من هو الفارابي
هو أبو نصر محمد بن محمد بن ترهان بن أوزلاغ فارابي، لقب بهذا اللقب نسبة للمدينة التي ولد فيها وهي فاراب المعروفة باسم أوترار في كازخستان، ولد عام 874م، عاش في بغداد ثم انتقل إلى مصر وبعدها إلى دمشق، ومن ثم انطلق في رحلته العلمية بين البلدين ليعود ويستقر في دمشق حيث توفي هناك عام 950م.
كان الفارابي شغوفًا بالعلوم إلى حد كبير، فقد درس الطب والفلسفة والفيزياء وغيرها من العلوم، وكان يطلق عليه اسم المعلم الثاني بعد أرسطو الذي كان يلقب بالمعلم الأول، فقد اهتم بمؤلفات أرسطو، وعمل على تفسيرها وإجراء التعديلات عليها، وترتيبها بشكل علمي ليسهل نقلها إلى ما بعده من الفلاسفة، فقد كان المؤسس الأول للفلسفة الإسلامية التي أثرت في العالم فيما بعد.
كان للفارابي مؤلفات كثيرة ألف معظمها في بغداد، ولم يصل إلينا سوى القليل منها، بعضها باللغة العربية، ومنها مترجمة إلى اللغة العبرية واللاتينية والفرنسية، الأمر الذي ساهم في ربط الفلسفات والثقافات الشرقية والغربية، ومن أشهر كتبه:
- جوامع السياسة.
- إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها.
- السياسة المدنية.
- التوطئة في المنطق.
- إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها.
- لآلئ الحكمة.
- منطق الفارابي.
- كتاب الخرافة الكبير.
- كتاب الزمان.
- وغيرها الكثير من المؤلفات.
حياة الفارابي
قام الفارابي بدراسة العلوم المختلفة في مسقط رأسه حيث قرأ العديد من الكتب في مكتبة أوترار المعروفة بغناها بالكتب والنسخ اليدوية في جميع المجالات، من علوم وآداب وفلسفة ولغات، وخاصة اللغة التركية التي كانت لغته الأصلية، إلى جانب اللغات الأخرى مثل العربية والفارسية واليونانية.
انتقل بعدها إلى بغداد لإكمال دراسته في الطب والفلسفة والموسيقى والمنطق وغيرها من العلوم، وظل يتنقل بين مدن الشام حيث انتقل إلى حلب، وعاش في بلاط سيف الدولة الحمداني ليتبوأ مكانة عالية بين العلماء والفلاسفة، كما كان بارعًا بالعزف على العود.
تمتع الفارابي بشهرة واسعة على مدار التاريخ، ودرس على يد أستاذه الطبيب يوحنا بن حيلان الذي كان من أهم رجال الدين في حران، وعلى يد أبي بشير متى بن يونس في بغداد، ودرس العلوم اللسانية العربية على يد ابن السراج، كما درس الطب والمنطق وعلم الاجتماع من خلال متابعته لمؤلفات أرسطو والاقتباس منها.
كان الفارابي زاهدًا في الدنيا، فلم يتزوج، ولم يكن مهتمًا بالمال، فكان كل اهتمامه متجهًا إلى القراءة والتصنيف، وكان محبًا للعزلة، ويقضي الساعات الطويلة في التأمل والتفكير متجولًا بين البساتين وشواطئ الأنهار، فهناك ألف معظم مؤلفاته، وكان يقصده تلاميذه لنيل العلم والمعرفة منه.
بعض المعتقدات الفلسفية للفارابي
آمن الفارابي بأن كل موضوع له حقيقة واحدة، وهذا ما طرحه أفلاطون وأرسطو في مؤلفاتهم على الرغم من التناقض بين فلسفة أفلاطون وأرسطو، فوضع كتاب (الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو)، فقد حاول إثبات عدم وجود فرق بين آراء الفيلسوفين، وقام بتقديم الأدلة على ذلك بأن كلاهما حاول كشف الحقيقة.
كما درس الفارابي الوجود في نظرية الصدور، فقد ميز فيها بين نوعين من الموجودات، وهما: الموجود فعلًا، والموجود الواجب وجوده.
