من هو الشاعر الأندلسي ابن زيدون
إن دولة الأندلس هي دولة تعرف ضمن العالم الإسلامي باسم إسبانيا الإسلامية، وهي حضارة قديمة كانت قائمة في القارة الأوروبية في منطقة شبه الجزيرة الإيبيرية وهي اليوم البرتغال وإسبانيا.
ازدهرت هذه الدولة بشدة وامتدت بحدودها حتى وصلت إلى المناطق الجنوبية من فرنسا والتي كانت تعرف في ذلك الوقت باسم سبتمانيا.
بعد قيام المسلمين بفتح هذه الدولة قسموها لخمس وحدات إدارية بشكل أساسي وكانت في البداية عبارة عن ولاية تابعة للدولة الأموية.
كانت في ذلك الوقت تعتبر وجهة خصبة لكل أشكال التبادل الثقافي والعلوم بمختلف أنواعها وكانت تعاليم الدول وقوانينها مستمدة من تعاليم الدين الإسلامي بشكل رئيسي. وازدهرت ثقافيًا وانتشر فيها الشعر والشعراء.
سنتحدث اليوم في هذا المقال عن أبرز شعراء الأندلس وهو ابن زيدون وسنذكر سيرة حياته وأهم إنجازاته.
مولد الشاعر ابن زيدون
الشاعر ابن زيدون اسمه الكامل هو أبو الوليد أحمد بن عبد الله بن أحمد بن غالب بن زيدون المخزوميّ الأندلسي.
تنوعت أشعاره بين الغزل والرثاء وأيضًا وصف الطبيعة، وامتاز عن غيره بطول قصائده وأيضًا كثرة الفنون التي كان يمتهنها.
ولد ابن زيدون سنة 394 للهجرة وفي أحد أحياء قرطبة، حيث تمتد أصوله العربية إلى قبيلة بني مخزوم الشهيرة والتي كان لها مكانة عظيمة في الجاهلية القديمة وأيضًا في الإسلام.
امتلك أسرة عريقة، حيث أن كلا والداه كانا ينتميان لعائلتين عريقتين من عائلات الأندلس الأكثر شهرة، وكان أبوه على قدر كبير من الثروة إضافة إلى كونه من أهل العلم وكان على اطلاع كبير على أنواع الأدب.
إضافة إلى ذلك كان قاضيًا شهيرًا وصاحب رأي مسموع لدرجة أن قاضي القضاة أحمد بن محمد بن ذكوان كان يراجعه في بعض الفتاوي.
توفي والده عندما كان عمره 11 عاما فقام بكفالته والد أمه أي جده الذي كان شيخًا يعرف عنه الالتزام والحزم الشديد فنشأ في جو ملتزم.
لعبت كل تلك الأحداث السابقة دورًا كبيرًا في نشأته وحياته إضافة إلى كونه وحيد أمه ومدللها وحبه للمرح في كل أوقات يومه.
قد يهمك: سيرة عمر الخيام
أساتذة الشاعر ابن زيدون
كان معلمه الأول والأهم هو والده حيث أنه كما ذكرنا كان على قدر كبير من العلم والمعرفة، فكان ضليعًا في اللغة العربية وآدابها فعلمه كثيرًا من مما يعرفه.
كما تتلمذ على يد أبي بكر مسلم بن أحمد وهو كان عالمًا في الأدب ورواية الشعر.
بالطبع كان لحب ابن زيدون للعلم والمعرفة دورًا كبيرًا في مكانته العظيمة، حيث كان ناهلًا للعلم وراغبًا فيه، واعتاد حضور الدروس في كل الجوامع، وأيضًا كثيرًا ما كان يذهب لدور الكتب وأيضًا لجامعة قرطبة ليحضر فيها كل الدروس التي كانت تلقى فيها.
وقال في هذا الدكتور شوقي ضيف: (ونظن ظناً أنّ ابن زيدون لزم صديق أبيه عباس بن ذكوان، وأفاد من علمه وفقهه، فقد كان عالم قرطبة الأول في عصره، وامتدت حياته بعد أبيه إلى سنة 413هـ ).
