اضطراب الشخصية التجنبية – الأسباب والعلاج
خَلَقَ الله سبحانه وتعالى الجنس البشري في شخصياتٍ مختلفة وسلوكياتٍ عديدة تختلف من إنسانٍ لآخر على حسب طبيعة التربية والبيئة التي يعيش بها والتجارب التي خاضها في مراحله الأولى من تكوين شخصيته، وجميع الأشخاص تقريباً لا يُحبون التنمر عليهم أو إلقاء اللوم والنقد أو حتى السخرية منهم، فيُحاول كل إنسان أن يُكوّن شخصية استقلالية وناجحة من أجل خلق بصمة خاصة بهِ في المجتمع من حوله.
ومنَ الجدير بالذكر، تتعدّد الاضطرابات النفسية والعقلية التي تُصيب الأفراد، فالبعض يُصاب بمتلازمة توريت أو الانفصام أو نوعٍ منَ الرهاب تجاهَ أشياء محددة، والبعض الآخر يُصاب بخجلٍ اجتماعي أو شخصية نرجسية تُسيطر عليه وعلى حياته اليومية، ومن أبرز أنواع الاضطرابات هيَ اضطراب الشخصية التجنبية AVPD.
فهل لكَ أن تتخيل شعور المُصابين بعدَ إلقاء النقد أو السخرية منهم؟ إنهم يُعانون من إحراجٍ اجتماعي يجعلهم في حالةٍ أقرب للوحدة والعزلة بدلاً من اختلاطهم بالمجتمع، ولذلك ما المقصود باضطراب الشخصية التجنبية؟ وما هيَ أعراضه؟ أسبابه؟ وطرق علاجه والتعامل معه؟
ما المقصود باضطراب الشخصية التجنبية Avoidant Personality Disorder؟
إنه عبارة عن اضطرابٍ نفسي يحدث للإنسان في مرحلةٍ مبكّرة من عمره بحيث يجعلهُ في حالة تجنب للظهور أمامَ العامة أو حتى للتعارف على أصدقاء جدد والاختلاط بهم، فمشاعرهم تُسيطر على عقلهم وحساسيتهم زائدة تجاهَ الآخرين، فأي إنسانٍ يُلقي عليهم النقد أو اللوم يفكرون بهِ ويشعرون بحالةٍ سيئة تجاهَ أنفسهم بأنهم فاشلين أو محطمين داخلياً أو لا يستطيعون مواجهة العالم الخارجي.
علاوة على ذلك، يُرّكز المُصابين بهذا الاضطراب على نقاط القصور لديهم ويخافون من مواجهتها أو تكوين علاقات في محيطهم تجنباً للرفض أو السخرية أو عدم تقبل الآخرين لهم، كما أنهم يُعانون منَ الكفاءة المنخفضة وفقدان الشغف تجاهَ حياتهم أو الاستمتاع بها، وذلكَ لاعتقادهم أنَ نمط حياتهم الثابت والمنعزل يحميهم منَ الخطر في الخارج.
وبالانتقال إلى نسبة المُصابين باضطراب الشخصية التجنبية فقد يصل لحوالي 2% منَ الأفراد المتواجدين في العالم، وقد تمَ ذكر هذا الاضطراب من قِبَل الطبيب النفسي أوغين بلولر في الكتاب الخاص بهِ بعنوان {جماعات الفصام}، وتزداد الإصابة بهِ في مرحلة البلوغ فيبتعد المُراهق عن الأجواء الصاخبة أو العائلية ويميل لاختيار علاقاته بدقة وعناية وأحياناً يصل بهِ الأمر إلى التخلي عن جميع الأفراد من حوله كونهُ لا يستطيع الحفاظ عليهم أو تقبلهم.
ما هيَ أعراض اضطراب الشخصية التجنبية AVPD؟
توجد عدّة علامات تظهر على المُصاب بهذا الاضطراب، ويُمكن ملاحظتها عليه من قِبَل والديه أو المقربين منه، وتتمثل في:
- الشعور بكره تجاهَ الذات وانعدام الثقة بالنفس.
- التركيز على العيوب المتواجدة في الشخصية.
- الحساسية والشعور بحالةٍ نفسية سيئة عندما يُحاول أي شخص انتقاد المُصاب أو عدم تقبل آرائه.
- الشعور بالخجل منَ التعارف على أشخاص جدد.
- الميل إلى العزلة.
- الميل إلى الوظائف التي يُمكن إنجازها في المنزل عوضاً عن الذهاب إلى مكان العمل لتجنب الاختلاط بالأفراد.
- فقدان الشغف تجاهَ الحياة أو التجارب الجديدة.
- الخشية منَ الرفض.
- المبالغة في تهويل آراء الآخرين عن شخصية المُصاب.
