قصة صراع – رحلة إلى وادي عبقر

قصة صراع
شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

قصة صراع من كتاب رحلة إلى وادي عبقر

من قصة صراع من كتاب رحلة إلى وادي عبقر… كنت مستلقيًا على سريري بعد يوم شاق وطويل، أغمض عيني محاولًا النوم، السكون يلف
المكان، والعتمة تغلف كل شئ إلا من بصيص نور خافت يأتي من نافذة حجرتي مصدره ذلك
الضوء القادم من عمود الإنارة اللعين القائم في الشارع، وكم تمنيت لو أرميه بحجر فأكسره
وأدعه يحترم الظلام المهيب ولا يخدش حياءه.

وإذ بي أسمع أصوات أبواب تفتح بشكل خافت، وجلبة مكتومة تصدر، كنت أرقب المشهد
بعينين نصف مفتوحتين، وأذنين مشرعتين، ومن خلال بصيص النور رأيتهما يتقابلان وجهًا
لوجه، نظر أحدهما وأعرفه جيدًا بهيئته المزرية كقاطع طريق إلى الآخر نظرة تحدٍ وازدراء،
أما الآخر فكانت المرة الأولى التي أراه بها، ولكنه كان يبدو خجولًا رقيقًا هادئًا.

جلسا متقابلين على الطاولة في الغرفة ووضع ذلك الجلف المتعجرف ساقًا على ساق، أما
الخجول فقد شبك يديه أمامه على الطاولة وكان يجلس وقدميه متلاصقتن ونظره مركز على
يديه المتشابكتين.

وقبل أن يتكلما تحسس المتعجرف جيوبه كمن يبحث عن شيء، قائلًا بعصبية: اللعنة يبدو
أنني قد نسيت سجائري في مقلب القمامة الذي أعيش فيه!!

ولفرط دهشتي رأيته يقوم من مكانه ثم يتجه إلى سريري، أحسست بالرهبة من خطواته
المقتربة وكنت أدعو في سري أن لايمسني بسوء، ولكنه مد يده واختطف علبة سجائري من
قربي وفتحها وأنا أنظر إليه بنصف عين لا أجرؤ على الحركة، وفتحها ومط شفتيه وحسبت
في تلك اللحظة أنه سيلطمني أو في أحسن الأحوال سيشتمني، ولكنه قال موجهًا حديثه لي:

اعذرني فسأستعمل سجائرك الحقيرة هذه المرة، أخذ لفافة وضعها في فمه وقبل أن يعيد
العلبة إلى مكانها أخذ أخرى ووضعها فوق أذنه ماطًا شفتيه باستهزاء، وللحقيقة كنت أدعو
في سري أن يأخذ العلبة كلها، ولكن ليدعني أرقد بسلام. ثم عاد يمشي الهوينى ليتخذ مجلسه
السابق على الكرسي، أشعل لفافة التبغ اللعينة وأخذ منها نفسًا عميقًا، ثم نفث دخانها في
وجه الخجول الذي أخذ يسعل بشدة، فسخر منه قائلًا: إلى متى ستظل رقيقًا هكذا لا تتحمل
نفثة دخان، فاحمر وجهه قائلًا: لقد أتعبتني كثيرًا بسمومك هذه.

نظر إليه بضيق وتبرم قائلًا ببرود: إذًا فاغلق أنفك لكي لا تتنفس دخان سيجارتي.
ولكنك تجعلني أدخن تدخينًا قسريًا وهذا لا …
فقاطعه قائلًا: والآن قل لي لماذا استدعيتني وطلبت مقابلتي على عجل في هذا الليل وجعلتني
أترك عملي وآتي إليك بسرعة.
نظر إلى الأرض بخجل ليردف قائلًا:
لقد أحببتها يا صديقي حبًا لم يحبه بشر وأرقتني وأتعبتني ثم فجأة غادرتني فما العمل؟

فنظر إليه قائلًا بتأفف: كم نصحتك فلم تستمع لي أبدًا والآن جئت لتذرف دموع الأسى
والهوان أمامي تًبا لك من غر أحمق وماذا بوسعي أن أفعل لك الآن؟!
فأجابه على استحياء جد لي حلًا ولكن إياك أن تقول لي أن أنساها فإنني لن أستطيع فعل ذلك.
نظر إليه صديقه نظرة طويلة وأكاد أقسم أنني رأيت فيها نظرة إشفاق قائلًا:
لا يوجد لدي حل سوى أن تنساها.
وفي المرة القادمة دعني أفكر عنك قبل أن تحب اتفقنا؟
فهز رأسه موافقًا ليقول اتفقنا.

انفضت الجلسة باتفاقهما الذي شهدت عليه وهما لايعلمان، وغادر كل منهما مكانه عائدًا إلى
بيته.

وفي الصباح الباكر تأنقت كعادتي ونزلت الدرجات قاصدًا عملي، فالتقيتها، وتلاقت أعيننا
وابتسمت لي، رباه ما أجملها من فتاة، وما أجمل ابتسامتها، أحسست بقلبي يدق بداخل
صدري وكأنه يريد أن يتبعها، ليصرخ العقل في رأسي، أيها القلب الغبي لقد أسهرتني طوال
الليل معك وأنت تشكو لي وتندب حظك، واتفقنا أن لا تتخذ أي خطوة قبل سؤالي، والآن أيها
الغبي تدق لأول عابرة سبيل؟! تبًا لك وتبًا لي إذ سمعت كلامك وصدقتك.

فابتسم القلب الخجول قائلًا بصوت خفيض:
فقط هذه المرة يا صديقي هذه المرة.
فهدر عقلي:
فعلًا لا يصلح العطار ما أفسد الدهر.

قصة صراع من كتاب رحلة إلى وادي عبقر من كتاب رحلة إلى وادي عبقر وقصص أخرى.

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

منصة الكترونية لنشر المقالات باللغة العربية. يسعى موقع فنجان الى اثراء المحتوى العربي على الانترنت وتشجيع الناس على القراءة

‫0 تعليق