الأنظمة البيئية والكتل الحيوية
في سلسلة مبادئ في علم البيئة سنتعلم معنى المجتمع، السكان والأنظمة البيئية، حيث ينشأ المجتمع من مجموعة متنوعة من السكان الذين يعيشون في البيئة ذاتها أو في المنطقة ذاتها.
وهذا يعني أن السكان يتشاركون دائمًا في البيئة ذاتها، ولكن كيف يتفاعل السكان معًا في هذه البيئة؟
أي كيف تتعامل المخلوقات الحية المختلفة معًا في بيئة ما، وكيف تتعامل هذه المخلوقات الحية مع الأشياء الغير حية الأخرى في بيئتها، هذا أحد أهم مبادئ علم البيئة.
في الفقرات الآتية أهم التفاعلات التي تحدث بين السكان الذين يعيشون معًا في البيئة ذاتها.
التفاعلات بين السكان
التنافس
في البداية، علينا أن نعلم أن الأنظمة البيئية والتفاعلات بين السكان كثيرًا ما تتضمن بعض أنواع المنافسة (بالإنجليزية: Competition).
تعني المنافسة محاولة حصول أكثر من نوع مختلف من السكان على شيء واحد محدد، قد يكون هذا الشيء الماء، الطعام، المسكن أو أي شيء آخر ضروري لحياة هذه الأنواع.
على سبيل المثال في الغابات تتنافس النباتات معًا للحصول على ضوء الشمس، أو للحصول على بعض العناصر الغذائية من التربة، أو حتى للحصول على كمية أكبر من الماء.
وفي البحار، تعيش الأنواع المختلفة من الأسماك، الشعب المرجانية وشقائق النعمان معًا، وتتنافس على العناصر الهامة لاستمرار حياتها، كالغذاء أو المسكن.
يستخدم بعض علماء البيئة الرمز الآتي (-/-) للدلالة على التنافس بين نوعين، على سبيل المثال نوعين مختلفين من النبات، فالأول يتنافس مع الآخر على الماء، فإذا حصل النوع الأول على كمية ملائمة من الماء قد يُعاني النوع الثاني من الجفاف.
الافتراس
المفهوم الثاني المهم في دراسة التفاعلات بين السكان هو الافتراس (بالإنجليزية: Predation)، ويُقصد به أن يرغب أحد السكان بالتغذي على نوع آخر من السكان، كالأسد الذي يتغذى على الغزال.
كثيرًا ما نرى في الأفلام الوثائقية كيف تتغذى الحيوانات المفترسة على الحيوانات الأخرى الأضعف منها، ولكن هل هذا المعنى الوحيد للافتراس؟
في الحقيقة لا، حتى الماعز الذي يأكل العشب يقوم بالافتراس، وهذا لكون الماعز هو نوع السكان الأول، والعشب نوع السكان الثاني، وبالتالي يتغذى الماعز على العشب، وهو فعليًا يقوم بالافتراس.
وهذا يعني أن مفهوم الافتراس هو تناول نوع لنوع آخر، ولا يُشترط أن يكون هذا مشهدًا دمويًا أو مليئًا بالصراخ والألم.
يُطلق على السكان الذين يفترسون النباتات والأعشاب للبقاء على قيد الحياة اسم آكلات الأعشاب (بالإنجليزية: Herbizory)، كما يُطلق على السكان الذين يتناولون اللحوم والحيوانات الأخرى للعيش اسم آكلات اللحوم.
التكافل
النوع الثالث للتفاعلات بين السكان هو العلاقة التكافلية (بالإنجليزية:Symbiosis relationship).
عندما تسمع باسم العلاقة التكافلية قد تظن أن كلا النوعين يستفيد من الآخر، ولكن في الحقيقة تعني العلاقة التكافلية أن النوعين يعيشان معًا دون أن يؤذي أحدهم الآخر، بغض النظر عن اكتساب الفائدة.
ربما يستفيد أحد النوعين من الآخر، ولكن النوع الثاني لا يهتم فعلًا بهذه الاستفادة ولا يحتاج إلى مقابل لها.
ولمزيد من التفصيل، يتم تقسيم العلاقة التكافلية إلى عدة أنواع منها:
- التطفل (الإنجليزية: Parasitism): وهذه العلاقة تُشبه إلى حد ما علاقة الافتراس، حيث يقوم النوع الأول ياعتبار النوع الثاني عائلًا له، فيُشاركه مسكنه، طعامه أو الماء، ويتسبب بالضرر له، ولكن الضرر لا يصل إلى قتله كعلاقة الافتراس.
من أبرز الأمثلة على العلاقة التطفلية القمل الذي يعيش في شعر البشر، ويمتص من دمائهم، وبذلك يحصل على المسكن والغذاء، ولكنه يتسبب بالأذى للبشر.
- التبادلية (بالإنجليزية: mutualism): وفي هذه العلاقة يستفيد كلا النوعين من الآخر، ومن الجدير بالذكر ضرورة معرفة الفرق بين العلاقة التكافلية والتبادلية.
من أبرز الأمثلة على العلاقة التبادلية علاقة سمكة المهرج مع شقائق النعمان، حيث توفر شقائق النعمان المسكن للسمكة، وتقوم سمكة المهرج بحماية شقائق النعمان من الأسماك التي قد تتغذى عليه.
