فتح القسطنطينية.. شرف ناله العثمانيون
مدينة القسطنطينية إسطنبول حاليًا
مدينة القسطنطينية مدينة تركية، تأسست في القرن السابع قبل الميلاد، تميزت بموقعها الاستراتيجي بين أوروبا وآسيا، فهي تقع على مضيق البوسفور، وهي محاطة بأسوار منيعة، وكانت عاصمة للإمبراطورية البيزنطية، وأطلق عليها هذا الاسم نسبةً للإمبراطور قسطنطين الأول.
تعرضت القسطنطينية للحصار 28 مرة قبل فتحها من قبل السلطان العثماني محمد الثاني عام 1453م، ولقب بعدها بمحمد الفاتح، وتوالت على القسطنطينية العديد من الامبراطوريات خلال تاريخها، وهي الإمبراطورية الرومانية بين 330–359 م، والامبراطورية البيزنطية بين عامي 359–1453م، والدولة العثمانية الإسلامية عام 1453م، وعندها تغير اسمها إلى إسلامبول، ثم إلى إسطنبول حاليًا.
اشتهرت القسطنطينية بانتشار الفن والأدب والعمارة الحديثة، ومن الأمثلة على ذلك: مسجد آيا صوفيا، والقصر الامبراطوري المقدس، ومكتبة القسطنطينية، وتضمنت الجامعات العديد من الكليات في مجالات مختلفة كالطب والقانون وغيرها.
المحاولات الأولى لفتح القسطنطينية
كانت المحاولات الأولى لفتح القسطنطينية في عهد معاوية بن أبي سفيان سنة 49 هـ الذي أرسل جيشًا ضخمًا لحصارها بقيادة فضالة بن عبد الله الأنصاري، وقام بحصارها لعدة أشهر، وانتهى الحصار بحرب بين الروم والإسلام تحت أسوار المدينة، ولكنهم لم ينجحوا في فتحها، واضطروا عندها لفك الحصار والعودة إلى دمشق بعد أن أمرهم معاوية بذلك.
في عام 54هـ قام المسلمون بحصار مدينة القسطنطينية بحرًا، وشارك في الحصار جنادة بن أبي أمية الأزدي، واستمر الحصار سبع سنوات حتى عام 60هـ، ولكن المسلمين لم يحققوا النصر بسبب تركيزهم على الجهة البحرية فقط، في حين كانت الطرق البرية متاحة أمام البيزنطيين لوصول الإمدادات والمؤن إليهم، وعاد المسلمون إلى دمشق بعد أن عقد معاوية هدنة مع الروم استمرت ثلاثين عامًا.
في عام 98 هـ عاد المسلمون لحصار القسطنطينية في عهد خلافة سليمان بن عبد الملك الذي أرسل جيشًا ضخمًا مؤلفًا من 180 ألف جندي، و1800 سفينة بحرية حربية بقيادة أخيه مسلمة، وحاصرها برًا وبحرًا وضربها بالمجانيق الضخمة، ولم يتمكنوا من فتح المدينة لعدة أسباب من أهمها: أن أسوار القسطنطينية كانت منيعةً جدًا، كما أن المسلمين لم يتمكنوا من حصار المدينة من الجهة الشمالية، الأمر الذي سهل وصول المؤن والإمدادات إلى البيزنطيين من سواحل البحر الأسود، كما قضى البرد القارس على عدد من الجنود، فانهزم المسلمون وعادوا إلى دمشق، وكان ذلك عام 99هـ.
توقفت بعدها حملات الإسلام لفتح القسطنطينية لبضعة قرون، وبقي الأمر حتى بداية العهد العثماني، ففي عام 793هـ قام السلطان بايزيد الأول بحصار القسطنطينية، ولكنه لم ينجح في فتح المدينة بسبب الاجتياح التتاري للمنطقة، الأمر الذي دفعه للانصراف عن حصار القسطنطينية لمواجهة التتار في أنقرة، وتوفي هناك بعد أن تمر أسره.
