المجتمع السياسية وخصائصه
ما هو المجتمع السياسي، وما هي خصائصه، ولماذا يعتبر المجال السياسية من المجالات الرئيسية لاستمرار المجتمعات؟ هذا ما سنعرضه في هذه المقالة التي ستفسر معنى المجتمع السياسي وخصائصه.
تعريف المجتمع السياسي
تنظم العلاقات داخل الجماعة وفق هدف خاص بها، فالجماعة تنشأ بدافع تحقيق غاية معينة، تشكل قيمة مشتركة بالنسبة لأعضائها.
فبعض الجماعات تكون بدافع ممارسة الصناعة مثلا أو التجارة، أو أي نشاط آخر.
وهذه الجماعات أو المجتمعات الثانوية، القائمة من أجل هدف خاص، تشكل جزءًا من مجتمع أوسع وأشمل، أي مجتمع كلي Société globale، لأنها لا تستطيع أن تلبي حاجاتها بدونه.
وبمقدار ما تكون غايات الجماعات الثانوية متباعدة، تكون الحاجة ماسة إلى قيمة مشتركة للجميع تتعدى أهداف كل منها.
وهذه القيمة المشتركة لا يمكن أن تكون سوى وجود المجتمع الكلي نفسه.
وعندما يعي أفراد المجتمع ذلك، يتكون ما يسمى بالمجتمع السياسي، أي مجتمع تتخطى غايته الغايات الخاصة لكل من الجماعات الثانوية.
فالمجتمع السياسي، ليس مجرد تجمع أفراد، إنما يفترض وجود وعي مشترك عند اعضائه، يرسخ انتماءهم له.
والمجتمع السياسي هو المادة التي يعطيها النشاط السياسي شكلاً محدداً، وهو أيضاً منطلق الأفكار السياسية.
فلا بد لكل نظرة سياسية واقعية من أن تنطلق من الحالة التي يعيشها المجتمع، في سياق تطوره التاريخي والعمل السياسي، بحد ذاته بهدف أما للحفاظ على حالة المجتمع واما لتغيرها.
فالإنسان يخلق ويعيش في مجتمع له مؤسساته وقوانينه وتقاليده وخصائصه، التي تميزه عن المجتمعات الأخرى.
وحدة وتمايز المجتمعات السياسية
السياسة هي عامل توحيد وتمايز في آن. فهي توحد أفراد الجماعة، حول غاية معينة، هي النفع المشترك في مجتمع محدد سياسياً.
غير أنه لا يمكنها أن توحد البشرية بكاملها في مجتمع واحد، ولأنه ليس للسياسة نزعة كونية كالدين والعلم والأخلاق والفن. فهي توحد جماعة ما، واضعة إياها في مواجهة جماعات أخرى.
فالمجتمع البشري منظم سياسياً على سطح الكرة الأرضية، ولكن تنظيمه قائم على تقسيمه الى جماعات، لكل منها وحدتها الخاصة.
فالسياسة تعيش من التباين بين المجتمعات، حتى ولو كانت تجهد نفسها لخلق نوع من التجانس داخل الدولة.
وتعدد مصالح الجماعات، وتنوعها واختلافها، يعطي السياسة مبرر وجودها، ويحول دون قيام مجتمع كوني موحد.
ولكن إذا تمكنت البشرية في يوم من الأيام، من التغلب على الصعوبات، التي تعترض قيام مجتمع إنساني موحد تنتفي صفة السياسة عن هذا المجتمع، ولا يعود بالإمكان التكلم على مجتمع سياسي، إنما على مجتمع لا وجود للسياسة فيه.
فالسياسة كما سبق وذكرنا تعمل على تحقيق التوافق داخل الجماعة وحصر الخلافات بين أفرادها، وتنظيم الجماعة في إطار وحدة سياسية، تدافع عن استقلالها وتدرأ عنها الأخطار الخارجية، الناشئة عن مطامع الوحدات السياسية الأخرى واختلاف مصالحها.
فإذا زالت التناقضات تماماً، داخل كل من الوحدات السياسية وبين هذه الوحدات، تزول السياسة بزوال سبب وجودها.
