مبادئ في علم البيئة 3: المادة وتدفق الطاقة
من أهم مبادئ علم البيئة فهم معنى الطاقة، وكيف تنتقل الطاقة من شكل لآخر وهو ما يعرف بتدفق الطاقة.
وأهم ما يجب أن نركز عليه، طاقة الحياة، طاقة المخلوقات الحية، أي الطاقة التي نحتاجها للبقاء على قيد الحياة.
الطاقة التي أحتاجها لكتابة هذا المقال، أو الطاقة التي نحتاجها لنفكر أو نتحرك نحن البشر أو أي من المخلوقات الحية على سطح الأرض.
من أين تأتينا الطاقة الحيوية؟
يحصل كوكبنا بشكل عام على الطاقة من ضوء الشمس، وكما نعلم فبعض المخلوقات الحية قادرة على امتصاص ضوء الشمس لتحويله لطاقة.
تقوم هذه المخلوقات الحية بامتصاص ضوء الشمس وتحويله إلى طاقة كيميائية، وأبرز الأمثلة على هذه المخلوقات النباتات.
تستخدم النباتات ضوء الشمس أو الطاقة الضوئية، وبالتعاون مع الماء من التربة وثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي تقوم النباتات بتثبيت الكربون في أجزاء النبات، والكربون بدوره يعد من المكونات الرئيسية لجزيئات الطاقة.
تُخزن النباتات جزيئات الطاقة، وعندما تحتاج إليها تقوم بتكسيرها، وبذلك فهي تسمح للطاقة بالانطلاق بأشكال مختلفة.
لذلك يُطلق على النباتات اسم المنتجات الأولية، أو الذاتية التغذية.
وهذا لأنها تحصل على غذائها بنفسها وتصنعه من ضوء الشمس والمكونات المحيطة بها، ولا تتغذى على أي مخلوقات حية أخرى.
بعد هذه العملية، تُخرج النباتات جزيء الأكسجين، وسنحاول شرح هذه العملية بطريقة كيميائية أكثر.
عملية البناء الضوئي
في عملية البناء الضوئي (بالإنجليزية: Photosynthesis) تقوم النباتات بأخذ ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي والذي بدوره يتفاعل مع الماء.
يحتاج هذا التفاعل إلى طاقة، وتحصل النباتات على هذه الطاقة على شكل طاقة ضوئية من ضوء الشمس.
ثم تُخزن النباتات هذه الطاقة على شكل طاقة كيميائية، بالتحديد كمركب عضوي، وغالبًا ما يكون الجلوكوز.
يتألف الجلوكوز من ست ذرات كربون، 12 ذرة هيدروجين وست ذرات أوكسجين، ويُعبر عنه بالصيغة الكيميائية الآتية:
C₆H₁₂O₆
وينتج عن هذا التفاعل الكيميائي أيضًا بجانب الجلوكوز جزيء الأكسجين، وبذلك تصبح المعادلة الكيميائية لعملية البناء الضوئي كالتالي:
6CO2 +6H2O + ضوء الشمس — > C6H12O6 + 6O2
التنفس الخلوي
التنفس الخلوي (بالإنجليزية: respiration) هي عملية معاكسة للبناء الضوئي، وهي العملية التي تقوم بها الحيوانات ونقوم بها نحن البشر للحصول على الطاقة.
في الحقيقة هذه العملية معاكسة تمامًا للبناء الضوئي، حتى أن المعادلة الكيميائية لها تبدأ من الجلوكوز، والذي بوجود الأكسجين الذي نتنفسه ينتج عنهما ثاني أكسيد الكربون الذي نخرجه في عملية الشهيق.
كما ينتج عن عملية التنفس الخلوي الماء، وبالتأكيد، طاقة يُمكن للخلايا استخدامها.
وسيتم الحديث عن هذه العمليات بالتفصيل في سلسلة عالم الأحياء، لمعرفة كيف تحدث هذه التفاعلات بالتفصيل في أجسام المخلوقات الحية.
وبذلك تُكتب معادلة التنفس الخلوي على الشكل الآتي:
C6H12O6 +6O2 → 6CO2 +6H2O +طاقة خلوية
تحتاج جميع المخلوقات الحية للطاقة، للتنفس، التكاثر، صنع الغذاء أو الحركة، ولهذا السبب تعتبر دراسة الطاقة الحيوية من أساسيات علم البيئة.
تدفق الطاقة في الأنظمة البيئية
كيف يمكن أن نقوم بحساب مقدار الطاقة الذي تحتاجه المخلوقات الحية في نظام بيئي ما، كالغابات المعتدلة أو الغابات المطيرة.
إذا حددنا قطعة ما في نظام غذائي ما، وقمنا بتحديد وقت كسنة مثلًا، ثم زرعنا بها بعض النباتات.
سنُلاحظ بأننا كلما زرعنا نباتات أكثر، كلما ازداد معدل البناء الضوئي.
يقوم الخبراء البيئيين بتحديد الكتلة الحيوية في نظام بيئي ما مع معدل النمو للمخلوقات الحية.
يُقصد بالكتلة الحيوية وزن المخلوقات الحية، أو يُمكن التعبير عنها بالسعرات الحرارية.
