الموت النفسي
{البقاء لله وحده} كل إنسانٍ منّا سيموت في وقته، فلا يوجد أي إنسان خالد في هذه الحياة، وتتعدّد أسباب الموت ما بينَ {الأمراض الصحيّة، الجرائم، الانتحار، الحوادث، كبر السن} وغير ذلك، فالموت حالة طبيعية تستدعي توّقف الوظائف الحيوية وأعضاء الجسد، ولكن هل سمعتَ من قبل عن الموت النفسي؟ وهل يُمكن أن يموت الإنسان بسبب حالته النفسية التي تُسيطر عليه؟
في الحقيقة نعم، فقد توّصلَ عدّة أطباء وخبراء في أنَ نفسية البشر هيَ العامل الأكبر لهم سواءً في ازدهار حياتهم وتمتّعهم بصحةٍ سليمة أو في موتهم وإصابتهم بأمراضٍ خطيرة، فكل إنسانٍ منّا معرّض لصدماتٍ قوية في حياته، فالحياة تُعلّمنا الكثير منَ التجارب، فالخذلان وخسارة الأحباء وفقدان العمل والإفلاس، تحوّل حالة المرء إلى نفسيةٍ صعبة لا يُمكنهُ تجاوزها بسهولة.
ومنَ الجدير بالذكر، أنه تختلف قدرات الأفراد في التعامل معَ المواقف الحياتية المؤلمة، فمنهم من يقترب منَ الله ويُفوّض أمره لهُ ويبدأ من جديد ويُغيّر طريقة تفكيره ويُرّكز على نجاح حياته الجديدة، ومنهم من يستسلم للألم والوحدة ويصل بهم الأمر إلى الموت النفسي، ولذلك ما المقصود بالموت النفسي؟ وما هي أعراضه؟ أبرز أسبابه؟ وطرق علاجه؟
ما المقصود بالموت النفسي؟
إنهُ عبارة عن حالة نفسية تطرأ على الفرد، فهوَ أشدّ فتكاً منَ الاكتئاب، يبدأ المُصاب بالانعزال عن الآخرين شيئاً فشيئاً، ومن ثمَ يتوقف شغفه تجاهَ العمل أو الدراسة أو العلاقات الاجتماعية، ويُضرب عن الطعام، ويشعر بأنَ نهايته اقتربت، وخاصةً إذا واجهَ مشكلة مأساوية لها أثر سلبي على حياته، ولا يوجد مفرّ منها إلّا بالاستسلام، ومن هنا تبدأ دوامة منَ الأفكار السلبية والتشاؤمية تُسيطر على المُصاب، وتتدهور حالته وفي غضون عدّة أيام يموت من شدّة سوء حالته النفسية إذا لم يتم السيطرة عليها في وقتٍ مبكّر.
ما هي أعراض الإصابة بالموت النفسي؟
توجد عدّة علامات تظهر على الفرد المُصاب بها، مثل:
- فقدان الرغبة والشغف.
- الشعور بالاكتئاب.
- الانعزال عن الآخرين.
- فقدان الوزن.
- التفكير المفرط بسلبية.
- تهويل الأمور.
- الاستسلام لضغوطات الحياة.
- اللامبالاة.
- إهمال الذات من ناحية الصحة، بالإضافة لتدني العلاقات الاجتماعية وتراجع الأداء الوظيفي.
- فقدان الأمل.
- الخمول والكسل.
ما هي أبرز أسباب الإصابة بالموت النفسي؟
لا يصل الإنسان لهذه الحالة إلّا بعدَ تعرّضه لعدّة عوامل منها:
- صدمة قوية: تختلف الصدمات عادةً، فإذا كانت طبيعة الفرد وشخصيته ضعيفة ولا يُمكنهُ الاعتماد على نفسه والوقوف على قدميه من جديد، قد يستسلم بسهولة من أي صدمة تُواجهه، على سبيل المثال {عامر شاب جامعي يعيش معَ والديه، ويعتمد عليهم ويحصل على مصروفه منهم ولا يستطيع العيش بعيد عنهم، وفجأة يتلّقى عامر اتصال يُخبره بوفاة والديه نتيجة حادث مروري}.