ووحدة المجتمع تعني تمايزه عن المجتمعات الاخرى؛ لأن الوحدة تحدد ذاتها بالنسبة لوحدات خارجة عن نطاقها.
فانتماء الناس إلى وحدات سياسية متنوعة، يلبي حاجة الإنسان إلى التمايز عن غيره، ويؤكد خصوصية المجتمعات.
فتعدد الوحدات السياسية يمكن الإنسان من تحديد ذاته خارجياً، وذلك بانتمائه إلى وحدة سياسية أو دولة معينة.
فمن الصعب بمكان أن نصنف الناس، حسب انتمائهم الطبقي، تصنيفاً دقيقاً، ولكن من السهل أن نصنفهم حسب انتمائهم إلى وحدات سياسية محددة.
خصائص المجتمع السياسي
تعدد الوحدات السياسية وتمايزها، يعني أن المجتمع السياسي هو دائماً مجتمع مغلق، وأسباب هذا الانغلاق متنوعة.
فهو مغلق لأن له حدوداً تجعل الحكم يمارس على إقليم محدد جغرافياً، بغض النظر عن كبر أو صغر مساحته.
ومهما كان اتساع الاقليم، يبقى المجتمع السياسي القائم عليه مغلقاً، بسبب الحدود التي هي الدلالة المادية للاستقلال السياسي، والإطار المادي لتطبيق القوانين، التي تمتاز بالخصوصية لأن طابعها توافقي.
فالقانون تعتمده السلطة. وبالانتقال من دولة إلى أخرى، أي باجتياز الحدود، ندخل في إطار سياسي آخر، له مؤسساته وقوانينه.
والحدود هي التي تفرق المواطن عن الأجنبي، وهي التي تفصل بين الجماعات، وتشكل في الوقت نفسه، عامةً، عامل تضامن بالنسبة لمن هم في الداخل.
والمجتمع السياسي هو عادة وطن له تراث، يسهم الحفاظ عليه، في تماسك الجماعة. فالدول التي لا تراث لها أو تلك التي تتخلى عن ميزاتها، تفقد سريعاً تلاحمها الداخلي، وتتعرض للتفتت والتمزق وتقع تدريجياً تحت الاحتلال الأجنبي؛ بينما الدول، المتشبثة بتراثها الوطني، تتمكن سريعاً من استعادة وحدتها، حتى بعد التصدع والاحتلال.
قد يهمك: الفرق بين الفيدرالية والكونفيدرالية
المجتمع السياسي وخصائصه على الصعيد الاقتصادي
فعلى الصعيد الاقتصادي، توجد بلدان فقيرة ومحرومة من مصادر الثروة، وأخرى أرضها خصبة وغنية بالمواد الأولية.
هذا الواقع يؤثر مباشرة على التوجه السياسي للوحدة السياسية.
فلا يمكن لكل الدول أن تتبع نمطا واحداً في النمو، وأن يكون لها مستوى واحد من القوة الاقتصادية والسياسية.
المجتمع السياسي وخصائصه على الصعيد الجغرافي
الموقع وطبيعة الإقليم (يابسة، أرخبيل)، وانفتاحه على البحر أو وجوده في الداخل، والخصائص الجغرافية الأخرى المساحة، شكل الحدود، الطبيعة الجبلية وغيرها)، تسهم في تحديد خصوصية كل من الوحدات السياسية.
كما أن الوضع الديموغرافي (الكثافة السكانية، نسبة توزع السكان بين الريف والمدينة، الخ)، يؤثر على نمط العيش، الذي يؤثر بدوره على التوجهات السياسية.
فالأوضاع الاقتصادية والجغرافية والديموغرافية، تحدد، إلى مدى بعيد، طابع كل من المجتمعات السياسية.
وليس من الصعب اكتشاف الأثر الحاسم لهذه الثوابت في سياسة هذه المجتمعات، خاصة سياستها الخارجية، مهما كان النظام السياسي الذي تعتمده.