- التعايش (بالإنجليزية: commensalism): وفي هذه العلاقة يستفيد أحد الأنواع بينما لا يتأثر النوع الثاني بأي طريقة كانت.
من أكثر الأمثلة تشويقًا على التعايش، البكتيريا التي تعيش على جلدك الآن، قد يبدو هذا صادمًا ولكن تقبل هذا.
هناك بكتيريا غير مضرة تعيش على بشرتنا، فهي تعتبر بشرتنا مسكنًا مريحًا لها، ويُوفر لها بعض الغذاء، ولكنها لا تقوم بأذيتنا.
وبهذا، علينا فتح أعيننا وإدراك العديد من العلاقات حولنا، وعدم التركيز فقط على عالم الحيوان، فجميع المخلوقات الحية بما فيها البكتيريا والفطريات تتفاعل مع محيطها بطريقة مميزة.
الأنظمة البيئية
إذا تم جمع مختلف السكان معًا في مكان واحد، يُطلق على هذا المكان اسم المجتمع، ويتألف المجتمع من المخلوقات الحية فقط، والتي يُطلق عليها اسم عوامل حيوية.
ولكن ماذا عن العوامل الغير حيوية، كالهواء، الماء والصخور؟
عندما تجتمع العوامل الحيوية والعوامل الغير حيوية معًا، ينتج عن ذلك مفهوم جديد يُعرف باسم النظام البيئي (بالإنجليزية: Ecosystem).
سنذكر هنا بعض الأنظمة البيئية، كما سنُحاول التركيز على كيفية تفاعل العوامل الحيوية مع العوامل الغير حيوية.
كما تنتقل الطاقة خلال الأنظمة البيئية وتمر بالعديد من التحولات، فالطاقة لا تُستحدث ولا تأتي من العدم، بل تتغير من شكل لآخر.
حتى حوض الأسماك الكبير في داخل المنزل يُعتبر نظامًا بيئيًا، يجمع بين العوامل الغير حيوية كالرمال، الصخور، الماء والوعاء البلاستيكي، وبين العوامل الحيوية كالأسماك المتنوعة والبكتيريا التي تعيش معها.
يُمكن أيضًا أن يكون النظام البيئي أكبر حجمًا بكثير، كغابات الأمازون المطيرة، يُمكن أن تعتبر الغابة بأكملها نظامًا بيئيًا، أو يُمكن حتى أن تعتبر جزءًا صغيرًا منها نظامًا بيئيًا آخر.
من المثير للدهشة أنك يُمكن حتى أن تعتبر جزءًا صغيرًا من جسدك على أنه نظام بيئي، ككف يدك مثلًا، بكل ما يحتويه من بكتيريا غير ضارة وأنسجة حية، جلد ميت، هواء يرتطم بالبشرة، أو حتى مرهم ترطيب نضعه على أيدينا، هذا كله يُكون نظامًا بيئيًا صغيرًا.
الكتل الحيوية
يُمكن تقسيم الأنظمة البيئية إلى أنظمة بيئية أرضية أو أنظمة بيئية مائية، كما يُمكن تقسيم الأنظمة البيئية المائية إلى مالحة كالمحيطات أو عذبة.
كما يُمكن تقسيم الأنظمة البيئية الأرضية إلى مجموعة من الأنظمة البيئية يُطلق عليها اسم الكتل الحيوية (بالإنجليزية: Biomass).
تتضمن الكتل الحيوية أو الأنظمة البيئية الأرضية الآتي:
- الغابات الاستوائية (بالإنجليزية: Tropical forest): مثل غابات الأمازون المطيرة.
- الغابات الشمالية (بالإنجليزية: Boreal forest): أو ما يُطلق عليها اسم التايغا.
- السافانا (بالإنجليزية: Savanna): وهي أرض منبسطة وعشبية.
- التندرا (بالإنجليزية: Tundra): وهو سهل لا تنمو فيه الأشجار بسبب درجة حرارته المنخفضة.
- الصحراء (بالإنجليزية: Desert): وهي أراضي رملية قاحلة.
- الجبال (بالإنجليزية: Mountains).
- الغابات الحرشية (بالإنجليزية: Chaparral): وهي غابات مليئة بالغطاء النباتي المتنوع في المناطق ذات المناخ المتوسط.
- القطب الشمالي والجنوبي.
- الأراضي العشبية المعتدلة (بالإنجليزية: Temperate grassland).
- الغابات المعتدلة (بالإنجليزية: Temperate forest).
وجميع هذه الأنواع تدل على تنوع الكتل الحيوية في أنحاء العالم، وهذا التنوع ناتج عن اختلاف العديد من العوامل مثل درجة الحرارة، المناخ، معدل تساقط الأمطار والرطوبة.
حتى الكتل الحيوية المتشابهة لا تعني أنها متطابقة، على سبيل المثال صحراء سونورا التي تقع على حدود المكسيك تتضمن مخلوقات حية أكثر بكثير من الصحراء الصخرية التي تتألف من الصخور والعوامل الغير حيوية أكثر من العوامل الحيوية.