ابن زيدون والحياة السياسية
يمكن القول أن ابن زيدون قد عاصر كل الاضطرابات التي شهدتها الأندلس إضافة إلى أنه قد شهد على تداعي الخلافة الأموية التي حكمت الأندلس لمدة طويلة تمتد ما بين عامي 756 وإلى 1030.
بلغت الدولة الأموية أوج قوتها وعزها في عهد الناصر للدين وهو أول من أطلق عليه أمير المؤمنين ودام حكمه لمدة تصل إلى خمسين سنة.
بعد ذلك تولى الحكم ابنه الذي سار على نفس النهج وتوالى حكم العديد من الحكام بعدها حتى انتهت فترة حكم الأمويين وبدأت فترة حكم ملوك الطوائف.
على الرغم من كل الاضطرابات التي حدثت في تلك الفترة إلا أن الأندلس شهدت نشاط وازدهار كبير في الحياة الأدبية.
صفات شعر ابن زيدون
كتب ابن زيدون الكثير من شعر المدائح في أبي الوليد وأبي الحزم بن جهور وأيضًا المعتضد وبعض أمراء الطوائف.
إضافة إلى ذلك كان يكتب الكثير من شعر الرثاء، ولكن لا يوجد في المدح والرثاء الذي كان يكتبه أي نوع من التجديد حيث أنه كان يتناول المعاني المعروفة نفسها التي كانت متداولة عند كل القدماء.
تحدث عن صفات العظماء الكبيرة مثل الكرم والشجاعة والتقوى والإيثار، أي بالمجمل جميع المعاني المعروفة عند شعراء المشرق.
شعر الغزل لديه كان مرتبط بشكل كبير بولادة الفتاة التي أحبها وهام بها وكان من أنواع الغزل الصادق الذي ينبع منه الكثير من الحنين والعتاب والألم.
تميز أغلب شعره بصفة المبالغة بهدف التأثير بالسامع أو القارئ وبالتالي تحريك مشاعره.
كما نجد أنه تأثر بكل ما هو قديم على الرغم من أنه عاش في بيئة تختلف بشكل كبير عن البيئة التالي عاش بها المشارقة.
سمي ببحتري المغرب وذلك بسبب طول النفس الموجود لديه حيث كانت قصائده طويلة جدًا، والسبب الثاني هو كثرة استخدامه الزخارف الشعرية مع المحسنات البديعية لذلك نجد أن شعره كان شبيهًا بشعر البحتري.
مقتبسات من شعر ابن زيدون
سنذكر الآن أشهر الأبيات الشعرية التي اشتهر بها ابن زيدون:
أكرِم بولاّدةَ علقاً لمعتلقٍ
لو فرقت بين بيطارٍ وعطار
قالوا أبو عامرٍ أضحى يلمُ بها
قلت الفراشةَ قد تدنو من النارِ
وليلٍ أَدْمنا فيه شُرْبَ مدامةٍ
إلى أن بدا للصبح -في الليل- تأشيرُ
وجاءت نجوم الصبح تضربُ في الدُّوجى
فولت نجومُ الليل والليلُ مقهور
أصِخْ لمقالتي..
واسمعْ وخذ فيما ترى..
أو دع وأَقْصِرْ بعدها أو زِدْ
وطِرْ في إثرها أو قَع
لحا اللهُ يومًا لستُ فيه بملتقِ
مُحيَّاكَ مِن أجل النَّوى والتَّفرُّقِ
وكيف يطيبُ العيشُ دُون مسرةٍ؟
وأيُّ سُرورٍ للكئيب المؤرَّق
متى أبثّكِ ما بي
يا راحتي وعذابي
متى ينوبُ لساني
في شرحه عن كتابي
أنا والله أصلُح للمعال
وأمشي مشيتي وأتيه تيها
وأمكِّنُ عاشقي من صحنِ خدّي
وأُعطي قُبلتي من يَشتهيها
في النهاية نجد أن ابن زيدون كان من أكثر الشعراء براعة في عصره وترك مجموعة كبيرة من الأشعار التي لا تزال مشهورة حتى يومنا هذا.