الاستغفار دواء القلوب الشافي
قال الله تعالى في كتابه الكريم: «وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» آل عمران: 133 إلى 135.
حكم الاستغفار
(الغفار) من أسماء الله تعالى، فقد أمرنا بالاستغفار، لأن البشر بطبيعتهم يقومون بالمعاصي ليلاً نهاراً، لذلك شرعه الله للناس، ليبدل سيئاتهم بالحسنات، وإعطائهم الأجر والثواب، ولما له من فضل في التقرب من الله عز وجل.
يجوز الاستغفار بدون ارتكاب المعاصي، كما في قوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) سورة البقرة، آية 199، وقد يكون بعد ارتكاب المعاصي، وعندها يكون واجباً على المؤمن، وأحياناً يكون الاستغفار غير مستحب، كالاستغفار للميت وخاصة إذا كان الميت كافراً.
فضل الاستغفار
الاستغفار يحمل للمؤمن فوائد كثيرة كما ورد في القرآن الكريم، ويعد دواءً للقلوب، ومن هذه الفوائد:
جلب الرزق في الدنيا:
فهو وصفة ربانية مضمونة للرزق، سواء في المال، أو الأبناء، وذلك في قوله تعالى:
«وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ» [نوح:12].
دخول الجنة، والنجاة من النار:
إن الإكثار من الاستغفار يرضي الله تعالى، وهو من أسباب دخول الجنة من أوسع أبوابها، كما في قوله تعالى: «وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ» [نوح:12].
يمد الإنسان بالقوة:
إن من عجائب الاستغفار أنه يمد الإنسان بالقوة في الدنيا للتغلب على مصاعب الحياة، كما في قوله تعالى:
«وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ» [هود:52].
مغفرة الذنوب:
فيُمحي الذنوب، والخطايا، كما في قوله تعالى:
«فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا» [نوح:10].
قال الله تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء: 110)
دفع البلاء:
الدعاء يغير الأقدار، ويعد الاستغفار من أهم الأدعية التي تدفع البلاء، والعذاب عن الإنسان في الدنيا، كما في قوله تعالى:
«وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» [الأنفال:33].
نزول الغيث:
أخبرنا الله تعالى أن الاستغفار سبباً في نزول الأمطار والغيث، وذلك في قوله تعالى:
«يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا» [نوح:11].
نيل الرحمة:
الاستغفار يكون سببًا لنزول الرحمة، كما قال تعالى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ۖ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» [النمل:45 /46].
تفريج الكرب:
روي عن بن عباس عن النبي ”من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب“.
الاقتداء بسنة الرسول الكريم:
حيث أن جميع الرسل دعت إلى الاستغفار وطلب التوبة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله، إني لأستغفرُ اللهَ، وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة).
كسب الحسنات، والقرب من الله:
قال رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: “فمن استغفر للمؤمنين والمؤمنات، كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة“.
عن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من أحب أن تسره صحيفته، فليكثر فيها من الاستغفار””.
الشعور بالراحة والطمأنينة:
عن فضالة بن عُبَيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «العبدُ آمنٌ مِن عذاب الله ما استغفَرَ اللهَ».
وعن قتادة رحمه الله قال: “إن القرآن يدلُّكم على دائكم ودوائكم، أما داؤكم، فذنوبكم، وأما دواؤكم، فالاستغفار”.
أوقات الاستغفار
يستطيع المؤمن أن يستغفر في أي وقت يريد، ويعد وقت السحر من أفضل الأوقات للاستغفار، وذلك لقوله تعالى:
(وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) سورة الذاريات، آية 18
ويستحب الاستغفار في نهاية كل صلاة مفروضة، وعند ارتكاب المعاصي، والخطايا.
ويفضل الاستغفار بعد أداء العبادات خوفاً من وجود أي نقص أو تقصير فيها، ويجب الإكثار منه بعد المجالس.
