الخوف من المستقبل
{الوقت من ذهب إن لم تُدركه ذهب} عبارة لا يختلف عليها أحد، فما نحنُ إلّا ضيوف في هذه الدنيا، خلقَ الله سبحانه وتعالى البشر من أجل الطاعة والعبادة وتحمّل الحياة والسعي للنجاح واكتساب العلم واستغلاله لصالح المجتمع، وبالفعل يعيش كل فردٍ منّا من أجل التخطيط للغد والعمل خلالَ اليوم وكسب لقمة العيش وبناء عائلة صغيرة، فهذا الروتين طبيعي ولا يتخلّله أي أمراضٍ أو مشاكلٍ نفسية، ولكن هل جميع البشر يُفكّرون كذلك؟ ويُؤمنون أنَ غداً أفضل؟
يُراود بعض الأفراد أفكار سلبية وتشاؤمية حولَ المستقبل، وعادةً أي شخصٍ منّا يتوقع الأسوأ أو الأفضل للمستقبل، ولكن هؤلاء الأفراد يُعانون من قلقٍ مرضي يُسيطر على حياتهم ويجعلهم في حالة ذعر وخوف دائم منَ المجهول، يُفكّرون طوالَ الوقت ويتجاهلون حاضرهم، وتزداد هذه الأفكار إذا حرصَ الفرد على مداراة وظيفته أو عائلته أو شخصٍ يُحبّه بشكلٍ مفرط، فيشعر أنَ خسارته قريبة، ويقضي على أجمل لحظات شبابه بالتفكير الزائد.
ونوّد الإشارة، أن الخوف من المستقبل أمر مرهق للغاية، فلا يُمكن لأي إنسان تحمّل كم الألم والمعاناة والأفكار السلبية التي تملأ عقله، ويُطلق على هذه الحالة {كرونوفوبيا} أو رهاب المجهول أو الخوف من المجهول، ولذلك ما هي أسباب الخوف من المستقبل؟ وما هي أضرارها على الصحة النفسية والجسدية؟ وكيف يُمكن التخلص من هذه الحالة؟
ما هي أسباب الخوف من المستقبل؟
- صدمة نفسية: إنها أحد أبرز أسباب هذا المرض، منَ المُمكن أنَ المُصاب قد تعرّضَ في فترةٍ سابقة من حياته إلى خسارة والدته أو والديه معاً أو خسارة شخص يُحبّه، فيقع في دوامةٍ واسعة منَ الأفكار تجعلهُ يخاف من أي حدثٍ في المستقبل، ويشعر بأنَ الخطر يُداهم أحبّائه وبأنه سيُواجه الخسارة مرةً أخرى.
- الوحدة والعزلة: عندما يحصل الفرد على فرصةٍ جديدة في حياته ويشعر بالتعلّق تجاهها، يُسيطر عليه القلق ويمنعه منَ الاستمتاع بحاضره، فيُفكّر ويشعر بالخوف من عودته إلى الماضي أو إلى تلكَ الحالة التي عاشَ بها.
- حسب الحالة: تزداد نسبة إصابة الأفراد بالكرونوفوبيا إذا شعروا بأنَ عمرهم كبير ولا يستطيعون إنجاز أي شيء، كما أنَ السجناء يُعانون من هذه الأفكار، وهيَ حالة ناتجة عن قضائهم لفتراتٍ أو سنواتٍ طويلة في السجن دون تحقيق أي هدف للمستقبل.
- المحيط السلبي: قد لا يُعاني الفرد من أي صدماتٍ نفسية، ولكن محيطه السلبي يُشعره بالتقصير دائماً، وخاصةً الأشقاء أو الأصدقاء الذينَ يُردّدون عبارات مثل {سيمضي الوقت بسرعة، الوقت من ذهب} بالرغم من أنها عبارات صحيحة، إلّا أنَ كثرة تكرارها تزيد من سوء الحالة النفسية للإنسان ويقع في حيرةٍ من أمره ويُفكّر في مستقبله بإفراط.
ما هي أبرز 6 أضرار نفسية وصحيّة يُسبّبها الخوف من المستقبل؟
القلق الدائم والتفكير المفرط سيُشعرك بحالةٍ جسدية سيئة، ويُؤثر عليك من خلال:
- اضطرابات النوم: يزداد التفكير قبلَ النوم، فيشعر الفرد بالأرق الليلي وعدم الحصول على كفايته من ساعات الراحة والنوم العميق، ويصل الأمر إلى الاستيقاظ عدّة مرات ورؤية كوابيس مخيفة، ممّا يُؤدي إلى إرهاق الجسد والإحساس بالخمول في اليوم التالي.