فمنَ المُمكن أن لا يتلّقى الصدمة ويعيش الحزن والأسى لشهورٍ عديدة ومن ثمَ يُعاود حياته بشكلٍ طبيعي، ويبقى ذكراهم في قلبه، بل على العكس من ذلك من شدّة التعلّق بهم قد ينعزل ويختبئ في المنزل وتتدهور نفسيته إلى وصوله لمرحلة الموت النفسي.
والأمر ذاته ينطبق على فقدان أحد الأطفال أو شريك الحياة.
- الفشل في الحياة: لا يوجد نجاح دائم بدون فشل، ولكن يُواجه معظم الأفراد حالات فشل قاسية معَ ضغط المحيطين بهم، فإذا فشلَ الإنسان في دراسته الجامعية وطردَ منها ولم يجد أي مكانٍ يستقبله ولا وظيفة يحصل على مالٍ منها ولا عائلة محبّة وداعمة.
تلقائياً سيتحوّل إلى إنسان منعزل وبائس وحزين، وإذا لم يتم انتشاله من حالته، ستُسيطر عليه وتُسبب لهُ الوفاة.
ما هي طرق علاج الموت النفسي؟
منَ الصعب إيجاد حل أو طريقة سحرية لإخراج الفرد من حالته النفسية القاسية، ولكن توجد عدّة خطوات يُمكنها السيطرة على حالته، مثل:
- تقديم يد العون: قبلَ أي علاج عليكَ مساندة الشخص الذي تعرّضَ لصدمة على الفور، سواءً كان شريكك أو شقيقك أو صديقك، لا تدعهُ وحده، وحتى لو طلبَ منكَ ذلك، حاول الاطمئنان عليه كل عدّة ساعات، وتجنب الاستهزاء بمشاعره أو إلقاء كلمات عليه مثل {لا تُهوّل الأمور، إنها مشكلة بسيطة}.
ما عليك إلّا البقاء بجانبه ومحاوله إسعاده بأي شيءٍ بسيط، لأنَ أفكاره في تلكَ اللحظة غير منطقية، فتارةً يُفكّر بالانتحار وتارةً يُفكّر بالموت البطيء، وهذا شعور طبيعي ناتج عن الصدمة، فالأهم البقاء بجانبه ودعمه واحتوائه وإظهار الحب له.
- إعادة المُصاب لرشده: إذا وصلت حالة الفرد لليأس التام، ولا يُفكّر إلّا بالموت، فالأفضل استشارة رجل دين من أجل الجلوس بجانبه وإعادة رشده وصوابه إليه، وليستطيع التمييز بينَ الصح والخطأ والحرام، ومحاولة اقترابه بشكلٍ أكبر منَ الله من خلال الطاعة والعبادة والاستغفار لتغيير حاله للأفضل.
- تعويض خسارة الفرد: مهما كانت نوع الصدمات التي يُواجهها البشر، إلّا أنَ الشعور بأشخاص يهتّمون لهم ويُحبّونهم يُساعدهم على الاستمرار في الحياة، فإذا فقدَ صديقك والديه، حاول الاقتراب منه ودعوته لمنزلك والجلوس معَ والديك لزيادة شعوره بالأمان والراحة.
وإذا فقدَ شقيقك وظيفته التي يعتمد عليها وتُعتبر مصدر دخله الوحيد، لا تدعهُ يكتئب، حاول تقديم مساعدة مالية لهُ إن أمكن وتأمين وظيفة عمل بسيطة لحين استعادة قوّته والبحث عن وظيفة أفضل، فالتعويض منَ الطرق العلاجية المهمة في هذه الحالة.
قد يهمك: 7 خطوات تُساعدك في السيطرة على النفس
في الحقيقة إنَ الموت النفسي عبارة عن حالة يعيشها الفرد قبلَ أيام من حدوث موته الحقيقي، فكم مرة سمعتَ بوفاة شاب نتيجة الحزن بشكلٍ مفاجئ؟ أو وفاة فتاة نتيجة الضغط النفسي عليها؟ لذلك ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، لا تُلقي أي كلماتٍ جارحة أو تصرفاتٍ سيئة للأشخاص من حولك، ادعم أي فردٍ تشعر بأنَ حالته النفسية سيئة، قد تنقذه من خسارة حياته وتكسب أجر عندَ الله بمساندته.
{{نأمل أن يعجبكم المقال أيها الرائعون}}.