كما يجب الاستغفار قبل النوم حيث روى التّرمذيّ عن أبي سعيدٍ: «من قال حين يأوي إلى فراشه أستغفر اللّه الّذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه ثلاث مرّاتٍ غفر اللّه له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر».
وعند الخسوف والكسوف: حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيتم شيئًا من ذلك – يعني الخسوف أو الكسوف – فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره).
صيغ الاستغفار
تتعدد الصيغ المستخدمة للاستغفار، بحيث يمكن اعتماد إحدى الصيغ المعروفة، أو اتباع صيغ يدعو بها المؤمن بما يحب، ومن هذه الصيغ:
- سيد الاستغفار: ويعتبر من أفضل الأدعية لما يحمل من معانٍ جليلة، حيث يقول المؤمن:
(اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلَهَ إلَّا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا علَى عَهْدِكَ ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ، أبُوءُ لكَ بنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وأَبُوءُ لكَ بذَنْبِي فاغْفِرْ لِي، فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ) رواه البخاري.
- عند دخول المسجد والخروج منه: حيث أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يقول عند دخول المسجد:
(رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك)
وإذا خرج من المسجد قال: (رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك). رواه السيوطي.
- بعد الوضوء: وهنا قال -رسول الله صلى الله عليه وسلم-: (من توضأَ فقال بعد فراغِه من وضوئِه: سبحانَك اللهمَّ وبحمدِك، أشهدُ أنْ لا إلَه إلا أنتَ، أستغفرُك وأتوبُ إليك، كُتِبَ في رَقٍّ، ثم جُعِلَ في طابعٍ، فلم يُكسرْ إلى يومِ القيامةِ) رواه الألباني.
- في نهاية المجالس: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (مَن جلسَ في مجلِسٍ فَكَثرَ فيهِ لغطُهُ، فقالَ قبلَ أن يقومَ من مجلسِهِ ذلِكَ: سُبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا أنتَ أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ، إلَّا غُفِرَ لَهُ ما كانَ في مجلِسِهِ ذلِكَ). رواه الألباني.
- بين التشهد والتسليم: رُوي عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: (أنَّهُ قالَ لِرَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أدْعُو به في صَلَاتِي، قالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْماً كَثِيراً، ولَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أنْتَ، فَاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِن عِندِكَ، وارْحَمْنِي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ).
“رب اغفر لي وتب على إنك أنت التواب الرحيم” مائة مرة. رواه الترمذي
- عند الخروج من بيت الخلاء: حيث كان الرسول عليه أفضل الصلاة يقول عند الخروج من بيت الخلاء: (غُفرانَكَ). رواه ابن حيان.
وهناك صيغ أخرى كثيرة ومنها:
في الحديث الذي أخْرَجه أبو داود في صحيحه، وصحَّحه الألباني: عن زَيد مَولَى النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه سَمِعَ رسولَ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- يَقول: (مَن قالَ: أَستغفِر اللهَ الذي لا إلَهَ إلا هوَ الحَي القَيوم وَأَتوب إلَيه؛ غفر له وإنْ كانَ فَرَّ مِن الزحف).
عن أبي موسى الأشعري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يدعو بهذا الدعاء “رب اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري كله وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي خطاياي وعمدي وجهلي وهزلي وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير”. رواه البخاري ومسلم).
عدد الاستغفار وشروط تحقق آثاره
لم يحدد رسولنا الكريم عدداً محدداً للاستغفار في اليوم، فقد ورد في بعض الأحاديث أنه كان يستغفر 100 مرة، وبعضها الآخر أكثر من سبعين مرة، (واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً).
ويفضل الاستغفار قدر المستطاع، لنيل فوائده العظيمة، والتي يشترط للحصول عليها الدعاء من القلب بالاستغفار وليس باللسان فقط، والافتقار إلى الله بالاستغفار، والندم على ارتكاب المعاصي، والرغبة في تحقيق الطلب من هذا الاستغفار، قال رسول الله الكريم: (إن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ).