مبادئ في علم البيئة 2: الدورات الحيوية الكيميائية
تمر العديد من الذرات في الطبيعة في دورات حيوية كيميائية، تُسيطر عليها العديد من العوامل، وتُساهم هذه الدورات في استمرارية الحياة.
في الفقرات الآتية سنتطرق لهذه الدورات الحيوية الكيميائية بالتفصيل، مع ذكر كيفية مُساهمة هذه الدورات في تحسين البيئة وجعلها قابلة للحياة.
دورة لكربون
في البداية، لنتحدث قليلًا عن عنصر الكربون، وكيف تُساهم دورة الكربون في البيئة، وربما سمعنا فيما سبق أن العناصر الكميائية ومنها الكربون، لا تظهر أو تُستحدث من العدم!
فهي موجودة على كوكبنا منذ البداية، ولكنها تتحول من شكل لآخر للقيام ببعض المهام المهمة لاستمرار حياة المخلوقات الحية.
كما علينا أن نُقدر أهمية عنصر الكربون على حياتنا، حيث يدخل الكربون في مركب الجلوكوز، وهو السكر البسيط الذي تستخدمه أجسادنا للحصول على الطاقة.
كما يدخل الكربون في تركيب الأحماض الأمينية، والتي تتحد فيما بعد لتكون لنا البروتينات التي تحتاجها أجسادنا.
ليس هذا فحسب، تخيل أن الكربون أيضًا يدخل في تركب المادة الوراثية DNA التي تحمل جميع جيناتنا الوراثية.
وهذا يعني أن الكربون هو العمود الفقري للعديد من التفاعلات التي تحدث في أجسام المخلوقات الحية.
تبدأ دورة الكربون الطبيعية عندما يكون عنصر الكربون في مكان ما داخل الغلاف الجوي للكرة الأرضية، وغالبًا ما يكون على شكل جزيء ثاني أوكسيد الكربون CO2.
ومن الجدير بالذكر أن 18-19% من أجسادنا تتكون من ثاني أكسيد الكربون، ولكنه في المقابل يُكون 0.4% من الغلاف الجوي، وزيادته في الغلاف الجوي تتسبب في الاحتباس الحراري!
في الحقيقة يتألف الغلاف الجوي من 78% من النيتروجين و21% من الأكسجين.
استكمالًا لدورة الكربون في كوكبنا، تبدأ الدورة بوجود ثاني أكسيد الكربون في غلافنا الجوي، ثم يمر ثاني أكسيد الكربون بنبات ما مزروع في أرضٍ ما.
يمتص النبات أشعة الشمس لإنتاج الطاقة، وتقوم هذه الطاقة بدورها في تثبيت الكربون الذي تحصل عليه من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي للأرض.
ثم يقوم النبات باستخدام الكربون لصناعة العديد من الجزيئات التي يحتاجها، كالبروتينات النباتية، الأحماض الأمينية، الجلوكوز والعديد من الجزيئات الأخرى، مما يمنح النبات الطاقة، وهذه هي عملية البناء الضوئي.
في المقابل لا تستطيع الحيوانات أو الإنسان القيام بالبناء الضوئي والحصول على الطاقة، لذلك يقومون بالتغذي على النباتات.
عندما تتغذى الحيوانات على النباتات، فهي تحصل على الجلوكوز منها، وعندما تقوم أجسام الحيوانات بهضم الجلوكوز للحصول على الطاقة، تُخرج غاز ثاني أوكسيد الكربون عن طريق الزفير.
وهكذا يعود الكربون على شكل ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، وتتكرر الدورة من جديد.
لدورة الكربون أيضًا مسار آخر، حيث يُمكن أن يتجه ثاني أكسيد الكربون إلى المحيط، وبعدها يتحول الكربون إلى كربونات، وكربونات الكالسيوم، وهو المكون الرئيسي لأجساد الأصداف والقواقع.
في العادة، تترسب الأصداف والقواقع في مكان ما، وتتعرض لظروف الحرارة والضغط مع العديد من المخلوقات الحية الميتة الأخرى مع العديد من أنواع الصخور.
وبعد مرور زمن لا بأس به، تتحول هذه الأصداف إلى الحجر الجيري، ليس هذا فحسب، حتى النباتات التي تموت وتندفن تحت الأرض، وتتعرض لظروف الحرارة والضغط لفترة طويلة، ستتحول إلى شيء آخر يٌعرف باسم الوقود الأحفوري!
باستخدام الوقود الأحفوري في التطبيقات المختلفة، كصناعة الزيت منه، وعند حرق هذا الزيت، فإننا بذلك نقوم بعكس البناء الضوئي تمامًا، حيث ينتج عن هذا الاحتراق غاز ثاني أكسيد الكربون.
الأمر كله متصل معًا أليس كذلك؟
دورة النيتروجين
ربما يتلقى لكربون والأكسجين اهتمامًا أكثر في العادة، ولكن لا يجب علينا تجاهل النيتروجين N2، وهذا لقيامه بدعم العديد من العمليات الحيوية.
من الجدير بالذكر أن النيتروجين وعلى عكس الكربون، لا يُمكن للنبات تثبيته مباشرة، ولكن تعمل هنا البكتيريا المفيدة والعديد من المخلوقات الحية بدائية النوى الأخرى للمساعدة على تثبيت النيتروجين.
تقوم بعض بدائيات النوى بتحويل النيتروجين إلى شكل آخر في التربة وهو الأمونيا NH3، مما يُمكن النبات من امتصاص النيتروجين على شكل أمونيا.
وعندما نتغذى نحن على النباتات، فإننا نحصل منها أيضًا على النيتروجين.
تستمر دورة النيتروجين بعد وفاة المخلوق الحي، وقيام البكتيريا المحللة بتحليل النبات أو الحيوان الميت، وبالتالي تقوم هذه البكتيريا بتكسير النيتروجين إلى نترات تخرج إلى الغلاف الجوي وتعود على شكل نيتروجين.
أو تقوم البكتيريا بتحويل النيتروجين مجددًا إلى أمونيا.
كما ذكرنا أعلاه، يُساهم الكربون في تركيب العديد من الجزيئات الهامة في أجسام المخلوقات الحية، ولكنه ليس وحده.
النيتروجين أيضًا يدخل في تركيب الأحماض الأمينية، وهي الوحدات الرئيسية للبروتينات.
كما يدخل النيتروجين في تركيز جزيء أدينوسين ثلاثي الفوسفات ATP، وهو وحدة الطاقة الرئيسية في أجسام المخلوقات الحية، حيث يُمكنه تحزين الطاقة وإعادة استخدامها.
كما أن أحد التراكيب الهامة في الحمض الأميني DNA هو القواعد النيتروجينية، والتي تتحد معًا لصناعة البروتينات وحمل صفاتنا الوراثية.
كما تحتاج العديد من النباتات إلى النيتروجين للنمو بطريقة صحية، لهذا السبب تحتوي العديد من الأسمدة على النيتروجين والفسفور أيضًا، والذي سنتعرف عليه في الفقرة المقبلة.
دورة الفوسفور
غالبًا ما يُعثر على الفوسفور على شكل فسفورات PO4، وهو أيضًا مهم لاستمرار الحياة، حيث تحتوي المادة الوراثية، الدهون الصحية والعديد من المركبات الصحية الأخرى على الفوسفور.
يختلف الفوسفور عن الكربون أو النيتروجين، وهذا لأنه لا يُمكن العثور عليه في الغلاف الجوي أو على شكل غاز.
يُمكن العثور على الفوسفور في الحقيقة في الصخور، وبفعل العوامل الطبيعية كالمطر، الحرارة والضغط، فهذا من شأنه أن يُكسر الفوسفور ويجعله موجودًا في تربة زراعية.
من الجدير بالذكر أن الفوسفور يُعتبر من الموارد الغير متجددة، ويُكافح العديد من الخبراء لمحاولة الحفاظ علبه.
كما يُمكن العثور على الفوسفور بتناول النباتات التي تحتوي عليه، وعندما يموت النبات أو الحيوان الذي تغذى على الفسفور يعود الفسفور إلى التربة، مجهزًا نفسه إلى رحلة جديدة.
ليس هذا فحسب، لنفترض أن أمامنا نهر ما، في هذه الحالة، ماء النهر ستلتقط الفوسفور من التربة المحيطة به، وتقوم بأخذ الفوسفور إلى المحيطات، ليُغذي المخلوقات الحية المائية التي تعيش أسفل المحيطات.
وعندما تموت هذه الأسماك، يستقر الفوسفور في قاع المحيط ليدخل إلى جسد المخلوقات الحية الأخرى التي تحتاجه.
دورة المياه
ربما تعتبر هذه أكثر الدورات بساطة عندما نتحدث عن الدورات الحيوية الكميائية، وهذا لأن دورة الماء بكل بساطة تبدأ من البحار، المحيطات، البرك والمستنقات وغيرها.
يفعل الحرارة الشديدة، تتبخر المياه إلى الغلاف الجوي على شكل بخار ماء، وينتشر في الفضاء الواسع بعد ذلك.
بعد ذلك، وعندما تقل درجة الحرارة، تتكاثف درجات الحرارة لتُشكل الغيوم، وبالتالي تتساقط الأمطار، ويعود الماء إلى أحد مصادره الطبيعية ليتبخر من جديد وتمطر.
يعني تبخر الماء تحول الماء من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية، وأما تكاثف الماء فهو تحول الماء من الحالة الغازية إلى الحالة السائلة.
إذا كانت درجة الحرارة أكثر برودة، يُمكن أيضًا أن يتحول الجليد القاسي إلى ثلوج رائفة، وهذا أيضًا جزء من دورة الماء في الطبيعة.
في النهاية، تُساهم هذه الدورات الحيوية الكميائية في تحسين جودة حياتنا، كما تدلنا على أهمية العديد من العناصر الكيميائية في أجسادنا.