قام السلطان مراد الثاني بحصار القسطنطينية في عام 825هـ ودار بينه وبين البيزنطيين قتال عنيف عند أسوار المدينة، ولكنهم لم يتمكنوا من فتحها، وبقي الأمر على حاله إلى أن استلم محمد الثاني عرش آل عثمان، واستطاع توحيد العثمانيين تحت رايته، فكانت الإمبراطورية البيزنطية هي العائق الوحيد أمامه لتنفيذ سياسته في الفتوحات الإسلامية.
استغل محمد الثاني وضع الحكومة البيزنطية التي كانت في حالة انهيار، بسبب كثرة المشاكل الداخلية فيها، لتحقيق حلمه في فتح القسطنطينية، وليزيد من قوة دولته ولتحقيق نبوءة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.
فتح القسطنطينية في العهد العثماني
قام المسلمون بعدة محاولات لفتح القسطنطينية، إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل، ولم يتسنى لهم ذلك إلا في عهد العثمانيين على يد القائد محمد الفاتح سابع سلاطين آل عثمان.
توجهت أنظار العثمانيين إلى مدينة القسطنطينية لأهميتها لديهم، وذلك طمعًا في نبوءة الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، حيث جاء في حديثه: “لَتُفتَحَنَّ القُسْطَنْطينيَّةُ؛ فنِعْمَ الأميرُ أميرُها، ونِعْمُ الجيشُ ذلكَ الجيشُ.”، وكونها عاصمة البيزنطيين ومقرهم الرئيسي ومنها كانت تخرج الحروب الصليبية ضد المسلمين، هذا فضلًا عن موقعها الجغرافي المهم.
قام محمد الفاتح بعد توليه الحكم بعقد معاهدات مع أعدائه ليتفرغ لفتح القسطنطينية في الوقت الذي كان فيه الإمبراطور البيزنطي غير مكترث بتحالفه مع الغرب، كما قام الفاتح بإرسال أهل الخبرة لمعرفة أسباب تأخر المسلمين في فتح المدينة، فاكتشف أن الأسباب تعود إلى عدم امتلاك المسلمين للمعدات الحربية الكافية لاقتحام أسوار القسطنطينية، ولعدم توفر الحصون التي تعينهم على حصارها، وعدم وجود السفن القادرة على التقدم في الخليج، لذلك قام بتجهيز الجيوش ووضع الخطط المحكمة لتفادي تلك الأسباب.
قام محمد الفاتح ببناء حصن استغرق في بنائه ثلاثة أشهر لحصار المدينة، وقام باستدعاء كبار المهندسين لصناعة المدافع القوية لضرب أسوار القسطنطينية، وأنشأ ممرًا في الجبل لتسهيل وصول السفن إلى الخليج والتي بلغ عددها سبعين سفينةً.
حاصر محمد الفاتح مدينة القسطنطينية من البر والبحر، ودام ذلك 53 يومًا، ونجح في تحقيق حلمه في 21 جمادى الأولى عام 857 هـ، واتخذها عاصمةً له بدلًا من أدرنة، وسميت إسلامبول أي تخت الإسلام.
اعتبر فتح القسطنطينية نهايةً للإمبراطورية البيزنطية، ووضعت حدًا للعالم المسيحي الذي كان يشكا عائقًا أمام تقدم الإسلام في أوروبا، وبذلك فتحت الطريق أمام المسلمين للتقدم في فتوحاتهم الإسلامية.
أهمية فتح القسطنطينية
كان لفتح القسطنطينية أهمية كبيرة بالنسبة للمسلمين، فقد استطاعوا من خلالها توسيع حكم العثمانيين، وتمكنوا أيضًا من تحويل المدينة التي كانت تحتل موقع جغرافي هام من مدينة معادية للإسلام إلى مركز ومنطلق لنشر الإسلام، كما استفادوا من حضاراتها الغنية في جميع المجالات، واستطاع المسلمون بذلك تشكيل قوة كبيرة تهدد أمن العالم الأوروبي.
وهكذا نجد أن فتح القسطنطينية كان من الأحداث الهامة على الصعيد العالمي، حيث اعتبرها المؤرخون بدايةً للعصور الحديثة، وأيضًا على الصعيد الإسلامي، حيث شكلت المحرك الأساسي للمسلمين للجهاد ضد الممالك الأوروبية.