- صداع الرأس: من شدّة التفكير وإرهاق العقل بالتشاؤم والسلبية، يشعر المُصاب بألمٍ في رأسه، ويُؤثر عليه طوالَ اليوم، فلا يتمكّن من أداء مهامه وعمله على أكمل وجه، ولكن تختلف هذه الحالة من فردٍ لآخر، فالبعض منهم يُرهق جسده ويعمل لساعاتٍ طويلة لاعتقاده أنهُ سيُنجز أكثر للمستقبل.
- حالة نفسية سيئة: يُواجه المُصاب عدم القدرة على التركيز وشرود الذهن، وقد يتعرّض للتوبيخ من أصدقائه أو أفراد عائلته بسبب إهماله لهم، ممّا يُؤدي إلى تدني علاقاته الاجتماعية وزيادة عصبيته على أبسط الأمور.
- ظهور علامات الشيخوخة: التفكير يُرهق العقل والصحة والبشرة، فالتوتر الدائم يُؤثر على الجلد ويُؤدي لظهور تجاعيد مبكّرة وبهتان لون الوجه وتساقط الشعر أيضاً، فهوَ عبارة عن موت بطيء واستنزاف لطاقة الجسد بدلاً من استغلالها.
- إهمال الحاضر: عندما يستمر المُصاب بالتفكير دون علاج لعدّة شهور أو حتى سنوات، يجد نفسه في نهاية المطاف لم يُحقق أي إنجازٍ في حياته ولم يستمتع بأجمل لحظات حاضره، فيتقدّم بهِ السن وهوَ على الحال ذاته.
كيف تتخلص من الخوف من المجهول؟
إذا كنتَ تُعاني من هذه المشكلة، أنتَ على الطريق الصحيح، لأنكَ مُدرك لأضرارها وتبحث عن حلولٍ للتخلص منها، سنُساعدك في هذا المقال عبرَ عدّة خطوات يُمكنكَ اتباعها:
- دوّن أفكارك: في البداية حاول إغماض عينيك وتخيّل الأحداث السوداوية التي تُفكّر أنها ستحدث في المستقبل، ابدأ بتدوينها واحدة تلوَ الأخرى، وحدّد أسبابها وحاول إيجاد حلول لها ومواجهتها، فإذا كنتَ تُفكّر في خسارة وظيفتك، حاول إيجاد طرق لتدريب نفسك أكثر وزيادة مهاراتك، وإذا فكّرتَ بخسارة طفلك أو شريكك، توكل على الله وحاول قضاء لحظات ممتعة معه في حاضرك.
- العلاج المعرفي السلوكي: بإمكانك الاستعانة بأحد المختصين من أجل نشل الأفكار السلبية من رأسك، وإعادة برمجة عقلك الباطن وزرع أفكار تفاؤلية وإيجابية، سيُساعدك المختص في مواجهة مخاوفك وتعريضك لها تدريجياً حتى تشعر أنها اعتيادية وتتوقف عن الخوف منها.
- حدث نفسك بإيجابية: ابدأ بتغيير نمط حياتك، حاول خلق أفكار جديدة لتنظيم غرفتك ومكان عملك، وأثناءَ استيقاظك دوّن عبارات إيجابية وردّدها في الصباح وقبلَ النوم، تلقائياً ستُسهم في تحفيز عقلك وتشجيعك على العمل بإتقان في الصباح والنوم بأريحية في الليل.
- ركزّ على حاضرك: التوكل على الله في أمورك الحياتية هوَ الحل الأفضل لكَ، لذلك ركزّ على حاضرك، استمتع بكل لحظة معَ عائلتك، عبّر عن حبّك لهم، افتخر بإنجازاتك، واصل وضع أهداف قصيرة المدى واعمل على تنفيذها ومكافأة نفسك بعدَ كل إنجاز.
- التطوّع في الأعمال الخيرية: إذا كنتَ تملك وقت فراغ كبير خلالَ يومك، لا تجلس بهِ وحدك، انضم لمجموعاتٍ خيرية مثل مساعدة الأطفال أو كبار السن، فهذه الطريقة ستُخفف من آلامك وتُعبّر عن حب الآخرين ودعائهم لكَ، فستشعر بحالةٍ نفسية أفضل وتطرد الأفكار السوداوية من عقلك.
لن تكتسب منَ التفكير الزائد والخوف من المجهول إلّا الهم والمرض وسوء حالتك النفسية ونفور الأفراد منك، لماذا؟ هل تستحق حياتك هذا العناء الذي يُسهم في تدمير حاضرك؟ بالتأكيد لا، فما بينَ غمضة عين وانتباهتها يُغيّر الله من حالٍ إلى حال، ثق بالله وتوّكل في خطواتك القادمة عليه، والأهم من ذلك ملء قلبك بالنوايا الحسنة، وكُلّما فكّرتَ في المجهول، ابدأ باستغفار الله وذكره وأشغل نفسك بأي شيءٍ تُحبّه.
{{نأمل أن يعجبكم المقال أيها الرائعون}}.