وهكذا تظهر بوضوح العلاقة الوطيدة، بين الطابع التقسيمي للوحدة السياسية والحركة الداخلية للمجتمع السياسي الذي يتجسد بها، والذي يكون نفسه كمجتمع مغلق.
والأمل ضئيل بانفتاح المجتمعات السياسية بعضها على بعض، في يوم ما، لتكون مجتمعاً سياسياً واحداً وجامعاً.
فمن الممكن أن يتغير عدد الوحدات السياسية، ولكن طالما أن الإنسان كائن سياسي، فلا بد من وجود مجتمعين سياسيين متنافسين على الأقل، وبالتالي جماعتين متناحرتين.
لذلك يجب ألا ننتظر توسع المجتمع السياسي، وانفتاحه تدريجياً ليصبح مجتمعاً سياسياً منفتحاً نهائياً، عبر تطوره التاريخي.
فالنظريات الإنسانية تحاول جاهدة تخطى الواقع التقسيمي للوحدات السياسية، انطلاقًا من مبدأ الأخوة بين الناس والشعوب، ولكن عملياً لا يمكن التنكر لهذا الواقع.
وعلى الرغم من أن المجتمع السياسي مغلق، فهو ليس منطوياً على ذاته، بل يتأثر بما يدور خارجه، في العالم.
فالتغيرات والتحولات والتحديث، في مجتمع ما، يترك وقعاً مباشراً على المجتمعات الأخرى، بسبب العلاقات القائمة بينه وبينها.
إنغلاق المجتمع السياسي
القول بأن المجتمع السياسي مغلق، يعني فقط أنه توجد حدود بين المجتمعات السياسية، وأن كل واحد منها مستقل، وله خصوصياته.
والعلاقة بينه وبينها تكون علاقة تعاون أو تصادم، وفي كلتا الحالتين تترك أثرها عليه، أما داخل الحدود، فتتبع الحياة السياسية مجراها الطبيعي.
بحيث يتطور كل مجتمع وفق نمط خاص به، من ناحية أخرى، ليست الوحدة السياسية جامدة، وغير قابلة للتغير.
فهي تعيد صناعة ذاتها، تحت تأثير التناقضات القائمة في الجسم المجتمعي، الذي تدب فيه الحياة دون توقف.
فمهما بلغت درجة استقرار المجتمع السياسي، لا بد له من أن يتعرض إلى خضات، تؤدي إلى تحولات في داخله.
فهناك قوى (أحزاب، جمعيات، إلخ) تعتقد أن الحالة القائمة، في الوحدة السياسية، تحول دون تقدمها وازدهارها، فتتناحر مع غيرها من القوى، من أجل التغيير الذي هو في صالحها.
وقد تعمل على تفكيك الوحدة السياسية، وإقامة وحدات جديدة على أنقاضها، أو على دمجها في وحدة أخرى، وفقاً لرؤيتها الخاصة.
كما أن الفرد، على الرغم من أنه بطبيعته كائن اجتماعي، يميل عادة إلى مقاومة الإكراه، والثورة على المجتمع، لأنه يشعر بعبودية تمارس عليه من قبل المجتمع، فتحد من حريته.
فميل الإنسان للانخراط في المجتمع، مبطن بنفور عام، يهدد المجتمع بالتفكك. فلدى الإنسان رغبة بالتضامن والاتحاد مع الآخرين لأن ذلك ينمي حوافزه الطبيعية، ويشعره أكثر فأكثر بأنه إنسان، ولكنه يظهر نزوعاً للانعزال، في الوقت نفسه، لأنه يجد في ذاته ميزة الانطواء التي تدفعه لتوجيه كل شيء على هواه.
فالواقع التقسيمي للمجتمعات السياسية لا ينفي تأثرها ببعضها البعض، ولا عملية التغيير في داخلها. والتنكر لهذا الواقع يعني تجاهل الحقيقة.
وكل تحليل لا ينطلق من تمايز الوحدات السياسية، وعدم انسجام الجماعات، بعضها مع بعض، يحكم عليه بعدم فهم الظاهرة السياسية على حقيقتها.
تحرير بيلسان عماد