مبادئ في علم البيئة 5: التنوع الحيوي
أول طريقة يُمكن أن تخطر على بالك لنقل أنواع المخلوقات الحية من مكان لآخر هي أن ينقل البشر الأنواع، كيف ذلك؟
عندما ترى زهرة رائعة، قد تقطف هذه الزهرة من جذورها وتزرعها في حديقة منزلك، أليس كذلك؟
علاوة على هذا، أنت بذلك تزيد من تنوع الأزهار في حديقتك، وهكذا تزيد من التنوع الحيوي فيها، ويعني هذا أنك تُضيف أنواع جديدة إلى حديقتك.
بالتالي، يُمكن بهذه الطريقة أن تنتقل الأنواع من مكان لآخر، وهذا في الحقيقة مهم للتنوع الحيوي في الأنظمة البيئية.
لكن، ولمزيد من الدقة، ليس هذا ما يحدث بالضبط، فالتنوع الحيوي أكثر تعقيدًا، ويجب أن نتطرق هنا إلى مصطلح الأنواع الدخيلة.
الأنواع الدخيلة هي الأنواع التي يقوم البشر بنقلها من موطنها الأصلي لبيئة جديدة لم تكن تعيش فيها من قبل.
يُمكن أن يقوم البشر بنقل الأنواع عمدًا أو من غير قصد، كأن تتشبت البذور بالملابس وتنتقل من موطنها لمكان آخر.
والأنواع الدخيلة هو مصطلح معاكس للأنواع المحلية، وهي الأنواع التي تعيش في مكان ما منذ البداية بدون تدخل البشر.
يقوم البشر بنقل النباتات والمخلوقات الحية الأخرى من مكان لآخر لهدف ما في الغالب، على سبيل المثال، قد ينقل البشر الأسود من موطنها الأصلي في قارة إفريقيا إلى دولة عربية لا تعيش الأسود فيها.
قد يكون الغرض من ذلك هو توفير حياة للأسود في موطن جديد، أو اكتساب العلم بمراقبة حياة الأسود وكيفية تكيفها، أو حتى بغرض بناء حديقة الحيوان.
كما يُمكن نقل الأبقار والماشية المنتجة بغرض تطوير القطاع الزراعي، وتوفير منتجات الحليب واللحوم للسكان.
من الجدير بالذكر أن هذه الأنواع لا تنتقل وحدها حتى وإن نقلها البشر بأنفسهم، فعلى سبيل المثال، عندما ننقل بقرة من مكان آخر، ستنقل هذه البقرة معها الذباب الذي يُحيط بها، أو المخلوقات الحية الدقيقة التي تعيش على جلدها.
حتى السفن، الطائرات ووسائل النقل الأخرى، جميعها قد تحمل معها مخلوقات حية أخرى كالزواحف، الحشرات أو البكتيريا، وهذا يصعب ملاحظته خلال التنقل.
قد تتسبب هذه الأنواع بقتل أو إيذاء الأنواع المحلية، وقد تُصبح آفة بحاجة للمكافحة، في الحقيقة تدفع دول العالم سنويًا حوالي مليار دولار لمكافحة الآفات التي تنتقل نتيجة نقل الأنواع الدخيلة.
تاريخ نقل الأنواع
اعتاد البشر منذ زمن بعيد على التنقل باستخدام الحيوانات، فينتقل الأشخاص من مكان لآخر بالاستعانة بالخيول، الحمير، الأبقار أو الثيران.
نتيجة لقيام البشر بنقل العديد من الأنواع من موطنها الأصلي لأماكن أخرى، أصبح من الصعب تمييز الأنواع المحلية من الأنواع الدخيلة.
لذلك تُعتبر العديد من الأنواع مجهولة المصدر، وذلك لعدم وجود أي أدلة تؤكد أنها أنواع دخيلة أو محلية.
نتيجة لذلك يقوم العلماء في الوقت الحالي بتوثيق الأنواع الموجودة في جميع أنحاء العالم ليستفيد منها علماء المستقبل، وحتى لا تزداد الأنواع مجهولة المصدر.
يقوم العلماء بتوثيق الأنواع من خلال جمع العينات وكتابة الدراسات العلمية التي تقوم بتعداد بعض أنواع المخلوقات الحية في مكان ما.
هل جميع الأنواع الدخيلة ضارة
بالطبع لا، ليست جميع الأنواع الدخيلة ضارة، وهذا لأن بعض الأنواع الدخيلة تُشكل مصدر غذاء جديد، أو تُساهم في مكافحة إحدى الآفات.
كما يُمكن أن تقوم بعض الأنواع الدخيلة بتعزيز جودة الأنواع المحلية، على سبيل المثال بكتيريا تُحسن من نمو النبات، أو تُعزز من جودة التربة.
كما يُمكن أن تُساهم بعض الأشجار الدخيلة في توفير مسكن للطيور.
