاب القلب أو هتك الحجابا

ترى الطير العتاق تظل منه                 جوانح للكلاكل أن تصابا

فلا صلى الإله على نمير                    ولا سقيت قبورهم السحابا

ولو وزنت حلوم بني نمير                  على الميزان ما بلغت ذبابا

ستهدم حائطي قرماء مني                  قواف لا أريد بها عتابا

أعد لهم مواسم حاميات                     فيشفي حر شعلتها الجرابا

فغض الطرف إنك من نمير                 فلا كعب بلغت ولا كلابا

أتعدل دمنة قلت وخبثت                     إلى فرعين قد كثرا وطابا

إذا غضبت عليك بنو تميم                   حسبت الناس كلهم غضابا

لنا البطحاء تفعمها السواقي                ولم يك سيل أوديتي شعابا

ستعلم من أعز حمي بنجد                   وأعظمنا بغائرها هضابا

شياطين البلاد يخفن زأري                  وحية أريحاء لي استجابا

إليك إليك عبد بني نمير                     ولما تقتدح مني شهابا

رثاء جرير للفرزدق

على الرغم من الحرب المشتعلة بين جرير والفرزدق والتي دامت سنوات طويلة، إلا أن جرير حزن على موت الفرزدق، حيث جاء في شعر جرير بن عطية عن رثائه للفرزدق:

فـلا حمَـلَــت بَعـدَ الفَــرَزدَقِ حُــــرَّةٌ.

                                         وَلا ذاتُ حَملٍ من نفاسٍ تَعَلَّتِ

هُوَ الوافِدُ المَجنُــورُ والحامِــلُ الذي.

                                           إذا النَّعلُ يوماً بالعَشيرةِ زلَّتِ

وقال أيضًا في رثاء الفرزدق:

لعمري لَقَدْ أشجي تميمـاً وهده             على نكبات الدهر موت الفرزدق

عشيـة راحـوا للفـراق بنعشه               إلى جدثٍ في هوة الأرضِ معمـقِ

لقد غادروا في اللحد من كان ينتمي       إلى كل نجم فـي السمـاء محلـقِ

ثوي حامل الأثقال عن كل مُغـرمٍ           ودامغ شيطان الغشـوم السملـقِ

عمـاد تميـم كلهـا ولسانـهـا                 وناطقها البذاخ فـي كـل منطـقِ

فمن لذوي الأرحام بعد ابن غالبٍ           لجارٍ وعانٍ في السلاسـل موثـقِ

ومن ليتيم بعد موت ابـن غالـب            وأم عـيـال ساغبـيـن ودردقِ

ومن يطلق الأسري ومن يحقن الدما      يداه ويشفي صدر حـران مُحنَـقِ

وكم من دمٍ غـالٍ تحمـل ثقلـه               وكان حمولاً في وفـاءٍ ومصـدقِ

وكم حصن جبار هُمـامٍ وسوقـةٍ             إذا مـا أتـي أبوابـه لـم تغلـق

تفتـح أبـواب الملـوك لوجهـه               بغيـر حجـاب دونـه أو تملُـقِ

لتبكِ عليه الأنس والجن إذ ثـوي           تي مُضرٍ في كل غـربٍ ومشـرقِ

فتيً عاش يبني المجد تسعيـن حجـةً       وكان إلى الخيرات والمجـد يرتقـي

فما مات حتى لـم يُخلـف وراءه            بحيـة وادٍ صولـةً غيـر مصعـقِ

من أقوال الشاعر جرير بن عطية في الفخر

إذا غَضِـبَـتْ علـيـكَ بـنـو تـمـيـمٍ.

                                     حَسِبْـتَ الـنَّـاسَ كُلَّـهُـمُ غِضَـابـا

ومن أقواله في مدح الخليفة عبد الملك بن مروان:

ألستم خير من ركب المطايا          وأندى العالمين بطون راح

وقوم قد سموت لهم فدانوا             بدهـم في مـلملة رداح      

فقد وجدوا الخليفة هبرزياً              ألف العيص ليس من النواحي

ومن أقواله في الغزل

يا ام عمـرو جـزاك الله مغفـرة              ردي علـي فـؤادي مثلمـا كانـا

لقد كتمت الهـوي حتـي تهيمنـي            لا أستطيـع لهـذا الحـب كتمانـا

إن العيون التي في طرفهـا حـور           قتلننا ثـم لـم يحييـن قتلانـا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به          وهـن أضعـف خلـق الله أركانا

وقال جرير في رثاء زوجته:

لولا الحياء لهاجني استــعبارُ               ولزرت قبركِ والحـبيبُ يزارُ

ولقد نظرتُ وما تمتعُ نظــرةٌ                في اللحدِ حيث تمكنُ المحفارُ

فجزاكِ ربكِ في عشيركِ نظرةٌ              وسقي صداك مجلجل مدرارُ

ولَّهتِ قلبي إذ علتني كــــبرةٌ               وذوو التمائم من بنيك صغارُ

أرعي النجومَ وقد مضـتْ غوريةٌ           عصبُ النجومِ كأنهنَ صوارُ

نعم القرينُ وكنتِ عــلق مضنةٍ             واري بنعف بلية، الأحجـارُ

عمرت مكرمةَ المساكِ وفارقتْ             ما مسها صلفٌ ولا إقتارُ

ومن أقواله في مدح عمر بن عبد العزيز:

إنــا لنرجـو إذا مـا الغيـث أخلفنـا           مـن الخليفـة مـا نرجـو مـن المطر

نــال الخلافـة إذ كـانت لـه قـدرا            كمـا أتـى ربـه موسـى على قدر

وفي النهاية نجد أن الشاعر جرير بن عطية كان لديه موهبة شعرية خاصة، استمدها من فطرته الأدبية التي كانت سببًا في سلاسة أسلوبه، كما كان للقرآن الكريم أثرًا واضحًا في شعره، مما جعله من أفضل شعراء عصره.

[ppc_referral_link]