وقارن الفارابي بين الفيلسوف والرسول، بأن الفيلسوف يأخذ الحقائق ويدرسها بالعقل الفعال بعيدًا عن الإحساس، ثم يقوم بنقلها إلى الناس، أما الرسول فتأتيه الحقائق منزلة من عند الله تعالى بواسطة الملك جبريل عليه السلام الذي يأتيه بالوحي، وينقل له الحقائق ليقوم بنقلها إلى الناس.
ومن أهم معتقدات الفارابي أن إبعاد الفيلسوف عن الحكم هو السبب الرئيسي في الاضطرابات السياسية على اعتبار أنه يمتلك من الحكمة الكثير لإدارة البلاد، لذلك اتجه في الكثير من كتاباته إلى مشكلة إصلاح الحكم، وهذا ما تطرأ إليه في كتابه (آراء أهل المدينة الفاضلة)، بينما اتجهت بقية كتاباته إلى الفلسفة والمنطق والفيزياء وغيرها من العلوم.
إنجازات الفارابي
كان للفارابي العديد من الإنجازات الهامة في عدة مجالات، ومنها:
في الفلسفة
كان الفارابي من مؤسسي الفلسفة الإسلامية، وكان نهجه في الفلسفة مختلف عن منهج أرسطو وأفلاطون، فقد كان اتجاهه نحو المنهج العلمي، ووحد بين النظرية والتطبيق، وسبق في ذلك أسلافه مثل الرازي والكندي، وكانت إنجازاته الفلسفية مرجعًا لابن سينا وابن رشد، وغيرهم من الفلاسفة، ومن أشهر مؤلفاته في الفلسفة: كتاب الواحدة والوحدة، وكتاب الخلاء، وكتاب العقل والمعقول، وكتاب منطق الفارابي، وغيرها من المؤلفات الفلسفية.
في السياسة والاجتماع
كتب الفارابي العديد من الكتب، ومن أشهر كتبه في السياسة والاجتماع: كتاب جوامع السياسة، وكتاب السياسة المدنية، وكتاب آراء المدينة الفاضلة، فالمدينة الفاضلة في تصوره هي المدينة التي يطلب أهلها السعادة، وكان للكتاب قسمين: القسم الأول يبحث في نظرية الصدور التي تعنى بالموجودات، والقسم الثاني خاص بآراء أهل المدينة الفاضلة، فالسعادة عند الفارابي كانت مرتبطة بقدرة تغلب النفس العاقلة على النفس العصبية والشهوانية للوصول إلى السعادة المطلقة، وبذلك جعل لأهل المدينة الفاضلة مجموعة من السمات المميزة التي تأثر فيها بكتاب (جمهورية أفلاطون) متطرقًا فيها بشكل أساسي لموضوع إصلاح الحكم.
في الفيزياء
درس الفارابي الفيزياء، فبحث في وجود الفراغ، فألف كتاب (في الفراغ) الذي سجل فيه استنتاجاته حول إمكانية تمدد الهواء ليملأ الفراغ المتاح، كما كانت له مؤلفات في علم الطبيعة، وما وراء الطبيعة، والعلوم الغيبية.
في الموسيقى
تعتبر مؤلفاته “كتاب الموسيقا الكبير” و”كتاب صناعة علم الموسيقى” من أبرز مؤلفات الفارابي التي عرض فيها المبادئ الفلسفية للموسيقى، ومدى تأثيرها في العلاج، وصفاتها وآثارها النفسية على الروح البشرية، كما اخترع العديد من الآلات الموسيقية.
في المنطق
درس الفارابي العلاقة بين المنطق وقواعده، وقام بتصنيف المنطق إلى مجموعتين رئيسيتين، وهما: الفكرة المطروحة وكيفية إثباتها، متبعًا بذلك دراسات أرسطو في المنطق، إلا أنه أضاف إليها بعض التعليقات والعناصر، ومن مؤلفاته في المنطق: كتاب الآثار العلوية، رسالة النفس والعالم، وكتاب العلم الطبيعي، وغيرها.
في العلوم
ومن أشهر مؤلفاته في العلوم كتاب (إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها)، حيث قام بدراساته في العلوم بتصنيفها، والبحث في أصولها.
في النهاية نجد أن للفارابي أثر كبير في الثقافة الفلسفية الإسلامية والعلوم المختلفة، واستطاع تكوين مدرسة فكرية خاصة سميت بالفارابية، وترك لنا من خلالها إرثًا كبيرًا من المؤلفات والكتب التي ما زالت مرجعًا لطلاب العلم حتى يومنا هذا.