في المقابل، ليست جميع الأنواع المحلية مفيدة، قد تُسبب بعض الحشرات المحلية مشاكل لا تُصدق للنباتات، وقد يلجأ العلماء لإحضار حشرة أو بكتيريا يُمكنها قتل أو مكافحة هذه الحشرة المحلية.
المزايا التنافسية
قد تعيش بعض الأنواع الدخيلة مع الأنواع المحلية دون أن يضر أي نوع الآخر، ويعود السبب في ذلك إلى المزايا التنافسية.
يعني امتلاك النوع الدخيل للمزايا التنافسية المتمثلة في عدم وجود أعداء حيوية تُحارب هذا النوع، بالإضافة إلى قدرة النوع على التكاثر والبقاء على قيد الحياة.
تمنح المزايا التنافسية المخلوق الحي القدرة على التفوق والنمو أو الانتشار أكثر من المخلوقات الحية الأخرى التي تعيش معه في البيئة ذاتها.
عندما يتمتع مخلوق حي أو نوع دخيل بالمزايا التنافسية وينجح في البقاء على قيد الحياة والتفوق على المخلوقات الحية الأخرى هذا يجعله نوع مجتاح أو نوع غازي، ومن الجدير بالذكر أن جميع الأنواع الدخيلة ليست غازية.
أبرز الأمثلة على الأنواع الغازية المشطيات، وهي حيوانات بحرية شفافة تُشبه قنديل البحر، وتُعتبر من الأنواع الدخيلة في البحر الأسود في عام 1992.
يُمكن للمشطيات وضع كميات كبيرة من البيوض، والتي تفقس بسرعة كديدان صغيرة، ونتيجة لذلك أصبحت من الأنواع الغازية خلال أشهر.
زاد عدد أفراد المشطيات بشكل كبير ومفاجئ، واجتاحت البحر الأسود بأكمله لقدرتها على البقاء على قيد الحياة والتكاثر بسرعة كبيرة وبأعداد هائلة.
قامت المشطيات بالتغذي على العديد من الأنواع المحلية من الأسماك، وتسببت بانقراض بعض هذه الأنواع في منطقة البحر الأسود.
لكن مع استمرار تغذي المشطيات على أنواع محددة من الأسماك، وبانقراض هذه الأنواع من البحر الأسود، سيقود هذا إلى انقراض المشطيات نتيجة عدم توفر الغذاء!
هذا يعني أن الأنواع الغازية يُمكنها أيضًا التسبب في تقليل التنوع الحيوي في بيئة ما، وقد يتسبب هذا الأمر في كوارث مدمرة.
على سبيل المثال، يُمكن أن تجلب الأبقار الدخيلة على بيئة ما معها بعض الفطريات، وقد تُسبب هذه الفطريات المرض للأعشاب أو النباتات المحيطة بمسكن هذه الأبقار.
وهكذا قد تجلب الأنواع الدخيلة معها آفات دخيلة تُؤذي النباتات وتُسبب لها المرض التي تُعتبر مصدر غذاء هام للإنسان والحيوانات.
يُمكن العثور على غابات البلوط الواسعة في شمال أمريكا، وهذه الأشجار في هذه الغابات تنمو لارتفاعات شاهقة.
ولكن ذات مرة بدأت أفرع أشجار البلوط بالسقوط فجأة، ومع مرور الوقت ماتت 80% من أشجار البلوط في تورنتو.
كانت هذه الحادثة مؤسفة للغاية، ليس فقط بسبب أن أشجار البلوط كانت بديعة الجمال، بل أيضًا كانت هذه الأشجار تُعتبر مصدرًا رئيسيًا للحطب والأخشاب.
وكان العديد من سُكان أمريكا الشمالية يصنعون الأثاث من هذه الغابات الغنية، فما الذي تسبب بهذا الدمار؟
اكتشف العلماء أن هذا بسبب خنافس اللحاء التي كانت تحمل معها فطريات تسبب المرض للأشجار.
لم تكن خنفساء اللحاء مؤذية بحد ذاتها، بل على العكس من ذلك، يُمكن لخنفساء اللحاء التغذي على الأشجار المريضة أو الميتة وتحليلها للسماح بنمو أشجار أخرى مكانها.
ولكن هذه الخنفساء نقلت فطريات ممرضة تسببت بقتل هذا العدد الهائل من أشجار البلوط في ستينات القرن الماضي.
بالتفكير بالأمر، قد نكون نحن البشر أيضًا أنواع غازية، فنحن ننقل معنا العديد من المخلوقات الحية الأخرى من مكان لآخر، ونعيش على هذا الكوكب.
كما يُمكننا التكيف في معظم البيئات، ونقوم بالعديد من الأمور لتسهيل حياتنا، وبالتالي نقطع الأشجار، نحفر الجبال ونذبح الماشية للغذاء.
لكن قد نتفوق على المشطيات أو الأبقار التي تجلب معها الحشرات والأمراض بأننا قادرين على تمييز ما نقوم به، كما أن علماءنا يُحاولون باستمرار البحث عن طرق تُحافظ على التنوع الحيوي ولا تُفسده.