ما هيَ أبرز أسباب الإصابة باضطراب الشخصية التجنبية AVPD؟
بالتأكيد توجد عدّة عوامل وأسباب تُؤدي للإصابة بهذا الاضطراب والسيطرة على شخصية الفرد، وخاصةً إذا لم يتم علاجها في وقتٍ مبكّر فتتفاقم وتُرافق المُصاب طيلةَ حياته، ومن أهمها:
- البيئة المحيطة بالفرد: منَ المُمكن أنَ يكون الطفل قد أمضى حياته وسطَ عائلة تُوّجه لهُ الانتقادات اللاذعة ولا تهتم بمشاكله أو آرائه أو تُقلّل من قيمته وتُفضّل أشقائه عليه أو يتم نبذه من قِبَل الأم أو الأب إذا حدثَ بينهما انفصال، ومن هنا تتأثر شخصية المراهق أثناءَ بلوغه وترتبط هذه المشاعر والحساسية بهِ إلى أن تُؤثر على نمط حياته.
- العامل الوراثي: إنهُ سبب آخر للإصابة بهذا الاضطراب، فإذا كانَ أحد الوالدين يُعاني من انعدام ثقته بذاته ويخاف منَ الاختلاط بالآخرين ويتجنبهم ويُلقي اللوم على نفسه ويُفكّر بسلبياته، فقد تنتقل هذه السلوكيات والأفعال إلى الطفل تلقائياً.
ما هيَ طرق علاج اضطراب الشخصية التجنبية AVPD؟
بالرغم من أنَ العلاج ليسَ بالأمر السهل، لأنَ المُصاب لن يستطع تغيير روتينه وعاداته وسلوكياته بسهولة، إلّا أنهُ توجد بعض الخطوات التي بإمكانها التقليل من أعراض الاضطراب والسيطرة على الحالة والعودة إلى ممارسة الحياة بشكلٍ طبيعي، ومن هذه العلاجات:
- العلاج النفسي السلوكي: ويعرف أيضًا بالعلاج النفسي السريري، في البداية يجب التوّجه إلى معالج نفسي من أجل السيطرة على حالة الفرد وخاصةً إذا كانَ القلق أو الاكتئاب مسيطراً على نمط حياته، فالمُعالج في هذه الحالة سيُناقش المُصاب ويُحاول رفع ثقته بنفسه وتغيير أفكاره من خلال التأثير على عقله الباطن بأفكارٍ جديدة وكيفية التعامل معَ النقد دونَ التأثير على الذات.
- الأدوية: إنَ هذه الخطوة ليست منَ العلاجات الفعّالة لهذا الاضطراب، ولكن منَ المهم إجراء الفحوصات لاكتشاف ما إذا كانَ المُصاب يُعاني من قلقٍ حادّ أو نوبات اكتئاب، فيتم صرف مضادّات الاكتئاب للتحسين منَ الحالة أو مضادّات القلق.
- العلاج السلوكي المعرفي: منَ المهم إجراء هذه الخطوة العلاجية من أجل تحديد التجارب السابقة والمعاناة التي خاضها المُصاب والتي أثرت على نفسيته وجعلتهُ في حالةٍ منَ الخجل والوحدة والخوف منَ المحيط الخارجي، فيتم التخلص منها تدريجياً وانتشالها منَ الذاكرة والتعلم منها بدلاً منَ التعمّق بها.
- تحسين المهارات الاجتماعية: من هنا يأتي الدعم المعنوي والمساعدة من قِبَل المقربين منه، فيجب تشجيعه على تكوين صداقات جديدة والاختلاط بالمجتمع بشكلٍ تدريجي، لأنَ المواجهة والتعرّض للمواقف ستُغيّر تفكير الشخص وتكسر حاجز الرهاب والخوف لديه.
- الدعم الإيجابي للذات: إذا كنتَ أحد المُصابين بهذا الاضطراب فلا بدَّ أنَ أفكارك السلبية والسوداوية تُسيطر عليك، فعندما تخرج وتلتقي بأشخاص جدد بدلاً من إلقاء الكلمات التشاؤمية مثل {لن يتقبلني، لن ينجذب إليّ، إنهُ يُحاول تجنب الاقتراب مني} حاول أن تُغيّر تفكيرك وتبدأ بإلقاء الكلمات الآتية {أنا جميل اليوم، أستحق الحب والاحترام، لن يُعكّر السلبيين مزاجي، أنا قوي وقادر على تحقيق أهدافي}.
إنَ الإصابة باضطراب الشخصية الاجتنابي ليسَ أمراً خطيراً، ولكن البقاء في أعراضه والسماح لهُ في السيطرة على حياتك هوَ الأمر الخطير، فعليكَ إدراك أهمية الحياة وأنَ شخصيات البشر مختلفة، فمثلما تُقابل شخصاً ينتقدك ستُقابل شخصاً يحبك ويحمل لكَ الاحترام والتقدير، فلا تجعل الآخرين يُسيطرون على حياتك ويسلبون منكَ الحرية والمتعة، بل كن أنتَ المسيطر وغيّر أفكارك منَ السلبية إلى الإيجابية لعيش حياة هانئة ومريحة.
{{نأمل أن يعجبكم المقال أيها الرائعون}}.