قد يكون هذا صادمًا نوعًا ما، وقد تتسائل الآن عن علاقة الكتلة الحيوية بالسعرات الحرارية.
في الحقيقة، السعرات الحرارية هي شكل من أشكال الطاقة، وهذا يعني أن طاقة نبات ما، هي سعراته الحرارية!
السعرات الحرارية لا تقتصر على الطعام فقط!
تبدأ الطاقة في الأنظمة البيئية بالإنتاجية الأولية، والتي يُقصد بها كمية المادة العضوية التي تنتج من النباتات خلال عملية البناء الضوئي في نظام بيئي ما.
أما الإنتاجية الأولية الإجمالية، فهي كمية المواد العضوية الناتجة من البناء الضوئي كاملة، فإذا أنقصنا منها الطاقة الكيميائية أو الخلوية التي نحتاجها للتنفس الخلوي، فهذا يمنحنا صافي الإنتاجية الأولية.
في الأنظمة البيئية عالية الإنتاجية، كالغابات المطرية على سبيل المثال، إذا أخذنا منها متر مربع واحد فقط، فهذا المتر المربع يُنتج سنويًا حوالي ألفي جرام من الكتلة الحيوية.
وبذلك فصافي الإنتاجية الأولية لهذا المتر المربع سيكون حوالي 2000 جرام لكل متر مربع من الكتلة الحيوية سنويًا.
كل جرام من الكتلة الحيوية يتضمن 4 كيلو سعرات حرارية أو 4 كيلو كالوري.
نعود إلى الإنتاجية الأولية الإجمالية، وكيف يمكننا حسابها؟
في الحقيقة لا يمكن حسابها بشكل مباشر، ولكن يمكن معرفتها بعد حساب الطاقة الخلوية التي نحتاجها للتنفس.
في البداية نضع إحدى النباتات في النظام البيئي في غرفة مظلمة، ثم نلاحظ كم سيمتص هذا النبات من الأكسجين، وبالتالي نعلم مقدار الطاقة الخلوية الناتجة عن التنفس الخلوي.
بمعرفة مقدار الطاقة الخلوية وصافي الإنتاجية الأولية، يمكن معرفة الإنتاجية الأولية الإجمالية.
تساهم هذه العملية الحسابية بدعم علماء البيئة على معرفة مدى إنتاجية النظام البيئي، وكيف يمكن زيادة إنتاجية أو تقليلها.
تدفق الطاقة في النظام البيئي البحري
تعرفنا خلال سلسلة مبادئ في علم البيئة على الدورات الحيوية الكيميائية، وعلى كيفية تدفق الطاقة بين المخلوقات الحية المنتجة والمستهلكة.
ولكن هل الأمر ذاته يحدث في الأنظمة البيئية البحرية؟
على سبيل المثال المخلوقات الحية المنتجة كالنباتات، على الرغم من أنها أقل في البحار، ولكن يمكن أن تنمو الطحالب، الفطريات، العوالق والبكتيريا التي تمتص أشعة الشمس وتقوم بالبناء الضوئي كالنباتات تمامًا.
من الجدير بالذكر أن 50٪ من البناء الضوئي على كوكب الأرض ناتج عن الأعشاب البحرية، الفطريات والبكتيريا التي تعيش في البحار.
كما نعثر في البحار على المستهلكات الأولية، وهي المخلوقات الحية التي تتغذى على المُنتِجات، ومن أبرز الأمثلة على المستهلكات الأولية العوالق الحيوانية والأسماك الصغيرة.
بعدها يأتي دور المستهلكات الثانية، وهي التي تتغذى على المستهلكات الأولية، وهذا يعني أنها تتغذى على الأسماك الصغيرة.
وفي النهاية نعثر على المفترسات مثل أسماك القرش، وهذه المفترسات تتغذى على الأسماك المختلفة في البحار.
وهذا يعني أن جميع المخلوقات الحية سواء كانت في البحر أو على اليابسة تحتاج إلى الطاقة.
المنتِجات دائمًا ما تستخدم ضوء الشمس لإنتاج ثاني أكسيد الكربون، والمستهلكات الأولية والثانية وحتى المفترسات جميعها تستخدم ثاني أكسيد الكربون وتخرج الأكسجين حتى تستخدمه المنتجات مرة أخرى.
هذه الدورات الحيوية أو تدفق الطاقة في الأنظمة البيئية تتضمن هذه العمليات ذاتها، على الرغم من اختلاف أنواع المخلوقات الحية واختلاف أماكن عيشها وأجزاء جسدها.
ولكن جميع المخلوقات الحية تحتاج إلى الطاقة لتعيش.
حتى أن بعض المخلوقات الحية مثل نجمة البحر يمكنهم الحصول على الطاقة من المخلوقات الحية الميتة، فحتى سمك القرش عند موته، يمكن للعديد من المخلوقات الحية التغذي عليه لاستمرار تدفق الطاقة.
في النهاية، لا يجب أن ننسى أن الطاقة لا تستحدث ولا تأتي من العدم، ولكنها تتحول من شكل لآخر.